تتكون مملكة البحرين من ارخبيل من عدة جزر صغيرة، وفي قلب خليجنا العربي، وتقدر مساحتها بحوالي 700 كيلومتر مربع، بينما تجاوز عدد سكانها 1.3 مليون، نصفهم من الجنسية البحرينية، والنصف الاخر مقيمين، من مختلف الدول الخليجية، والعربية، والاسيوية، والاجنبية الاخرى. وقد عرف شعب مملكة البحرين باحترامه وتقديره للاجانب، حيث لا يحس فيها الاجنبي بالغربة، بل من المعروف حينما تترك عوائل الاجانب هذه المملكة المنظمة والمنضبطة، تنهمر عيونهم دموعا، لحبهم لهذه الجزيرة الجميلة، واهلها. وترجع حفاوة شعب البحرين للثقافات والحضارات التي عاشها على مر العصور، فيرجع أصل اراضي مملكة البحرين الى الحضارة الديلمونية. ويعتقد علماء الآثار بأن ما هو بحر الخليج العربي اليوم، لم يكن موجودا، بل كانت تمتد مكانه ارض زراعية غنية، في وسطها نهر رئيسي، يمتد من اندماج نهريي الدجلة والفرات، ليستمر في امتداده في اراضي الخليج، وليصب في بحر العرب. وقد هيأت هذه البيئة الزراعية لبروز حضارة ديلمونية متقدمة، تربط بين حضارة ما بين النهرين والحضارة الهندوسية في الهند، ولتمتد للحضارة الصينية.
وتعتبر حضارة الديلمون من أقدم حضارات منطقة الشرق الاوسط، وقد كانت في قمة نموها، في الفترة ما بين الالفية الرابعة قبل الميلاد، وحتى عام 800 قبل الميلاد. بل كان يعتقد السومريون، في بلاد ما بين النهرين، بأنها ارض مقدسة، وبأن من يدفن فيها، يرجع من جديد لحياة ابدية خالدة. لذلك كانت تدفن بعض موتهم في أرض ديلمون، ارض الشمس المشرقة، فهناك أكثر من 170 ألف مدفنة ديلمونية في مملكة البحرين، ترجع تاريخها لتلك الحقبة من التاريخ. كما وصف أهل بابل حدائق ديلمون، بحدائق الجنة، في ملحمة جلجامش. وفعلا هناك منطقة اركيولوجية في جنوب البلاد، في وسطها شجرة كبيرة فريدة، تسمى بشجرة الحياة، يعتقد بأن تاريخها يرجع لقرون طويلة، ويحيط بهذه منطقة أثرية يرجع تاريخها لتلك الحقبة من التاريخ. كما يناقش المؤرخون بان قد تكون تلك المنطقة، هي ما سميت في التاريخ القديم، بمنطقة جنات عدن. وقد مر تاريخ مملكة البحرين بحقبات تاريخية متعددة، من البابليين، والاغريق، والرومان، والحضارة الاسلامية، والخلافة العثمانية، وحتى الاسبان والبرتغاليين، ولتنتهي بحماية بريطانيا العظمى، قبل استقلالها.
