على الرغم من منع استهلاك الكحول رسمياً، إلا أن ظاهرة الإدمان على الكحول تكتسح إيران التي ترى أن المنع يتسبب في ضياع الفرق بين تعاطي الكحول المعتدل والإدمان.
الشرطة الإيرانية تتلف كميات من البيرة |
لميس فرحات: تتعامل السلطات الإيرانية مع منع الكحول بجدية كبيرة، وتعتبره خطيئة وجريمة، كما تعاقب شاربه بـ 80 جلدة مع عقوبة الموت لتكرار الفعلة للمرة الثالثة.
لكن العقوبات لم تتمكن من وقف الإيرانيين عن الكحول. إذ تم تهريب نحو 80 مليون ليتر عبر الحدود في العام الماضي، خصوصاً عبر حدود كردستان العراقية، إلى جانب الكحول الذي يتم تصنيعه محلياً في المنازل من زبيب العنب.
وأظهرت فحوصات عشوائية لشرطة طهران على سائقي السيارات ما نسبته 26% من الذين يقودون سياراتهم تحت تأثير الكحول. وقال باقر لاريجاني، رئيس مجلس إعداد السياسات في وزارة الصحة: quot;تأتينا تقارير مقلقة من مستشفيات وأطباء بشأن زيادة تناول الكحول في مناطق جنوب طهرانquot;.
وأعرب عباس علي ناصحي، المدير العام لقسم الصحة العقلية في وزارة الصحة، عن مخاوف مماثلة، قائلاً: quot;لدينا معلومات قليلة جداً عن إدمان الكحوليات في إيران. ولدينا مليونا مدمن مخدرات في إيران، بعضهم يدمن الكحوليات أيضاًquot;.
أما تفسير ظاهرة الإدمان على الكحول، رغم تديّن معظم الإيرانيين، فهو يعود حسب الخبراء إلى أسباب عدة منها، الهروب من الظروف الاقتصادية والسياسية السيئة، فضلاً عن تبعات العادات الغربية لدى الجيل الشاب الذي يهتم في تقليد الغرب، أو مؤشر إلى التمرد على العادات الاجتماعية السائدة.
في هذا السياق، أشارت صحيفة الـ quot;لوس أنجلوس تايمزquot; إلى أن هذه التقارير الصادرة من مسؤولين إيرانيين تشير إلى مدى انتشار هذه الظاهرة وخطورتها في المجتمع الإيراني، إضافة إلى صعوبة احتوائها من قبل السلطات.
خلال الشهر الماضي، في حفل أقيم بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة إساءة استعمال المخدرات والاتجار غير المشروع بها، أعلن وزير الصحة مرزيه وحيد داستجردي عن quot;خارطة طريق لعلاج الإدمان على الكحول والحدّ من استهلاك المشروبات الكحولية في المجتمع الإيرانيquot;. لكن هذه الخارطة تبدو غير فعالة لأنها تنظر إلى شرب الكحول على أنه خطيئة عقابها الموت.
أخيراً، حكم بالإعدام على رجلين إيرانيين، وذلك كجزء من قانون quot;الثلاث ضرباتquot; في البلاد، أي تكرار الجريمة ثلاث مرات. وبما أن الرجلين أدينا مرتين في السابق، فكانت المرة الثالثة بمثابة الضربة القاضية.
ودعت منظمة العفو الدولية إلى عدم إعدام الرجلين، وذلك بعدما أعلن رئيس الهيئة القضائية في شمال شرق إقليم خراسان رضوي، حسن شريعتي، أن السلطات تقوم بالتحضيرات لتنفيذ حكمي الإعدام اللذين أقرّتهما quot;المحكمة العلياquot; في طهران.
وتنص المادة 179 من قانون العقوبات الإيراني على عقوبة الإعدام الإلزامية لمن يدانون للمرة الثالثة بشرب الكحول. كما احتفظت صيغة منقحة من قانون العقوبات، لم تصبح نافذة بعد، بأشد العقوبات قسوة هذه لمن تتكرر إدانتهم بالجرم.
وقالت آن هاريسن، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: quot;نناهض عقوبة الإعدام في كل الأحوال، بيد أن شرب الكحول لا يمكن أن يصنَّف منطقياً بأنه من الجرائم الأشد خطورة، التي تشكل الحد الأدنى للمعايير الدولية التي تجيز عقوبة الإعدام بالنسبة إلى الدول التي ما زالت تطبّق العقوبةquot;.
