كشفت مصادر متعددة لـquot;إيلافquot; عن أن أسبابًا عديدة دفعت العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى توجيه خطابه التاريخي الذي تضمن موقف المملكة من التداعيات في سوريا، وهو الموقف الذي وصفه بعض المراقبين بأنه quot;أشد انتقاد توجّهه السعودية لدولة عربية منذ تفجّر موجة احتجاجات الشرق الأوسط وإسقاط رئيسي تونس ومصرquot;.


العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز

سلطان عبد الله من الرياض: تقول المصادر إن الخطاب الملكي، الذي جاء بعد بيان مجلس التعاون الخليجي وبيان الجامعة العربية، ما كان ليحدث لو استمع الرئيس السوري بشار الأسد إلى نصائح الملك عبد الله منذ اندلاع شرارة الثورة في سوريا، والتي كانت كفيلة بإعادة الأمن والاستقرار إلى بلاد الشام بدلاً من الاندفاع بشكل جنوني نحو تكثيف السلطات السورية لهجمتها الأمنية والعسكرية، الأمر الذي أدى إلى تصاعد أعداد القتلى من المواطنين السوريين، رغم وصول رسائل من جهات عربية ودولية إلى الرئيس الأسد، مفادها أن quot;الحل الأمني سيفشل على الأرض، وأن التظاهرات في الشارع السوري لن تتوقف طالما استمر الصراع بين شعب أعزل وحكومة مسلحةquot;.

وتؤكد المصادر لـquot;إيلافquot; أن سياسة القمع التي انتهجتها القيادة السورية تجاه شعبها الأعزل مستخدمة مختلف أنواع الأسلحة، بما فيها الدبابات، أحبطت جهودًا سعودية لعقد مؤتمر مصالحة سورية ـ سورية بمثابة quot;طائف سوريquot; يجمع بين الأطراف الحكومية والمعارضة، ويثمر عن اتفاق من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار في سوريا.

إلا أن انصياع الرئيس الأسد وكبار معاونيه لتوجيهات إيران وحزب الله برفض الاستجابة إلى المساعي السعودية والاستمرار في انتهاج سياسة القبضة الحديدية وتبني الحلول الأمنية حال دون ذلك.. ما أدى إلى أن يقف الرئيس الأسد الابن وحيدًا في مواجهة العالم.

ودعا الملك عبد الله في خطاب وجّهه إلى الشعب السوري الأحد إلى وقف آلة القتل، وأعلن أن quot;مستقبل سوريا بين خيارين، إما الحكمة أو الفوضىquot;، كما أعلن استدعاء السفير السعودي في سوريا عبد الله بن عبد العزيز العيفان، الذي كان قبل إعلان الخطاب بأقل من ساعة يقيم مأدبة إفطار في فندق الفورسيزنز في دمشق، بحضور رسمي وشعبي سوري رفيع quot;للتشاور حول الأحداث الجارية في سورياquot;.

وقال الملك إن quot;ما يحدث في سوريا لا تقبل به المملكة العربية السعودية، وإن الحدث أكبر من أن تبرره الأسبابquot;، وطالب العاهل السعودي النظام السوري quot;بإيقاف آلة القتل وإراقة الدماء، وتفعيل إصلاحات شاملةquot;. وأكد أن quot;المملكة تقف تجاه مسؤوليتها التاريخية نحو أشقائهاquot;.

وقالت المصادر في سياق حديثها لـquot; إيلافquot; إن الرئيس الأسد أعطى وعودًا للعاهل السعودي بتهدئة الوضع والاحتكام إلى لغة العقل والواقع مرات عدة، quot;إلا انه لم يف بأي وعد له في هذا الشأنquot;. وأشارت إلى أن الدعم السعودي للحكم السعودي تجاوز الشق السياسي إلى الناحية الاقتصادية، وكان آخرها القرض الذي منحه الصندوق السعودي للتنمية في الشهر الماضي، وقدره مئة مليون دولار، لتمويل مشاريع إنمائية سورية.

ما ساهم أيضًا في إعلان الموقف السعودي توافر معلومات لدى الرياض عن تسارع مشاورات دولية تصب في اتجاه تأييد تدخل دولي في الشأن السوري، وهو الأمر الذي زاد من مساحة القلق لدى القيادة السعودية، ودفعها إلى تكثيف اتصالاتها مع عدد من الدول الشقيقة والإسلامية للحيلولة دون وقوع ذلك، وفي مقدم تلك الدول تركيا، من خلال اتصالات هاتفية تمت بين قيادتي البلدين، جرى خلالها الاتفاق على توجيه quot;إنذار سريعquot;إلى القيادة السورية لعلها تعود إلى صوت العقل والتعقل والحكمة قبل حدوث ما لا يحمد عقباهquot;.