فهناك مسجد الخليفة عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، والموجود حتى الان، ويرجع تاريخة لحوالي 1300 سنة، كما ان هناك قلعة البحرين، والتي تحتوي على طبقات من اثار الحضارت السابقة، من البابليين، وحتى الاغريق، وحتى الرومان، والاسلام، والخلافة العثمانية، والاسبان، والبرتغاليين. وقد اصبحت مملكة البحرين تحت الحماية البريطانية في عام 1882، واستمر ذلك حتى عام 1971، حيث حصلت البحرين على استقلالها، ليتم وضع دستور للبلاد مع برلمان منتخب، سمي بالمجلس الوطني. ولم يستمر هذا البرلمان لفترة طويلة، بسبب عدم تناغم عمل المعارضة مع الحكومة، مما ادى لتجميده، وحتى عام 2000. وقد حققت الدولة منذ عام 1971 وحتى عام 2000 الكثير من انجازات التنمية الاقتصادية، برأسمالية ذات مسئولية مجتمعية، مع التحالف مع الغرب، حيث عملت الدولة على تطوير التعليم والرعاية الصحية المجانية، مع توفير نظام اسكاني متطور للمواطنين، حيث شيدت مدينة الشيخ عيسى الاسكانية، ومدينة جلالة الملك حمد الاسكانية، وامتد السكن الشعبي للكثير من مدن وقرى المحافظات الشمالية، والجنوبية، والوسطى، والمنامة، والمحرق، كما وفرت الدولة أيضا في مشروعها الاسكاني ارض مجانية، وقرض ميسر للبناء، للكثير من المواطنين. وقد طورت الدولة البنية التحيتية بشكل متميز، وأسست حكومة الكترونية، كما أنشأت شركات مشتركة بين القطاع العام والقطاع الخاص للاتصالات والمواصلات، وخاصة بعد تطوير المطار الذي تم انشاءه في عام 1932، مع أنشاء شركة باتلكو للاتصالات السلكية واللاسلكية في عام 1982، كما شيدت الموانئ لتنافس مثيلاتها في دول الغرب. وقد طورت الدولة شركة النفط، بابكو، كما طورت الشركات الوطنية في الصناعات البتروكيماوية، وصناعة الالمونيوم والحديد.
وفي عام 2001، قام جلالة الملك حمد بن عيسى الخليفة، باصلاحات اقتصادية وسياسية اضافية، حيث شكلت لجنة لوضع ميثاق وطني للبلاد، والذي صوت على الموافقه عليه أكثر من 94% من الشعب البحريني، والذي نتج منه دستور للبلاد. كما أنشاء مجلس التنمية الاقتصادي، للعمل على تحريك عجلة النمو الاقتصادي في البلاد، وبجلب رؤوس الاموال الاجنبية. ومع الاسف الشديد لم تستطع المعارضة "المتطرفة" من العمل بتناغم مع الحكومة، فانشغلت بالحوارات الايديولوجية النظرية، عن المجلس المنتخب والمجلس المعين، حيث بدأت التجربة الاصلاحية البحرينية، بمجلس نيابي منتخب، يكون مسئول عن التشريع، ومحاسبة ومسائلة الحكومة، ومجلس شورى معين، يعين فيه جلالة الملك خيرة الخبرات التكنوقراطية البحرينية الكفؤة والمخلصة، على ان تتطور هذه التجربة تدريجيا، كما بدأت في بريطانيا واليابان. حيث بدأت التجربة الديمقراطية اليابانية في منتصف القرن التاسع عشر بمجلس نيابي منتخب، ومجلس نبلاء معين من جلالة الامبراطور. وقد لعب هذا الدستور دورا مهما في تحويل اليابان من عصرها الزراعي، الى عصرها الصناعي التكنولوجي المتقدم. وقد استمر هذا الدستور حتى هزيمة اليابان، في منتصف القرن العشرين من الولايات المتحدة، حيث طلب الجنرال ماكارثر، من القيادة اليابانية، وضع دستور جديد لليابان. وحينما أكمل الخبراء اليابانيين هذا الدستور، وعرض على الجنرال الأمريكي مكارثر، رفضه، وعين ضابطين أمريكيين، مختصيين في القانون، لوضع الدستور الياباني الجديد، على أن توافق عليه القيادة اليابانية، والشعب الياباني، ويصدق عليه من جلالة الامبرطور، وبانذار مبطن ضده إن لم يوافق عليه. وقد استمر هذا الدستور حتى اليوم، والذي من خلاله انتقلت اليابان من مرحلة دمار الحرب، الى ثاني اقتصاد عالمي، وخلال ثلاثة عقود من الزمن.
