حالة يرثى لها تلك التي وصلت إليها الأسر التي كانت تنتمي إلى الطبقة المتوسطة في سوريا قبل تدهور الأوضاع هناك أخيرًا على خلفية الحرب المشتعلة بغية الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد. فها هم أفراد تلك الأسر يبحثون عن حياة جديدة لهم على الحدود كلاجئين، بعدما كانوا ينعمون بحياة كريمة، وبعدما كانوا يقضون إجازاتهم في اليونان، ويقدمون على شراء الأعمال الفنية وقطع الأثاث المنزلي الراقي.


لكنّ الأحوال تبدلت الآن، وباتوا يعيشون حياة المطاردين المضطرين إلى الاعتماد على الصدقات. وعن تلك الوضعية، نقلت مجلة دير شبيغل الألمانية في سياق تقرير لها في هذا الصدد عن سيدة سورية، تدعى فرح سكيمي، وتبلغ من العمر 54 عاماً، قولها quot;حين تتعين عليك مغادرة وطنك، يلزم اصطحاب بعض الأشياء، مثل جوازات السفر والذهب والأوراق المصرفية ومستندات الملكية. إضافة إلى البطانيات والملابس الدافئة والأحذية القوية. ويفضل ارتداء معطف ثقيل حتى في طقس الصيف القائظquot;.

وأكملت سكيمي حديثها بالقول :quot;لا يمكنك العودة مطلقاً على وجه السرعة إلى موطنك كما تتمنىquot;. هذا ولم يسبق لسكيمي أن حلمت يوماً ما بأنها ستكون خبيرة في تهريب الأمتعة عندما كانت تعيش في حالة من الرخاء والاستقرار في بلادها آنذاك.

ومضت المجلة الألمانية تنوه في هذا الإطار بحياة الترف والاستقرار التي كانت تنعم بها سكيمي، برفقة عائلتها، قبل بدء الثورة في سوريا منذ ما يقرب من عامين، حيث كانت تعمل كعالمة متخصصة في شؤون التغذية، وكانت تقدم المشورة إلى مرضى السرطان بشأن ما يمكنهم أن يتناولوه من أطعمة للمساعدة على عملية الاستشفاء.

ورغم أن زوجها، ويدعى حلمي، يعاني السرطان، إلا أن تأمينه الصحي في سوريا لم يغطّ تكاليف علاجه في لبنان، حيث استقرت العائلة هناك، بعدما لاذت بالفرار من الحرب التي اشتعلت هناك. وقد بدأت تشاهده سكيمي وابنتاها البالغتان وهو يضعف يوماً بعد الآخر، إلى أن بات واحداَ من ضحايا الحرب الأهلية المشتعلة في سوريا.

في غضون ذلك، أفادت تقديرات خاصة بمنظمات إغاثة كبرى بأن ما يقرب من مليون مواطن سوري قد لاذوا بالفرار إلى دول الجوار. ثم انتقلت المجلة بحديثها لتشير إلى الظروف الصعبة التي يعيشها اللاجئون، لاسيما الأطفال، الذين يتضورون جوعاً، إلى جانب الشعور بالبرد القارس، في مثل هذه الأجواء المناخية الصعبة.

ونقلت عن مريم 31 عاماً، وهي الابنة الكبرى لسكيمي، قولها quot;لكننا لا نريد أن نشتكي، فنحن مازلنا نعيش، ويتواجد كثير من اللاجئين في العراء، مع أبنائهم، وسط الثلوجquot;.

وقد عثرت مريم وشقيقتها، رولا، وهما مدرّستان، على عمل في مدرسة لبنانية، ويوجهان راتبيهما في توفير سبل الإعاشة اللازمة للعائلة. ولفتا إلى أنهما تقومان بتعليم أطفال اللاجئين السوريين عقب خروجهما من المدرسة من دون أن تحصلا على مقابل.

وختمت المجلة بتنويهها بأن احتمالية أن تقضي الحرب في سوريا على حياة زوجها ليست الهاجس الوحيد الذي يسيطر على سكيمي، بل إنها قلقة كذلك بشأن مستقبل ابنتيها، خاصة وأنهما الآن في سنّ الزواج والإنجاب، وهو ما كان يجب أن يحدث بشكل طبيعي في سوريا، لو كانت تسير الأمور على طبيعتها قبل تلك الحرب الأخيرة.