مع مضيّ اليوم الثالث على الخطاب quot;المفاجئquot; الذي وجّهه العاهل السعودي إلى النظام السوري من دون أن يصدر تعليق رسمي من نظام البعث، تتوالى التساؤلات حول دوافع هذا السكوت والتجاهل، كما تُثار التساؤلات حول محاولات ركوب موجة الخطاب من قبل كثيرين. إيلاف بما لديها من معطيات تحاول الإجابة.
إقرأ المزيد مصادر quot;إيلافquot; تكشف دوافع الخطاب الملكي السعودي تجاه سوريا |
الرياض: ماذا يعني سكوت النظام السوري لليوم الثالث على التوالي من خطاب العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز؟، وماذا يعني أصلاً أن يتجاهل الخطاب السعودي المعارضة السورية ويذهب باتجاه النظام والشعب المقموع فقط؟.
وكيف يمكن قراءة التيارات المتضادة، المتقاطعة، التي حاولت ركوب موجة الخطاب وغضّت النظر عن فحواه ودلالاته المباشرة وغير المباشرة؟.
هذه الأسئلة وغيرها تطرحها quot;إيلافquot; وتقرأ إجاباتها من خلال المعطيات المتوافرة على أرض واقع المنطقة المضطربة، والمتورطة حتى النخاع بالمصالح الدولية والتعقيدات العرقية والطائفية.
إذا، مضى اليوم الثالث على الخطاب quot;المفاجئquot; الذي وجّهه العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى النظام السوري من دون أن يصدر تعليق رسمي من نظام البعث الممسك بقبضة السلطة في سوريا منذ أكثر من 4 عقود.
وعلى الرغم من أهمية الخطاب الذي ألقاه ملك السعودية وعمق دلالاته السياسية، إلا أن ما يلفت النظر فورتداول البيان في كل وسائل الإعلام العربية والدولية، هو السكوت الذي غطّى أركان النظام البعثي وتوابعهوموالاته في غير مكان في المنطقة بما في ذلك quot;إيرانquot;.
في جولة سريعة على وكالتي الأنباء السورية quot;ساناquot; وصحف رسميةعدةلم يخرج تعليق رسمي واحد حول ما تطرق له العاهل السعودي في خطابه، وتبع هذا السكوت، هدوء نسبي في الصوت الموالي والداعم للنظام السوري بما في ذلك وكالات الأنباء الإيرانية الرسمية وشبه الرسمية.
يقول الدكتور صالح الخثلان وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود في الرياض إن هذا السكوت قد يعني أن هناك مراجعة داخلية في دهاليز النظام السوري، وأضاف الخثلان quot;من الممكن قراءة هذا الصمت بشكل ايجابي، خصوصًا وان القيادة السورية دأبت في غالب مواقفها على التصعيد في كل القضايا التي تكون السعودية طرف ضدٌ فيهاquot;.
وأوضح الخثلان أن هذا الأمر quot;رغم غرابته، الا انه يبدو ان السوريين يحاولون الوصول إلى خلفيات القرار السعودي، سواء بقرار استدعاء السفير أو الكلمة، التي من المؤكد أنها فاجأتهم سواء بمباشرتها أو قوتها، لأنهم كعادتهم يعتقدون أنهم وحدهم في الساحةquot;.
لكن الخطاب السعودي لم يتوقف على هذا النحو من حيث الفعل ورد الفعل فقط، بل إن اللافت أيضاً هو التيارات المتضادة التي راحت تلتقط ما يناسبها من الخطاب وتلحن عليه مواويلها في سوق التجاذبات الإقليمية.
لنبدأ من الخارج ودول المهجر، حيث المعارضة السورية، وخصوصًا المؤتمر السوري للتغيير (أنطاليا) باعتباره الأكثر تنظيما وتأثيراً على الساحة الدولية، فالمؤتمر رحّب بخطاب الملك ووافق الكثير من أعضائه على ما تضمنه الخطاب، ولكن مراقبين سياسيين يرون في بعض أطروحات رموزه دعوة صريحة إلى استغلال كلمة الملك عبدالله نحو تدويل القضية السورية، وهو أمر يتشابه كثيراً مع حقبة المعارضة العراقية حينما صعّدت واستغلت كل الدعوات، ليأتي أحد رموزها أحمد الجلبي على دبابة أميركية لاحتلال بغداد.