وقد وقفت المعارضة البحرينية "المتطرفة" والمنقسمة بشدة، ضد الدستور الجديد، وبحجج متعددة، فقاطعت الانتخابات، والتي غيرت رأيها بعدها لتشارك فيه، ولتغير رأيها مرة اخرى، فتقاطع الانتخابات من جديد. كما انها دفعت بشدة لتغير الحكومة، كما خلقت بلبلة كبيرة حول عملية التجنيس في البلاد، والمشكلة الاعظم هو ان المعارضة "المتطرفة"، كان لها نفس طائفي خطير، بل ومرتبط بقوى اجنبية معادية للنظام البحريني، بل حاولت الانقلاب عليه من "الخلف"، في شهر مارس من عام 2011، حالمة لخلق جمهورية ثيوقراطية طائفية. ومنذ استقلال مملكة البحرين في عام 1971 وحتى اليوم، استمرت المعارضة "المتطرفة" في تعنتها، وقد ادى تعنتها لاثار سلبية على الامن والاستقرار في البلاد، ليؤثر مؤخرا على اقتصاد البلاد، والتعليم، والرعاية الصحية، وخفض نسب البطالة، وزيادة الحاجة للصرف على الامن والاستقرار، بالرغم من انخفاض اسعار النفط لاقل من النصف.
وتبقى الأسئلة التالية لعزيز القارئ: هل وظيفة "المعارضة" الشرق أوسطية، المعارضة فقط، أم يجب أيضا أن يكون لها دور في التنمية المستدامة في المنطقة؟ وهل يجب ان تقيم أدائها، وتحاسب تطرف أجنحتها المتعنته، بل واخطائها، وايديولوجياتها المتطرفة الفاشلة، والمنتهية "الصلاحية"؟ وكيف ستتم هذه المحاسبة؟ وهل نحتاج أصلا مراجعة مفهوم "المعارضة"، عن مفهوم "المشاغبة"، في المنطقة؟ فهل يمكمن أن تكون المعارضة منتجة، إن لم تكون منضبطة، وملتزمة بدستور، وقوانين، وانظمة البلاد؟ أليس من خلال هذا الانضباط يمكن خلق شباب ملتزم، ومنضبط، ومحب لمملكته وشعبه، ومخلص، ومنتج، ومبدع، في عمله؟ أليس من خلال هذا الانضباط والالتزام، ممكن محاولة تطوير مواد الدستور، ومؤسساته، بحكمة، ورصانة، ورزانة، وبحزم؟ وهل من ينشر ايديولوجيات ثورية طائفية، "ويناضل!!!" على قلب نظام الحكم يعتبر معارضة؟ وهل من يعمل مع دول أجنبية معادية، وبانظمة رجعية، طائفية، متخلفة، وفاشلة، يعتبر معارضة؟ وهل يجب على باقي المواطنين، والذي يمثلون 99% من باقي الشعب، الانتقال من مرحلة التفرج على ما تقوم به المعارضة المتطرفة، إلى مرحلة المشاركة الايجابية لوقف تطرف المعارضة، التي تعرقل التنمية المستدامة في البلاد، ولتشغل الدولة بقضايا الاستقرار والامن، مع الكلفة الكبيرة المرافقة، وعلى حساب التقدم والتطور؟ أليس احترام الوقت، والاخلاص في العمل، والصدق في المعاملة، مع النظام، والانضباط، والانتاجية، والابداع، والاخلاقيات الانسانية الصادقة، هي من اساسيات التنمية المستدامة؟ ألا يحتاج التقدم والتطور، في دول منطقة الشرق الاوسط، لمعارضة، برغماتية، تكنوقراطية، مخلصة، وكوفئة، ورصينة، وحكيمة، وقليلة الكلام، وكثيرة العمل المنتج، لتصلح ما قد تخطئ فيه، المؤسسات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، في الدولة؟
