جانب من الفيلم الوثائقي المثير للجدل

ارتفعت درجة حرارة الجدل الغاضب الذي أثاره فيلم وثائقي بريطاني عن تاريخ الإسلام، بحيث أن الشبكة التلفزيونية الواقفة وراءه ألغت عرضًا خاصًا له أمام نخبة من النقاد والمفكرين. فقد بلغ الأمر حد تهديد صانعه، المؤرخ والكاتب توم هولاند، في حياته.


قررت قناة التلفزيون المستقل الرابعة Channel 4 laquo;تشانيل 4raquo; في بريطانيا إلغاء عرض خاص لفيلم وثائقي عن تاريخ الإسلام دعيت اليه نخبة من النقاد والمؤرخين والكتّاب بعدما تلقى صانعه، المؤرخ والكاتب الروائي والمسرحي الانكليزي توم هولاند، سيلاً من التهديدات الخطيرة وسارعت وسائل الإعلام الإيرانية الى مهاجمته.

ونقلت الصحف عن ناطق باسم القناة قوله: laquo;بعدما تلقينا نصائح أمنية جادة، قررنا إلغاء عرض الفيلم laquo;الإسلام: القصة غير المرويّةraquo;. واتخذنا هذا القرار بكثير من التردد بسبب اعتزازنا بهذا العمل الذي لا يزال متوفرًا عبر مشغّلنا 40D laquo;4 أو ديraquo; (خدمة المشاهدة على الإنترنت لمن يرغب)raquo;.

وكانت laquo;إيلافraquo; قد أوردت الأسبوع الماضي نبأ ردود الفعل الغاضبة من بعض أفراد الجالية الإسلامية البريطانية إزاء ما تعتبره افتراضات مختلقة من جانب هولاند. وضمن ما يقوله إن النهج الإسلامي لم ينشأ عن نص واحد معيّن وإنما تطوّر عبر الزمن مع انتشار الدين نفسه في مختلف أرجاء العالم.

توم هولاند

وأيضا فما يقوله هولاند، خرّيج جامعة كيمبريدج، إنه لا يوجد في الكتابات المعاصرة الكثير الذي يُعتمد عليه عن حياة النبي محمد، وإن أولى الوثائق التاريخية التي تتناول سيرته لم تكتب إلا بعد 60 عامًا من وفاته. ويقول أيضًا إنه عندما يتعلق الأمر بأقدس الأماكن الإسلامية، مكّة المكرّمة، فإن القرآن نفسه يكاد لا يأتي بذكر لها.

وأوردت laquo;إيلافraquo; وقتها أن مشاهدين بعثوا برسائل بلغت نحو 550 الى كل من laquo;تشانيل 4raquo; وlaquo;مكتب الاتصالاتraquo; raquo;، المعروف باسمه المختصر laquo;أوفكومraquo;، تشكو من laquo;تعدي الفيلم على قدسية الإسلامraquo;. ويُعرف الآن أن عدد هذه الشكاوى ارتفع الى قرابة الألفين.

وقد أحال الفيلم موقع laquo;تويترraquo; الإلكتروني الى معترك للجدل الغاضب الى حد أن بعض كتاب الرسائل هددوا توم هولاند في حياته شخصيًا باعتبار أن فيلمه يخلص الى أن الإسلام laquo;دين مزيّفraquo;. ومن جهتها أصدرت laquo;أكاديمية التعليم والبحث الإسلاميةraquo; ورقة طويلة تنتقد هولاند في أمر تفسيره للإسلام. وقالت، على سبيل المثال، إن ذهابه الى أن حياة محمد لم تدوّن الا بعد 60 عامًا من وفاته laquo;بغيض من الناحية التاريخيةraquo;.

ونُقل عن وسائل الإعلام الإيرانية قولها إن الفيلم laquo;إساءة للإسلامraquo;. وإذا كان هذا بحد ذاته لا يكفي لإخافة هولاند، فقد تلقى - على حد قول الصحف البريطانية - رسالة يرد فيها ما يلي: laquo;ربما صرت هدفًا مشروعًا وأنت تسيرعلى الطرقات. وربما كان حريًا بك تجنيد بعض الحراس الشخصيين من أجل أمنك وسلامتكraquo;.

ودافع هولاند نفسه عن فيلمه قائلاً: laquo;كنا ندرك ونحن نصوّر هذا الفيلم أننا نضع أصابعنا على عصب حسّاس للغاية، ولهذا فقد فعلنا المستحيل لأجل ضمان أن تكون قوة الإسلام الأخلاقية والحضارية واضحة بجلاء للعيانraquo;. ومضى قائلا إن الإسلام laquo;مثل كل نهج آخر، يخضع للتساؤل التاريخيraquo;.

وقال هولاند إنه - في إطار هذا التساؤل وليس كما اتهموه بأنه يخلص إلى أن الإسلام laquo;دين مزيّفraquo; - حرص أيضًا على إظهاره من زاويتين داخليتين على الأقل هما وجهة نظر البدو العاديين، وآراء عالم إسلامي هو حسين نصر (المفكر الإيراني وبروفيسور الدراسات الإسلامية في جامعة جورج واشنطن الأميركية).

البروفيسور الإيراني حسين نصر

ووجد هولاند دفاعًا عنه من لدن الدكتورة جيني تيلر، مديرة جمعية laquo;لابيدوraquo; البريطانية المعنية بالتفاهم بين الأديان وإعطائها حقها من مختلف الأضواء الإعلامية. فقالت إن الفيلم laquo;أقنعنا بأن الإسلام دين ثري ويتعين أن يؤخذ على محمل الجد. وهولاند يرفض دفن رأسه في الرمال فلا يرى نوع المشاكل والتوترات الإسلامية الداخلية التي يعلم جميع المفكرين الإسلاميين أنها موجودة ولا مناص من النظر فيهاraquo;.

والواقع أن حساسية المسلمين تجاه كل ما يرد في الإعلام الغربي عنهم صارت نفسها مصدر قلق للمعتدلين منهم. وأتت ردة الفعل المضادة هذه بعدما تلقت قناة laquo;بي بي سيraquo; التلفزيونية الأولى سيلاً من الشكاوى الغاضبة إزاء بثّها مسلسلاً فكاهيًا عن جانب من حياة رجل باكستاني بريطاني (بعنوان Citizen Khan laquo;المواطن خانraquo;) كما أوردت laquo;إيلافraquo; وقتها.

ويتبدى ضيق المعتدلين في رسائل تلقتها الهيئة الإعلامية البريطانية من مشاهدين (مسلمين) يردّون فيها على أصحاب الشكاوى. فيقولون إن هؤلاء الأخيرين يقيسون الأمور بمعايير لا تتسم بأي قدر من المرونة، وإن الهذر من طبع البشر بمن فيهم المسلمون.

ويأتي كل هذا مضافًا الى نبأ مقتل السفير الأميركي لدى طرابلس، جي كريستوفر ستيفنز، وثلاثة أميركيين آخرين في الهجوم الذي تعرضت له قنصليتهم في بنغازي أمسية الثلاثاء ونفذه مسلحون، احتجاجًا على فيلم اميركي اعتبروه مسيئًا للاسلام.

وتسبب هذا الفيلم أيضا في إشعال مظاهرات أمام السفارة الأميركية في القاهرة. والفيلم هو laquo;محاكمة محمد نبي الإسلامraquo; الذي يقال إن مجموعة من الأقباط المصريين الأميركيين شاركت في إنتاجه وأوردت laquo;إيلافraquo; نبأه بالتفصيل.