تحدّ جديد يبرز للمجلس الانتقالي الليبي، الذي يسيّر شؤون البلاد مؤقتًا، فتكرر حالات الانتقام بين مؤيدين للثوار ومؤيدي الديكتاتور المقتول معمّر القذافي، ينذر بحرب أهلية، بحسب تقارير عديدة. وتبدو الأزمة أكثر جلاء في ما يحصل في مدينة تاورغاء، التي هاجمها الثوار المنتمون إلى مدينة مصراتة، التي عانت حكم القذافي.


قام الثوار الليبيون بتغطية اللافتات التي تشير إلى اسم مدينة تاورغاء بعدما رسموا فوقها

طرابلس: تناولت صحيفة الـquot;واشطن بوستquot; حالات الانتقام، التي تسجل بين سكان مصراتة وتاورغاء في ليبيا، مشيرة إلى أن ذلك يعوق مسار المصالحة الوطنية، ويهدد بنشوب حرب أهلية في البلاد، التي تكافح للوصول إلى الديمقراطية، بعد مقتل الديكتاتور الليبي معمّر القذافي.

وأشارت الصحيفة إلى أن سكان تاورغاء (25000 نسمة) كانوا من المؤيدين للقذافي، وسرعان ما فرّوا بعد سماع نبأ مقتله، ليقينهم من أن الأعمال الانتقامية ستطالهم من مدينة مصراتة المجاورة.

تقول الصحيفة إن تاورغاء مهجورة من السكان، فيما تبدو آثار النهب والسرقة واضحة، حيث تم تحطيم الممتلكات وحرق المنازل وتخريب الممتلكات، إضافة إلى الكتابات التي خطّها الثوار، والتي تصف التوارغة بـ quot;جرذان القذافيquot;.

في شهر أغسطس، قام الثوار من مدينة مصراتة، الموجودة على بعد 25 ميلاً من شمال تاورغاء، بالسيطرة على المدينة، وهزموا قوات العقيد الليبي الهارب معمّر القذافي، وطلبوا من المدنيين المتبقين مغادرة المدينة، مشيرين إلى أن عودتهم لم تعد موقع ترحيب.

ونقلت الصحيفة عن سكان مصراتة زعمهم أن التوارغة قاموا باغتصاب نساء مصراتة وسرقة البضائع، وتعاونوا مع قوات القذافي لتدمير المدينة، ما يجعل العلاقة بين مصراتة وتاورغاء علاقة عدائية، كما يعتبر مؤشراً على الصعوبة التي سيواجهها الليبيون لنسيان الماضي بعد نجاح الثورة في الإطاحة بالقذافي.

وعلى الرغم من أن قادة ليبيا الجدد دعوا إلى ضبط النفس والمصالحة، معارضين بشدة اللجوء إلى سياسة الانتقام، غير أن إراقة الدماء في مصراتة هذه السنة أجّجت المشاعر، ودفعت العديد من السكان للبحث عن الثأر، مهما كانت العواقب.

ورأى ديبلوماسي غربي أن على قادة المجلس الليبي أن يكونوا أكثر حزماً في معالجة هذه الأزمة، محذراً من أن الفشل في حلّ مثل هذه النزاعات يمكن أن يزعزع استقرار ليبيا، ويعرقل محاولات الانتقال للديمقراطية.

مع ذلك، يبدو أن الناس في مصراتة، الذين تضرروا بشدة خلال الحرب، ليسوا في مزاج للمصالحة، فهذه المدينة كانت الأولى التي انتفضت في وجه القذافي، وعانت الحصار أسابيع طويلة من قبل الموالين للعقيد الليبي (معظمهم من التوارغة)، وقتل ما يقرب من 1300 من سكان مصراتة، وأصيب آلاف الجرحى في المعارك، وفقاً لما يقوله مسؤولو المدينة.

ويعتبر مسؤولون في مصراتة أن التوارغة يحملون مسؤولية الأعمال الوحشية، التي مورست بحقهم خلال الحرب، بما في ذلك أعمال الاغتصاب والسرقة، وقنص الناس من على أسطح البيوت وقصف المدينة بشكل عشوائي.

وقال إبراهيم بيتلمال، المتحدث باسم المجلس العسكري في مصراتة، إن تاورغاء يجب أن تمحى عن الخريطة الليبية، إلا أن القرار النهائي متروك للقيادة الوطنية. وأضاف quot;لو عاد إليّ القرار، كنت سأقرر أن أمحو تاورغاء، هذه المدينة لا ينبغي أن توجد على الخريطةquot;.

استولى مقاتلو مصراتة على مدينة تاورغاء في منتصف شهر آب/أغسطس، قبل أيام فقط من سقوط العاصمة طرابلس، في ضربة موجعة للقذافي، الذي اضطر إلى الاختباء في مسقط رأسه في مدينة سرت.

خلال الشهرين الماضيين، تحولت تاورغاء إلى مدينة أشباح، يستحيل الوصول إليها بسبب السواتر الترابية غيرها من العوائق التي قطعت الطرقات، وتمت تغطية اللافتات التي تشير إلى اسم المدينة، بعدما رسم الثوار فوقها، كما عمد أفراد من ألوية مصراتة إلى كتابة الشعارات على جدران المنازل المهجورة.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن فريقها رأى الميليشيات والأفراد من مصراتة يضرمون النار في 12 منزلاً خلال فترة ثلاثة أيام في أوائل أكتوبر، وأشاروا إلى أن الثوار من مصراتة يقودون الشاحنات التي حملوها بالأثاث والسجاد بعد نهب منازل تاورغاء، تحت أعين المقاتلين، الذين يزعمون أنهم يقومون بحراسة المدينة.

