وفاة البابا شنودة أثارت حزن المصريين جميعاً

ساد جو من الحزن والصدمة في مصر، حيث تفاجأ المصريون عامة والأقباط بشكل خاص بوفاة البابا شنودة رغم علمهم بمرضه. وعقد المجمع المقدس إجتماعاً تقرر فيه اختيار الأنبا باخوميوس، لشغل منصب القائم مقام البابا لمدة شهرين، تجري خلالهما الانتخابات لإختيار البطريرك الجديد.


القاهرة: رغم أن البابا شنودة كان يعاني من المرض منذ نحو ثلاثة أعوام، إلا أن المصريين عموماً والأقباط خصوصاً أصيبوا بصدمة شديدة بعد الإعلان عن وفاته مساء أمس السبت 17 آذار (مارس) الجاري، وهو الشهر نفسه الذي شهد رحيل البابا أيوم كيرلس السادس، الذي خلفه البابا شنودة الثالث في بطريركية الأقباط الأرثوذكس، والذي توفي في 9 آذار (مارس) العام 1971 .

تدهور مفاجئ

ووفقاً لمصادر كنسية، فإن صحة البابا شنودة الثالث شهدت تدهوراً واضحاً بعد عودته من رحلة علاج قام بها إلى أميركا يوم 29 يناير الماضي، حيث دأب على العلاج في مستشفى كليفلاند في ولاية أوهايو الأميركية، مشيرة إلى أن البابا كان يعاني من الفشل الكلوي المزمن، وقد فشلتالعمليات التي قام بهالزرع كلى مرات عدة، بالإضافة إلى أنه كان يعاني أيضاً من خشونة مزمنة في المفاصل، وأضافت المصادر لـquot;إيلافquot; أن رحلة العلاج الأخيرة لم تستغرق سوى أسبوعين، رغم أنه كان من المقرر لها أن تستغرقشهراً ونصف الشهر على الأقل، منوهة بأن الأطباء نصحوا بأن يتلقى علاجه في القاهرة نظراً لشعوره بالإرهاق بسبب السفر، بالإضافة إلى أن الأطباء وجدوا أن إحتمالات الشفاء التام صارت ضعيفة.

وحسب المصادر، فإن صحة البابا شنودة شهدت تدهوراً شديداً ومفاجئاً خلال الأيام العشرة الأخيرة، وتحديداً منذ يوم الجمعة 9 آذار (مارس) الجاري، حيث لازم الفراش في قلايته في الكاتدرائية، ولم يكن قادراً على الحركة مطلقاً، مشيرة إلى أن الأنبا يؤانس سكرتيره الخاص كان يفرض سرية شديدة على كل ما يتعلق بصحة البابا، ومنع الزيارة عنه مطلقاً طوال تلك الأيام، لافتة إلى أن البابا كان يتعرض لغيبوبة من حين إلى آخر، لا سيما في ظل عدم قدرته على تناول الطعام، والإعتماد على الأدوية والجلوكوز فقط، وأضافت أنه في تلك الأثناء خرجت شائعات تزعم وفاة البابا إلا أن الكنيسة نفتها، وكانت تؤكد أن صحته جيدة، وأنها في تحسن مستمر.

الوصية الأخيرة

وأشارت المصادر إلى أن البابا أوصى الأنبا يؤانس وأعضاء المجمع المقدس وكبار الكهنة ورجال الكنيسة بعدم الخوض في غمار إنتخابات الرئاسة، وعدم التورط في الإعلان عن تأييد مرشح بعينه، أو معارضة آخر، والإلتزام بالحياد بين جميع المرشحين، وأوصى بدفنه في دير الأنبا بيشوى، منبهةً إلى أنه دخل في غيبوبة طوال الثلاثة أيام السابقة لوفاته، ولم يفق منها إلا قليلاً.

الآلاف يبكون في الكاتدرائية

توافد الآلاف من المصريين، أقباطاً ومسلمين، إلى مقر الكاتدرائية المرقسية في القاهرة، وهم يبكون، لدرجة إصابة بعضهم بالإغماء، بينما كان يردد آخرون هتافات منها: quot;أرفع راسك فوق البابا ما متشquot;، quot;أوعوا تقولوا البابا مات.. البابا عايش في السماواتquot;، وquot;يارب.. يا يسوعquot;.
وقرعت اجراس كاتدرائية القديس مرقس مقر الكنيسة القبطية الارثوذكسية، بعد اعلان الوفاة، في وقت اعلنت الكنيسة فترة حداد وإقامة مراسم تشييع الثلاثاء.