وأضافت: quot;من المؤسف أن السلطات الإيرانية لم تستفد من عملية المراجعة الأخيرة لقانون العقوبات كي تجعله يتماشى مع التزاماتها الوطنية حيال حقوق الإنسان وتلغي عقوبتي الجلد والإعدام لمن يتعاطون الكحولquot;. ويقدر أن أكثر من 200 ألف شخص يعملون في تهريب الكحول في إيران، كما يتم إنفاق نحو 800 مليون دولار سنوياً على عمليات التهريب. وأشارت صحيفة اقتصادية رائدة في البلاد إلى أن شرطة الحدود صادرت كمية من الكحول تشكل نسبة أعلى بـ 69% عن العام الماضي.
واعتبرت صحيفة الـ quot;لوس انجلوس تايمزquot; أن إيران تعاني، إلى جانب إدمان الكحول، مشكلة إدمان الأفيون والهيروين، مع إحصاءات رسمية تظهر أن عدد المدمنين على المخدرات بلغ 1.2 مليون شخصاً.
ونقلت الصحيفة عن حسين غازيان، وهو عالم اجتماع وباحث زائر في جامعة سيراكيوز، قوله إن quot;زيادة تعاطي الكحول لها تداعيات سياسية على القيادة الإسلامية في البلادquot;. وأضاف: إذا كان الكثير من الناس يحتسي الكحول، فهذا يعني أن الناس ليسوا مسلمين مؤمنين، كما تقول الحكومة، فلماذا ينبغي عليهم تحمّل حكومة إسلامية؟quot;.
رفض الحكومة إجراء مناقشة صريحة حول إدمان الكحول وتجنب رجال الدين الوعظ حول هذا الموضوع في خطبة الجمعة، ينبع من الرغبة في التظاهر بأن الحكومة الدينية في إيران هي المسيطرة على البلاد والمجتمع، وبأن قلة قليلة فقط من السكان غير ملتزمة بالمعايير الإسلامية. quot;هذه هي المشاكل الاجتماعية الحقيقية، وهذه ليست مجرد قضايا أيديولوجيةquot;، يقول الكاتب والناقد مهدي سيماتي، مضيفاً: quot;في بعض النواحي، إنها بمثابة اعتراف بفشل الحكومة في تنظيم جوانب الحياة الاجتماعية كافةquot;.
اليوم، يلجأ الشباب بشكل متزايد إلى الكحول كهروب من حياتهم، التي يرون أنهم سجناء فيها على الأصعدة كافة، السياسية والمعيشية والإجتماعية والإقتصادية. quot;الشباب لا يستطيعون التعبير عن رأيهم، ولا يمكنهم فعل أبسط الأمور، مثل التجمع في حديقة والاستماع إلى الموسيقىquot; يقول سيماتي، مشيراً إلى أنه quot;عندما يتم إغلاق كل الأبواب، سوف يفعل الشباب ما في وسعهم لملء أوقات فراغهم وعيش حياة خالية من القيود المفروضة من قبل الحكومةquot;.
محمد الماجدي، طبيب يعمل في عيادة طهران، يقول إنه يرى كل يوم نصف دزينة من المرضى الصغار في السن الذين يأتون لمعاناتهم من الكبد الدهني وارتفاع ضغط الدم والأمراض المعوية نتيجة شرب الكحول. وهو يكتب التقارير ويعالجهم من دون ذكر إدمانهم، لحمايتهم من احتمال وصفهم بالمجرمين.
وتفاقمت أزمة الكحول في البلاد وتداعياتها على الصحة العامة لأن العديد من الناس غير قادرين على تحمل تكلفة زجاجة من النبيذ الفرنسي التي يصل ثمنها إلى أكثر من 40 دولار، في حين أن زجاجة المشروبات الكحولية الإيرانية الصنع تباع بأقل من 6 دولار.
وأشارت الصحيفة إلى أن الكحوليات المحلية تصنع في أقبية المنازل أو الأراضي المهجورة، وتكون بالتالي غير معقمة، لذلك يصاب الكثير من الإيرانيين الذين يتعاطونها بالعمى أو التسمم وأحياناً بالوفاة جراء شرب الكحول الفاسد.
ونقلت الصحيفة عن شاهين، أستاذ علم الاجتماع، الذي يلجأ إليه العديد من الشبان الذين يعانون الإفراط في الشراب، قوله إنه يركز في حديثه مع المرضى على الناحية الصحية والإجتماعية من دون التطرق إلى المسائل الدينية، لأن ذلك ينفرهم.
وأضاف: quot;التعليم الديني في المنزل أو في المدارس قد أخفق بشكل واضحquot;، رافضاً الإفصاح عن اسمه بالكامل لحساسية الموضوع. وفي حالة عدم وجود أشكال أخرى من الترفيه والتسلية، يقول شاهين إن quot;تناول المشروبات الكحولية هو وسيلة للتنفيس عن خيبة الأمل والظلم في البلاد، وانعدام فرص العمل والحياة الكريمة والمستقبلquot;.
التعليقات