&علاينة عارف من باريس: في 31 مايو، احتفل المستشرق البريطاني برنارد لويس بمناسبة بلوغه مئة سنة. وبهذه المناسبة راحت الأوساط الإستشراقية والأكاديمية، تحتفل عبر ندوات ومقالات تقييمية وتكريمية. إذ يعتبر برنارد لويس آخر المستشرقين والباحثين في شؤون الشرق الأوسط، الأحياء من المدرسة القديمة. وتحليلاته غالبًا ما كانت ولا تزال تثير الجدل. ولد من أسرة يهودية من الطبقة الوسطى في لندن. منذ صغره، اهتم بالعبرية والآرامية والعربية، وعمق أيضًا معرفته باللاتينية واليونانية والفارسية والتركية.

&لقد تخرج عام 1936، من كلية الدراسات الشرقية، نال شهادة البكالوريوس في التاريخ مع الإشارة بوجه خاص إلى الشرق الأدنى والشرق الأوسط. ثم حصل على درجة الدكتوراه بعد ثلاث سنوات. وتخصص في&تاريخ&الإسلام. درس لويس أيضا القانون، وكان على وشك ان يمارس المحاماة، إلا أنه عاد لدراسة تاريخ الشرق الأوسط. حيث درس مع المستشرق لويس ماسينيون وحصل على "دبلوم قصر للدراساتSémitiques في&عام&1937. وفي عام 193، عاد إلى SOAS &باعتباره محاضرًا مساعدًا في التاريخ الإسلامي. وقد نشر دراسات عديدة من اهمها دراسته التي نُشرت فيما بعد، وكتابا عن حركة&الحشاشين&والأمير&حسن&الصباح...&والكتاب قيم وغزير فى معلوماته. وحين دخل جامعة برينستون، أخذ يتنقل في مناصب عديدة. وبعد تقاعده من جامعة برينستون في عام 1986، حصل لويس على منصب كبير في جامعة كورنيل حتى عام 1990. وتوسع نطاق دراساته وبحوثه في كل مجال من مجالات التاريخ الإسلامي المفتوح للمستشرقين. ومن كتبه الأكثر جدلاً "جذور الغضب الإسلامي" و"الإسماعيلية" و"العرب في التاريخ" و"أين الخطأ"...&
برنارد لويس مستشرق ذو وجهين: أكاديمي بريطاني مختص بشؤون الإسلام وبالأخص بالتاريخ العثماني، ومن ناحية أخرى مدافع عن إسرائيل ومبرر فكريا ذبح الأرمن كخطأ وليس كإبادة. إنه، في الحقيقة، العارف بكل تفاصيل الفكر الإسلامي وتاريخه، لكنه، في نظر المفكر الفلسطيني ادوار سعيد، ذو تحليل منحاز إلى الهيمنة الغربية. وخير دليل على انحيازه، هو موقفه من إيران النووية. ففي مقال كتبه في صحيفة وول ستريت جورنال عام 2006، حذر لويس الغرب من أن إيران تعمل على صنع سلاح نووي منذ مدة خمسة عشر عامًا، كما أوضح عن مغزى 22 أغسطس 2006 في التقويم الإسلامي، حين أشار الرئيس الإيراني أحمد نجادي إلى انه سيرد بحلول ذلك التاريخ على مطالب الولايات المتحدة بشأن تطوير إيران للطاقة النووية. إذ حسب لويس أن التاريخ هذا يعادل الـ27 من شهر رجب من سنة 1427، اليوم الذي يحتفل فيه المسلمون بذكرى معراج النبي، رحلة الرسول محمد (ص) من بيت المقدس إلى السماء والعودة. وعلق لويس قائلاً انه سيكون "موعدًا مناسبًا لنهاية رهيبة لإسرائيل، وإذا لزم الامر، للعالم". وحين طلبت منه وزارة الخارجية الأميركية وضع دراسة حول العالم الإسلامي: أوضح لويس فيها أنه من الضروري “إعادة النظر في خريطة العالم الإسلامي ككل، بحيث يعطى لكل إثنية وطائفة ولكل أصحاب دين كيان خاص بهم. الهدف من هذه الدويلات الجديدة تحقيق نوع من "الاستقرار" السياسي الذي تقطف ثماره الولايات المتحدة".
في الحقيقة "كان لويس اكثر انصافًا لتاريخنا ومجتمعاتنا وخصوصًا عندما كان استاذًا بريطانيًا بجامعة لندن ابان الستينيات من القرن العشرين. ولكنه تغّير تغييرًا كبيراً بعد هزيمتنا امام اسرائيل عام 1967، وبدأ يتحّول شيئًا فشيئًا وخصوصًا بعد هجرته الى الولايات المتحدة الاميركية عن نهجه، واتبع نهجًا لم يلقَ أي استجابة من اغلب الدارسين والباحثين في الشرق الاوسط. ان التركيز على تعميق الخصومة بين المسلمين والاوروبيين بدل الموضوعية في قراءة التفاعل التاريخي بين الطرفين ينبغي اثارته امام برنارد لويس، فاذا كان (الغزاة) المسلمين ـ كما وصفهم ـ قد عدّوا كارثة عظمى للأوروبيين حتى انسحاقهم في بواتييه عام 732 م، فإنني كنت اتمنى عليه ان يشيد من باب الموضوعية الى ادوار ابن رشد وابن خلدون وبغداد والقاهرة وصقلية والاندلس في تشكيلات النهضة الاوروبية الاولى.. كان عليه ان يفصل بين المكونات الاجتماعية في عموم الشرق الاوسط، فالبدو لن يبقوا بدوًا عندما يستقرون ويصبحون حضرًا. واذا كان يثبت اجابته بعدم وجود عوامل عندما يستفسر عن سر التقدم السريع لأوروبا والتخلف المريع للعالم الاسلامي.. وهو يدرك ادراكًا تامًا لها تلك العوامل، فهو يغّيب عن قصد جملة هائلة من التحديات الداخلية والخارجية.. ويبقى مستفسرًا وبطريقة استفزازية: اين الخطأ في محاولة للوصول الى استنتاجات لا يمكننا الاقتناع بها ابدًا.. ان المشكلة ليست في عدم تقبّل (الكفّار) الاوروبيين ـ حسب رأيه ـ من قبل المسلمين، ولكن كيف اكتشف المسلمون كل الاوروبيين؟ ما هي طبيعة العلاقة التاريخية بين الاوروبيين والمسلمين؟ إن المسلمين لم يطالبوا بأي اعتذارات تاريخية من الاوروبيين مقارنة بما طالب به اليهود من الاوروبيين على ما اقترف بحقهم، وبرنارد لويس يدرك ذلك كونه يهودياً. إن المسلمين مدركون لحجم الانعكاس الثنائي بينهم وبين الاوروبيين منذ معركة ذات الصواري وحتى نهاية القرن الثامن عشر.. ولكنهم اصطدموا بتحديات الاوروبيين على ترابهم منذ حملة نابليون بونابرت حتى اليوم." أنظر مقالة د سيّار الجميل: "برنارد لويس: هل يستمع الى ملاحظات مخالفة؟"
&
الحلقة المقبلة: آراء بحاثة غربيين في هذه المناسبة