قرأ الرئيس السوري بشار الأسد الخط الأحمر الذي وضعه أوباما على أنه ضوء أخضر لمزيد من القتل. إلا أن الاستخبارات الأميركية على درجات متفاوتة من الثقة في ما خص استخدام النظام للكيماوي، ما يضع أوباما في موقف حرج حول خطه الأحمر.


بعد استخدام الأسد المزعوم للأسلحة الكيميائية ضد معارضي نظامه في بلاده، زادت الضغوط على الرئيس الأميركي باراك أوباما والغرب من أجل التصرّف. فهل سينفذ قادة الدول الكبرى تحذيراتهم ويتدخلون عسكريًا في سوريا؟.

بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، تلقى أوباما مكالمة هاتفية من ديفيد كاميرون، هنّأه فيها، ثم سرعان ما تطرقت إلى نقاش حول عمل عسكري محتمل في سوريا، وهو موضوع كان الرئيس الأميركي مترددًا في مناقشته في الأشهر السابقة.

في آب/أغسطس الماضي، قال أوباما إن استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيميائية هو quot;خط أحمرquot;، لكنه أوضح لكاميرون أنه ليست لديه quot;شهيةquot; لمناقشة الخطوط الحمراء أو ما الذي تعنيه هذه الخطوط أساسًا، قائلًا: quot;لم تتم إعادة انتخابي للبدء بحرب أخرىquot;.

ثقة متزعزعة
مع ذلك، اضطر البيت الأبيض في الآونة الأخيرة للكشف علنًا عن رسالة تشير إلى أن وكالات الاستخبارات في الولايات المتحدة على quot;درجات متفاوتة من الثقةquot; بأن مادة السارين الكيميائية قد استخدمت في سوريا، وهي النتيجة التي توصلت إليها بريطانيا وفرنسا وإسرائيل أيضًا.

هذه الاستنتاجات وضعت أوباما في موقف حرج، فهو الآن غير قادر على تجنب النقاش العام حول الخط الأحمر الذي رسمه، وما إذا كانت خطوة النظام السوري هذه تعني أن الغرب سيضطر لتسليح الثوار، الذين يقاتلون للإطاحة بالأسد، وبالتالي جرّ الولايات المتحدة إلى حرب جديدة.

وحثّ البيت الأبيض الأسد على السماح لمحققي الأمم المتحدة بالقدوم إلى سوريا، لمعرفة ما إذا كان النظام يستخدم الأسلحة الكيميائية. ويبدو أن أوباما يتردد في تأكيد هذه الأنباء، لا سيما في ظلّ تحذير مستشاريه من إعادة سيناريو العراق، بعدما تبيّن لهم أن المعلومات الاستخباراتية الخاطئة أدت إلى الحرب في العراق.

هيبة على المحك
على الرغم من ذلك، قال الديمقراطيون في الكابيتول هيل إن خط أوباما الأحمر تم تجاوزه، معتبرين أن quot;الهيبة الأميركيةquot; على المحك، وأنه لا بد من التصرف.

أوباما، الذي رفض في العام الماضي خططًا لتسليح الثوار، مدعومًا في قراره هذا من قبل وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون وغيرها من كبار المستشارين، يقبع الآن في مأزق مِن صُنعه.

وفي حديث لصحيفة الـ quot;صنداي تايمزquot;، وصف السيناتور جون ماكين تلكؤ البيت الأبيض للتدخل في سوريا بـ quot;السخيف، إنما غير المستغربquot;، مضيفًا: quot;قالوا إنهم يريدون تأكيدًا من الأمم المتحدة على استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا. الأسد لن يسمح للأمم المتحدة بدخول سوريا. التقاعس على مدى العامين الماضيين، أدى إلى مقتل 80.000 شخص، وزعزعة استقرار لبنان والأردن، ونزوح مليون سوري، بينما الأسد لا يزال يتمسك بالسلطةquot;.

تأويل الخط الأحمر
وقال: quot;عندما تحدث الرئيس عن الخط الأحمر، فسَّر بشار الأسد الأمر على أنه ضوء أخضر. لقد فعل كل شيء بعد ذلك، وقتل شعبه بصواريخ سكود. إنها واحدة من أكثر الفصول المشينة في التاريخ الأميركيquot;.

الضغط المعنوي هائل. ففي نهاية هذا الأسبوع، قالت آن ماري سلوتر، مستشارة الرئيس السابق بيل كلينتون حتى عام 2011، إن المراوغة اللغوية لأوباما بشأن سوريا شبيهة للغاية بمراوغة كلينتون بشأن رواندا، عندما فشلت الولايات المتحدة في التدخل لوقف الإبادة الجماعية.

وأشارت في حديث لـ quot;واشنطن تايمزquot; إلى أنه quot;من الضروري أن يدرك أوباما الضرر الهائل، الذي سيصيب الولايات المتحدة وإرثه السياسي الخاص، إذا فشل في التصرفquot;.

لكن أسئلة كثيرة تتوارد في هذا الإطار: ما الذي سيفعله أوباما؟، هل سيقدم المساعدة العسكرية المباشرة إلى الثوار؟، هل سيقود الحلفاء في إعلان منطقة حظر جوي فوق سوريا، أو كما يقترح ماكين، يشكل ملاذًا للثوار بالقرب من الحدود التركية؟، هل سيسمح لبريطانيا وفرنسا بأخذ زمام المبادرة، في الوقت الذي يقدم الدعم سرًا، كما حدث مع ليبيا؟.