وقال اثنان من مقاتلي مصراتة إن التوارغة لم يعودوا موضع ترحاب، وسيكون عليهم quot;البحث عن أرض جديدة يبنون عليها منازلهمquot;، معتبرين أن quot;هذا هو الحلّ الأفضل حتى نتمكن من الاسترخاء والمضي قدماً بحياتناquot;.

وأشارت الصحيفة إلى نزاع مشابه يستعر بين بلدة الزنتان في الجبل الغربي في ليبيا وقبيلة المشاشية البدوية، التي استقرت في أرض مجاورة، بعدما أصدر القذافي قراراً بمنحهم إياها منذ عقود عدة.

ساند أفراد قبيلة المشاشية العقيد القذافي في قتاله ضد الثوار الليبيين، لكن سرعان ما فرّوا من منازلهم، حين هزمت قوات القذافي. ويقول المسؤولون في بلدة الزنتان إنهم لن يسمحوا للمشاشية بالعودة إلى منازلهم، التي نهبت وحرقت، إسوة بما حدث في تاورغاء الموالية للديكتاتور الليبي.

وقالت الأمم المتحدة إن عدد النازحين من المشاشية قد بلغ نحو 8700، كما يعتقد مسؤولو الإغاثة إنه من غير المحتمل أن يعود التوارغة والمشاشية إلى ديارهم في وقت قريب، لأن مشاعر الثار لا تزال مستعرة.

ودعا الزعيم الليبي المؤقت، مصطفى عبد الجليل، الثوار إلى ضبط النفس، وذكر على وجه التحديد، الصراع بين مصراتة وتاورغاء، وبين الزنتان والمشاشية، متعهداً بأن تتم محاكمة المذنبين والمتهمين بارتكاب انتهاكات خلال الحرب والاقتصاص منهم من قبل السلطات، على الرغم من أنه من غير الواضح مدى السرعة التي ستتمكن فيها ليبيا من وضع نظام عدالة جديد وفعال.

هيومن ريتس ووتش تحذر من هجمات انتقامية تستهدف الموالين للقذافي

قالت منظمة هيومن رايتس ووتش المدافعة عن حقوق الإنسان الأحد إن ميليشيات في مصراتة تنفذ هجمات انتقامية على السكان المشرّدين من بلدة تاورغاء القريبة، التي كانت من معاقل الموالين لمعمّر القذافي خلال النزاع الذي استمر ثمانية شهور في ليبيا.

فقد ذكرت المنظمة، التي تتخذ من نيويورك مقرًا لها، أنها تلقت تقارير موثوق بها تتحدث عن أن ميليشيات من مصراتة تطلق النار على أهالي تاورغاء العزل، فضلاً عن عمليات اعتقال تعسفية، وضرب محتجزين، أفضى في بضع حالات إلى موت الضحايا.

وقالت هيومن رايتس في تقرير لها quot;تروّع ميليشيات من مصراتة السكان المشردين من .. تاورغاء، حيث تتهمهم بارتكاب فظائع إلى جانب قوات القذافي في مصراتةquot;، مضيفة أن ما خلصت إليه من نتائج يستند إلى شهادات عشرات الأشخاص في أنحاء مختلفة من البلاد.

كما وثقت المنظمة وقوع عمليات نهب واسعة، فضلاً عن إضرام النيران في منازل في تاورغاء، كان آخرها الأربعاء، ونقلت عن ميليشيات في مصراتة قولهم إن سكان تاورغاء لا ينبغي أبدًا السماح لهم بالعودة إلى ديارهم quot;بعد ما فعلوه في مصراتةquot;.

وحثّت المنظمة المجلس الوطني الانتقالي على إخضاع أكثر من مئة مجموعة مسلحة من مصراتة تحت أمرة قيادة مركزية ومحاسبتهم على أفعالهم.

وكانت تاورغاء قاعدة انطلاق للهجمات على مصراتة ثالث كبرى المدن الليبية، والتي خضعت لحصار استمر خمسة أشهر من جانب قوات القذافي.

وبعدما تمكنت ميليشيات مصراتة من كسر الحصار على مدينتهم، والتقدم باتجاه طرابلس، نزح سكان تاورغاء في آب/أغسطس، قبل أن تسقط طرابلس في أيدي القوات المعادية للقذافي في 23 آب/أغسطس.

واتهمت سلطات مصراتة وسكانها على نطاق واسع سكان تاورغاء بارتكاب جرائم خطرة إلى جانب قوات القذافي، بينها عمليات قتل واغتصاب، حسبما أشارت هيومن رايتس ووتش.

وقالت سارا ليا ويتسون مديرة هيومن رايتس ووتش للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في بيان للمنظمة إن quot;عمليات الانتقام ضد سكان تاورغاء، مهما كانت الاتهامات الموجّهة إليهم، تقوّض غاية الثورة الليبيةquot;.

وتابعت quot;في ليبيا الجديدة، ينبغي مقاضاة المتهمين من سكان تاورغاء على الاتهامات الموجّهة إليهم بالاستناد إلى القانون، وليس عبر الثأر الشخصيquot;.

وأضافت أن بين التحديات الرئيسة، التي تواجه نظام الحكم الجديد، حلّ الميليشيات العديدة في ليبيا أو دمجها ضمن جيش مهني، فضلاً عن المصالحة مع سكان المعاقل السابقة للقذافي من قبيل سرت وبني وليد وتاورغاء.