واعتبرت المصادر أن القيادة السورية اتخذت قرار quot;الانتحارquot; من خلال رفضها التجاوب مع النداءات الدولية والعربية، وكان آخرها قبل الخطاب السعودي بيان دول مجلس التعاون الخليجي، والذي أعربت سوريا عن أسفها حياله، ورأت أن على المجلس أن يدعو إلى وقف quot;أعمال التخريبquot;فيها.

وصرّح مصدر سوري رسمي في بيان صادر من وزارة الخارجية أن quot;سوريا تلقت بأسف البيان الذي أصدره مجلس التعاون الخليجيquot;. وأضاف المصدر أن quot;الخروج من دوّامة العنف الراهنة وصدق الرغبة في مصلحة سوريا يتطلب من الأشقاء العرب في مجلس التعاون الخليجي الدعوة إلى وقف أعمال التخريب وشجب العنف المسلح الذي تقوم به جماعات لا تريد للوطن السوري خيرًا (..) ويتطلب أيضًا إعطاء الفسحة اللازمة من الوقت كي تعطي الإصلاحات المطروحة ثمارهاquot;.

وأشار المصدر إلى أن quot;البيان تجاهل بشكل كامل المعلومات والوقائع التي تطرحها الدولة السورية، سواء لجهة أعمال القتل والتخريب التي تقوم بها جماعات مسلحة تستهدف أمن الوطن وسيادته ومستقبل أبنائه، أو لجهة تجاهل حزمة الإصلاحات المهمة التي أعلن عنها الرئيس بشار الأسد في خطابهquot;.

وعبّرت سوريا في البيان عن أملها بأن يعيد quot;الأشقاء العرب النظر في مواقفهم، آخذين في الاعتبار ما تقوم به القيادة السياسية السورية من أجل تجاوز الأزمة الراهنة، والسير بالبلاد في الطريق إلى تحقيق الأمن والاستقرار وتلبية مطالب الشعب السوري وحاجاتهquot;.

لعل أوضح الإشارات التي تدل على مستقبل الوضع في سوريا إعلان نائب رئيس الوزراء التركي والمتحدث باسم الحكومة بولنت أرينج أمس الاثنين quot;أن الأحداث في سوريا تخصّ المنطقة والعالم، لذلك من المستحيل توقع أن تبقى الولايات المتحدة والدول الأوروبية غير مبالين بهاquot;.

ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن أرينج قوله بعد اختتام اجتماع الأمن الخارجي، الذي عقد في مكتب رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان، إن quot;الحوادث في سوريا تخصّ المنطقة والعالم، وليس تركيا وسوريا فقط. لذلك من المستحيل أن نتوقع أن تبقى وزارة الخارجية الأميركية والدول الأوروبية لا مبالية تجاه التطورات الأخيرةquot;.

وترأس إردوغان الاجتماع الذي ضمّ رئيس هيئة الأركان الجنرال نجدت أوزيل ووزير الخارجية ووزير الدفاع عصمت يلمز. وأضاف أرينج انه quot;في وقت يتوقع العالم من الحكومة السورية أن تجري إصلاحات ديمقراطية انسجاماً مع مطالب الشعب السوري، أسفرت عمليات عسكرية واسعة النطاق عن مقتل مدنيين في سورياquot;. واعتبر أن لا توقيت العمليات في رمضان مقبول، ولا أسلوبها، معرباً عن الأسف لأن مئات النساء والأطفال قتلوا في سوريا.

ومن المقرر أن يتوجه وزير الخارجية أحمد داود أوغلو اليوم الثلاثاء إلى دمشق بتوجيهات من إردوغان لشرح المواقف والأفكار التركية بطريقة حازمة. وضرورة تنفيذ المطالب المحقة للشعب السوري وتنفيذ إصلاحات ديمقراطيةquot;. وأوضح بيان صدر من المكتب الإعلامي لرئاسة الوزراء أن الاجتماع هو quot;تقويم عام يركّز على مسائل تتعلّق بالأمن الخارجيquot;.

جاء الاجتماع قبيل زيارة داود أوغلو إلى دمشق، حيث قال إردوغان إنه سيحمل رسالة مفادها أن quot;صبر تركيا نفذ إزاء استمرار نظام الرئيس السوري بشار الأسد في قمعه الدموي للمتظاهرينquot;. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون طلبت في اتصال هاتفي من نظيرها التركي أحمد داود أوغلو نقل رسالة واضحة إلى دمشق تطالبها بـquot;إعادة جنودها إلى ثكناتهم فوراً وإطلاق سراح جميع المعتقلينquot;.