بريطانيا تراقب أميركا
في لندن وبروكسل، قرار أوباما يمكن أن يكون محوريًا، فيقول مسؤول بريطاني إن quot;المملكة المتحدة ستتبع خطوات أميركا بشأن سوريا. نحن في انتظار لمعرفة ما إذا كان التحقيق الدولي في الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية يمكن أن يثبت الحقائق على الأرضquot;.

وقال ديبلوماسي من الاتحاد الأوروبي إن: quot;الاتحاد قاد جهود فرض عقوبات على سوريا، ولذلك على الولايات المتحدة أن تأخذ زمام المبادرة لأي تدابير أبعد من ذلكquot;.

وأكد مسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية أنهم يخشون من أن إنشاء منطقة آمنة في سوريا quot;سيكون بداية منحدر زلق، يؤدي إلى الاشتباك العسكري على نطاق واسع، ليس فقط مع قوات الأسد، بل أيضًا مع الجماعات الإرهابية، مثل حزب اللهquot;.

لكن العديد من المسؤولين البريطانيين يحذرون من أن غياب القيادة الأميركية قد يؤدي إلى وقوع الأسلحة الكيميائية في أيدي الإسلاميين، وربما حتى استخدامها في هجمات إرهابية على لندن أو نيويورك أو موسكو.

أدلة لاستمالة روسيا
في الوقت الحالي، يضغط البيت الأبيض على الأسد للسماح بدخول مراقبي الأمم المتحدة. ومن المرجّح أيضًا أن يحاول استخدام الأدلة على استخدام الأسلحة الكيميائية لإقناع روسيا بوقف دعمها للأسد.

لكن لا توجد مؤشرات حتى الآن إلى أن الولايات المتحدة قد تحاول استصدار قرار من الأمم المتحدة يجيز العمل العسكري أو المساعدات للثوار، وهو قرار من المرجّح أن تعترض عليه روسيا.

قد تحاول واشنطن حشد الحلفاء الإقليميين للتدخل في سوريا، بدعم من الولايات المتحدة، لكن ماكين يفضّل استخدام صواريخ باتريوت لحماية الثوار، وإنشاء منطقة حظر جوي، إضافة إلى استخدام صواريخ كروز لتدمير السلاح الجوي للأسد.

بدورها قالت السيناتور ليندسي غراهام، من صقور الحزب الجمهوري، للصنداي تايمز، إنه من الضروري الإطاحة بالأسد، قبل أن quot;تصيب العدوى السورية المنطقة بأسرهاquot;.

بين المطالبات والتردد، يزداد الوضع سوءًا في سوريا، التي تشهد تصعيدًا يومًا بعد يوم. فدول الغرب حاولت تقديم المساعدة إلى الثوار، بما يتوافق مع قوانين حظر الأسلحة التي فرضها الاتحاد الأوروبي، أي إرسال المساعدات غير الفتاكة. لكن على الرغم من أن هذه السياسة صحيحة، إلا أن بعض السياسيين يعتقد أن الوقت قد حان لإعادة النظر فيها.

وفي ظل استمرار تدفق اللاجئين على الدول المجاورة لسوريا، تتزايد التحديات الإنسانية يومًا بعد يوم. وتشير التقديرات إلى أن نحو 10 ملايين من اللاجئين سيحتاجون مساعدة بحلول نهاية العام.

حالة استثنائية
الوضع في سوريا مختلف عن غيره من الدول، فالتدخل العسكري في العراق وكوسوفو وسيراليون كان يهدف إلى الوقوف إلى جانب الشعب ضد تهديد الحكومات الاستبدادية. أما سوريا فدخلت في أتون حرب أهلية، مما يجعل التدخل فيها لدعم طرف ضد الآخر سابقة من نوعها.

التدخل في سوريا في هذه الظروف من دون قرار الأمم المتحدة أمر مثير للجدل. لكن السؤال، الذي يفرض نفسه أكثر من quot;شرعية التدخلquot; في سوريا، هو: quot;هل من الحكمة أن تتدخل القوى الغربية في هذا الصراع؟quot;.

مخاوف من امتداد الحريق
في الأسابيع الأخيرة تصاعد مستوى الاستنزاف مع استخدام الأسلحة الكيميائية والكارثة الإنسانية المتفاقمة. لكن في ظلّ العدد المتزايد من الجهاديين، الذين ينضمون للقتال في سوريا، هناك خطر جدّي من أن يمتد الحريق السوري إلى لبنان، والعراق، وكردستان والأردن. الصراعات الطائفية التي قد تندلع في هذه الدول ستؤدي إلى فظائع أسوأ بكثير من كل ما حدث على يد نظام الأسد.

وخلصت صنداي تايمز إلى القول: quot;في ظل هذه الظروف، وعلى الرغم من أن الاستنتاج قد يكون غير مستساغ وغير قانوني، إلا أن الوقت قد حان لاتخاذ خطوات أكثر إيجابية، لجلب هذا الصراع إلى نهايته. الخيارات هي مزيد من الدعم للثوار، الذين نعرفهم، ونثق بهم، وإنشاء ممرات آمنةquot;.