العاهل السعودي في كلمة تاريخيّة: ما يحدث في سوريا لا تقبله المملكة |
أما التياران المتضادان تماماً، فأحدهما استمرء أصلاً أي دعوة إلى الخراب، واستغل خطاب الملك عبدالله ليبث quot;إيديولوجيتهquot; العنيفة، ويحاول جرّ الداخل السوري، بل والمنطقة،إلى العنف، واعتبار أن ما يحدث في سوريا هو حرب مقدسة.
من ذلك ما صرّح به أحد مشاهير الصحوة الإسلامية عندما دبج الكثير من العبارات عن الجهاد والإسلام والمسلمين، من دون أي اعتبار للمعطيات السياسية والتنوع العرقي والطائفي في سوريا، فضلاً عن البعد الإقليمي والدولي المملوء بالمصالح والتقاطعات.
هذا الخطابيحاولتوظيف كلمة الملك للعودة بالمنطقة إلى مرحلة الثمانينيات، حيث سادت أجواء التعبئة والشحن للجهاد التي لا نزال نعاني تبعاتها حتىهذا اليوم. ولذلك يرى الخثلان أنه quot;من المهم حماية التحرك السعودي تجاه معالجة الأزمة في سوريا من أي مشاريع تعبوية وان يبقى في اطاره الدبلوماسيquot;.
أما التيار الأخير فهو أقل أثراً، ولكنه حاضر كالعادة بفكرة المؤامرة، ويحيل أي دعوة إلى التعقل والحكمة في معالجة الأمور (كما هي دعوة الملك)، إلى دعوى المؤامرة والإمبريالية والصهيونية وباقي الديباجة التي لم تعد تطعم فقيراً، أو ترد رصاصة عن صدر متظاهر سلمي.
مما سبق، يمكن تلخيص المجريات إلى ثلاث دلالات مهمة، أولها أن خطاب المملكة بدقته وحنكته السياسية ركز كثيراً على quot;الحكمةquot;، وقال إنها هيالحل، وإن ما سواها ليس إلا الضياع، وهو بذلك يعطي إشارة واضحة إلى أن التعقل إن لم يكن حاضراً فإن انفجار الأوضاع لن يمكن بعده العودة إلى أي مربع تجاوزه جندي الشطرنج في طريقه إلى الشاه.
خصوصاً وأن المملكة بكل ثقلها السياسي والاقتصادي والديني أيضاً تعي وتعرف متى ترفع إشارة الخطر في طريق خبرتها الطويل.
أما الدلالة الثانية فهي أنالخطاب كان يركز حديثه نحو القيادة السورية، ونحو الشعب الأعزل، الذي له مطالب مشروعة أقر بها الرئيس السوري نفسه في بداية ثورته في منتصف مارس/آذار الماضي، وأطلق النظام وعوداً كثيرة بتنفيذها، ولم يعرج الخطاب نهائياً إلى المعارضة السورية في الخارج.
آخر الدلالات يكمن في المكانة الخاصة التي تحتلها سوريا لدى الملك عبدالله، ويتضح ذلك جلياً من العبارات التي حواها الخطاب، وهذا ما يفسر التحركات السعوديةقبل الخطاب وأثناءه وبعده أيضاً، حيث أكدت مصادر وثيقة تحدثت لإيلاف أن السعودية حاولت من خلال الاتصالات المباشرة او غير المباشرة مثل التنسيق مع تركيا أن تحتوي الأزمة في الجمهورية السورية لتنتهي بسلام لا يخلّ باستقرار المضطربة أصلاً.
وقالت المصادر نفسها أن المملكة سعت إلى تأمين كل ما من شأنه توفير الأجواء اللازمة لإخماد الأزمة قبل استفحالها بعكس ما كانت تفعله قوى أخرى في المنطقة من حيث سكبها الزيت على النار بتوريد الأسلحة وإطلاق التصريحات المؤيدة للقمع واتهام المشروع الغربي في تحريك الشارع السوري.
المأمول- حسب الدكتور الخثلان - هو أن يدعم هذا الخطاب الأصوات المعتدلة داخل النظام السوري والتي تدرك ماذا يعنيه الموقف السعودي، خاصة حينما يعبّر عنه بطريقة غير معتادة في الدبلوماسية السعودية، سواء باستدعاء السفير او الدعوة الى اصلاحات حقيقية في شأن داخلي.
التعليقات