الأمير بندر بن سلطان

عكس إعلان السعودية عن تعيين رئيس ونائب جديدين لجهازها الاستخباراتي، رغبة المملكة التي تشعر بالتهديد المتصاعد لنفوذها في المنطقة، في إعادة تفعيل دور هذا الجهاز الحيوي، وتحويله إلى واحد من اللاعبين على ساحة الشرق الأوسط، بعد سنوات انحصر فيها دوره في أفريقيا وآسيا.


لندن: وبناء على ما رفعه الأمير بندر بن سلطان، فقد أعفى العاهل السعودي نائب رئيس الاستخبارات الأمير عبد العزيز بن بندر ليحل محله الفريق ركن يوسف الإدريسي، الذي كان يشغل منصب مساعد رئيس الاستخبارات، حسب ما أشار بيان رسمي نشرته وكالة الأنباء السعودية.

ويأتي قرار إعفاء نائب الرئيس بعد ثلاثة أشهر فقط من تعيين رئيس جديد للاستخبارات، ما يعكس رغبة المملكة في أن يلعب جهازها الاستخباراتي دوراً له طابع مختلف في ملفات المنطقة، وسوريا أولها، خصوصا وأن نائب الرئيس الجديد يأتي من خلفية عسكرية صرفة لم تنقطع ممارسته لها حتى بعد انضمامه إلى الاستخبارات.

وعيّن بندر بن سلطان رئيسا للاستخبارات خلفاً للأمير مقرن بن عبد العزيز، ليكون الرئيس السابع لهذا الجهاز منذ تأسيسه بداية الخمسينات، إذ تعاقب عليه كل من:محمد العيبان، وسعيد كردي، وعمر شمس، الذي كان ظلالا للرجل المخيف كمال أدهم، ثم الأمير تركي الفيصل، والأمير نواف بن عبد العزيز، والأمير مقرن بن عبد العزيز.

تأسس جهاز الاستخبارات السعودي في عهد الملك سعود، الذي كان يراجع الأعمال الاستخبارية بنفسه، وكان محمد العيبان، رئيس النواة الأولى لهذا الجهاز، يعمل في مكتب واحد مع جهاز المباحث العامة، حتى تم الفصل بينهما بعد ذلك بعام واحد، لتصبح الاستخبارات جهازاً مستقلا لديه مئات المكاتب حول العالم.

جهاز الاستخبارات السعودية مرّ بأطوار من التمدد والانكماش خلال الأربعين سنة الماضية، إذ بدأ جهازاً صغيراً فيعهد الملك سعود، ثم تطور في عهد الملك فيصل الذي استفاد من الأزمات التي تعصف بالعالم العربي، وأصبح ذراعاً قوية تضخمت بسبب إشراف كمال ادهم المتوفى عام 2000.

والشيخأدهم هو الأخ غير الشقيق للملكة الراحلة عفت الثنيان، وخال الأمراء محمد وسعود وتركي، وكان مشرفا فعليا على عمليات هذا الجهاز، رغم أن رئيس الاستخبارات هو السيد عمر شمس، وهو آخر شخص من العموم يتولى المنصب قبل أن يذهب لواحد من أفراد الأسرة المالكة، وقد كان الأمير تركي الفيصل.

كان لكمال أدهم، اسم، وصورة، وصوت، وفعل، ومبتدأ، وخبر، في عدد من الملفات السياسية في المنطقة لدرجة جعلت الرجل مهددا من معمر القذافي في آخر حياته، إذ كان مجنون ليبيا المخلوع يعتقد أن هنالك أسرارا لا يعرفها إلا أدهم، ما جعل الرجل الاستخباراتي العتيق لا يغلق أجهزة التلفزة في منزله حتى تشوش على المتنصتين، الأصدقاء، والأعداء، على حد سواء.