وقال الشاب اميل عصام البالغ من العمر 28 عاماً: quot;البابا كان رجلاً حكيماً، كان والد الجميع، رجالاً، نساء، ارامل أو أيتاماً. لقد اجتزنا الكثير من الأزمات، وكان في كل مرة مصدراً للحكمة. لقد صلى لنا لحمايتنا ضد الاضطهادquot;.
اما اسحق زكريا، وهو قبطي يبلغ من العمر18 عاماً، فقال في الكاتدرائية: quot;كان بمثابة والدي كان لديه صدر رحب، لن يأتي أحد مثله في المستقبلquot;.

وقام حراس متمركزون امام مدخل الكاتدرائية بالتأكد من عدم دخول أشخاص من غير المسيحيين عبر التثبت من وجود الصليب الموشوم على يد جزء كبير من المؤمنين الأقباط. كما انتشر رجال من شرطة مكافحة الشغب عند الطرقات المحاذية للكاتدرائية.
وداخل الكاتدرائية كما في محيطها، كان الكثيرون يجهشون بالبكاء أو يرنمون تراتيل باللغة العربية أو القبطية. وجاء البعض الى الكاتدرائية آملين في إلقاء نظرة على جثمان البابا الراحل ظناً منهم أنه معروض في المكان، إلا أنه لم يكن كذلك.

القائم مقام البطريرك

وبينما كان الآلاف يبكون رحيل البابا خارج الكاتدرائية، عقد المجمع المقدس إجتماعاً تقرر فيه اختيار الأنبا باخوميوس، أسقف البحيرة وكنائس شمال أفريقيا، لشغل منصب القائم مقام البابا وبطريرك الكرازة المرقسية لمدة شهرين، تجري خلالهما الانتخابات لإختيار البطريرك الجديد، وجاء إختيار باخوميوس رغم أنه ليس أكبر أعضاء المجمع المقدس سناً، بعد اعتذار الأنبا ميخائيل، أسقف أسيوط وأكبر الأساقفة سنًا لظروف صحية. كما قرر المجمع المقدس إلباس جثمان البابا الراحل الملابس الكهنوتية كاملة، ووضعه داخل صندوق زجاجي شفاف أمام الكرسي البابوي لمدة يومين، كي يتسنى للجمهور إلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه، على أن ينقل بعدها إلى دير الأنبا بيشوى الذي قضى فيه رهبنته، ويدفن فيه، حسب وصيته.

إنتقال السلطة في الكنيسة

وقال المستشار نجيب جبرائيل، محامي الكنيسة والمقرب من البابا الراحل، إن البابا شنودة الثالث كان يعاني من تدهور في صحته منذ نحو أسبوعين، مشيراً إلى أن الأقباط والمصريين جميعاً كانوا يصلون من أجل شفائه، لكن قضاء الله نفذ فيه، وأضاف لـquot;إيلافquot; أن لا خوف على مستقبل الكنيسة أو الأقباط أو مصر بعد رحيل البابا شنودة، موضحاً أنه أرسى قواعد متينة للكنيسة، وتوقع إنتقال السلطة الروحية في الكنيسة إلى البطريرك الجديد بسلاسة، واستبعد ما يقال إنه صراع على كرسي البابوية، وقال إن البطريرك منصب روحي،وليس منصباً دنيوياً، وبالتالي فلا أحد يتنافس عليه.

وكانت السنوات الثلاث الأخيرة في حياة البابا شنودة شهدت جدلاً واسعاً حول خليفته، لا سيما بعد إشتداد المرض عليه، وكثرة سفره إلى أميركا لتلقي العلاج، وطالب العلمانيون بتغيير لائحة انتخاب البطريرك، لتوسيع دائرة المرشحين، والسماح للعلمانيين من الشعب، أي غير الأكليروكس، بخوض الإنتخابات، لكن البابا عارض هذه المقترحات بشدة، وأصر على أن تجرى الإنتخابات لإختيار خليفته وفقاً للائحة 1957.

وتنص اللائحة على أن يكون المرشح لشغل منصب البابا quot;مصرياً قبطياً أرثوذكسياً.quot; وأن quot;يكون من طغمة الرهبنة المتبتلين الذين لم يسبق لهم الزواج سواء أكان مطراناً أو أسقفاً أو راهباً، وأن تتوافر فيه جميع الشروط المقررة في القوانين والقواعد والتقاليد الكنسيةquot;، وأن يكون قد بلغ من العمر أربعين سنة ميلادية على الأقل عند خلو الكرسي البطريركي، وأن يكون قد قضى فى الرهبنة عند التاريخ المذكور مدة لا تقل عن 15 عاماً. وأن يقدم خلال شهرين من تاريخ خلو الكرسي تزكية مكتوبة موقعة من ستة من المطارنة أو الأساقفة أو رؤساء الأديرة، أو من اثني عشر عضواً أو نائباً من أعضاء المجلس الملي العام ونوابه الحاليين أو السابقين.