في عهد الملك فيصل تمت تقوية الاستخبارات الخارجية بسبب دور السعودية آنذاك، وحاجتها الشديدة إليه، في ظل الصراع مع مصر، الذي اتخذ أشكالاً عدة، كان من بينها العمل السري، ومن ثم وجود كمال ادهم، وهو رجل ضليع بالعمل الاستخباراتي، وكان مشرفاً فعلياً رغم الرئاسة الصورية لعمر شمس.

بقيت هذه الصورة حتى عصر الملك خالد، ثم تمكن الملك فهد- الأمير فهد آنذاك- من تقليص دور ادهم وإلغائه، وتعيين ابن أخيه تركي رئيسا للاستخبارات، ليدخل هذا الجهاز مرحلة جديدة في عهده، اهتمت فيه المملكة بالتطوير الإداري للجهاز، والحرص على التنسيق الدولي بعيد المدى.

وأدى ذلك إلى تقليص دور الاستخبارات، كون أن الملك فهد كان يميل إلى رأي مدرسة أخرى في النظام السعودي، تدعو إلى تقليل نسبة العمل السري، والارتكاز على دور الملك شخصياً في السياسة الخارجية، والتنسيق مع القوى الكبرى، خصوصا أميركا وبريطانيا، عن طريق بندر بن سلطان، سفير السعودية في واشنطن آنذاك.

وطوال حكم فهد كان بندر رمح الملك، ورسوله، ورجله، ويمينه، ومدفعيته الثقيلة.

ويقول رجل استخباراتي سابق رفض الكشف عن هويته علنا إن quot;الاستخبارات السعودية مع ما لها من فعالية في الداخل إلا أن دورها منوط برغبة الملك شخصياquot; على حد تعبيره.

ويضيف:quot;الاستخبارات في المملكة لا تتمتع بقوة طاغية في الداخل...هناك أجهزة اقوى منها في هذا المجال، ولا يتوقع أن تقحم نفسها في مهامل غيرها. فطبيعتها لاخارجية على الأكثرquot;.

على أن تطور هذا الجهاز تبعه تطور آخر من جانب جهاز المباحث العامة التابع لوزارة الداخلية، والذي شهد قفزات ملحوظة سواء حين كان يشرف عليه الملك فهد حين كان وزيراً للداخلية، أو حين تولاّه الأمير نايف بن عبد العزيز، ووفر له كافة الأدوات ليكون من أقوى الأجهزة الأمنية في المنطقة.

وفي بلد مشهور بالحركة الثقيلة مثل السعودية، فإن صوت التغيير يسمع بوضوح، وينتقل صداه بسرعة البرق إلى الدول المجاورة، فما بالك اذا كان ذلك الصوت يحمل نبأ بتعيين رئيس جديد لجهاز حساس، وهو جهاز الاستخبارات، ورئيس جديد اسمه بندر بن سلطان.

وتشكل عودة الأمير بندر وهو أحد الصقور الداعين إلى سياسة متشددة مع ايران، رغبة الملكية السعودية في انتهاج سياسة أكثر حزما تجاه عدد من ملفات المنطقة، وتحريك جهاز الاستخبارات للتنسيق مع نظرائه الكبار في المنطقة.

ويملك الأمير بندر الآن حرية أكبر في الحركة، نظراً لأن صلاحيات جهاز الاستخبارات، أكثر وضوحا من صلاحيات مجلس الأمن الوطني، الذي تعد اختصاصاته غائمة أو غائمة جزئياً، على طريقة تعبير مذيعي النشرات الجوية.

وتعتبر السعودية من الدول النادرة في العالم الثالث التي يعرف المواطنون فيها هوية رئيس الاستخبارات، ويصدر أمر ملكي ينشر في جميع الصحف الرسمية عن المسؤول المعين أو المُقال، وذلك عكس ما يحدث في دول كثيرة تحرص على إبقاء هوية رئيس هذا الجهاز الحساس في طي الكتمان حتى يفارق الحياة.