&&وللاجابة على هذه الاسئلة ليسمح لي عزيزي القارئ أن اعرض مقال للاخت الفاضلة، الكاتبة والصحفية العربية البحرينية القديرة، الاستاذة سوسن الشاعر، فقد كتبت بجريدة الوطن البحرينية، في 18 اوكتوبر الماضي مقال بعنوان، المعارضـة مادامـت ضمن الدستـور فهي حق مكفول، تقول فيه: "لطالما بحثنا عن "معارضة رشيدة"، يستقيم معها الإيقاع السياسي في الدولة، توازن بحراكها سلطات للحكومة، لطالما وصفت "بالرشيدة" حتى لا تنفرد بالقرار. ودونها، أي دون "المعارضة الرشيدة"، ستنفرد أي سلطة تنفيذية بالقرار، مما سيحملها فوق طاقتها، وسيضع المسؤولية عليها وحدها، حين وقوع الخطأ، ويفسح المجال للفساد، ويفسحه أكثر، لتغولها في نفوذها، واختصاصاتها، وصلاحياتها، وسلطاتها. في النهاية ... السلطة وحدها التي تحد من السلطة، فيراقب بعضها بعضاً، وبذلك يتحسن أداء جميع السلطات. التوازن بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) هي الفلسفة التي يقوم عليها النظام الديمقراطي. والرقابة الشعبية بالمجتمع المدني، هي السلطة الرابعة، والمجتمع هو الجمعية العمومية، التي يقوم عليها البناء، باختصار هذا هو النهج الذي اخترناه، لتسيير شؤوننا ولتوصيف نظامنا السياسي الملكي الدستوري، وهذا هو جوهر الميثاق الوطني والدستور، الذي حاربنا من أجل التصويت عليه منذ عام 2000، ثم قاومنا وبشراسة أي قفز عليه، أو الاستهانة به."
وتستمر الكاتبة فتقول: نحن إذاً لسنا ضد وجود معارضة بالمطلق، فنحن مع توازن للسلطات، الذي يحتم وجود رقابة شعبية عليها، لكننا اختلفنا، بل وحاربنا وبشراسة، وسنظل على موقفنا، هذا ولن يتزحزح مع من ادعى أنه احتكر موقع "المعارضة" زوراً وبهتاناً، فهذا الموقع مفتوح للجميع، لا أحد يدعي أنه يملك عقد احتكاره، ولا أحد يملك الحق ليوزع ويصنف العمل السياسي وفق اتفاقه أو اختلافه معهم، فيدعي الطهارة، والبياض، والحق، والملائكية، و "المعارضة" له، والبقية، مرتزقة، وموالون، وحكوميون، وغونغو وووو. كما أننا لم، ولن، نتفق مع أي حراك سياسي، مبني على أسس طائفية، ولم، ولن، نتفق مع أي عمل سياسي يمد ذراعه للخارج، أياً كان اتجاه هذا الامتداد غربياً أو شرقيا، ً فتلك "خيانة" مع سبق الإصرار والترصد، بلا لبس، ولا تدليس، ولا اعوجاج لسان، في توصيفها. هذا هو جوهر وروح الدستور الذي أقر حق الاختلاف، وأقر حق العمل السياسي المشروع، ولهذا دافعنا عن الدستور، وحاربنا من خانه، وخان قسمه عليه.
نحن إذاً لسنا ضد وجود "معارضة" بالمطلق، بل بالعكس، نحن نسعى لوجودها، ولخلقها، ولتأسيسها. نحن نسعى لتأسيس نهج للعمل السياسي، يعرف كيف يدير الاختلاف بينه وبين بقية السلطات، ضمن الإطار الدستوري، وباستقلالية عنها. لهذا كان دفاعنا عن الدستور بشراسة، دفاعاً عن حقنا في الاختلاف، وتمسكنا بالأطر الدستورية لإدارته، لا دفاعاً عن السلطة. دفاعنا عن الدستور، الذي نظم العلاقة بيننا وبين السلطة، كإطار نحتمي به، يحفظ أمن واستقرار الدولة أولاً، ويحفظ أمن واستقرار الحكم ثانياً، ويقيه شر (الثورات)، أما ثالثاً، فإنه يحفظ الاختلاف، وحق الاعتراض، لكل المواطنين. دفاعنا عن الدستور لأنه كان سيحيل ما سنختلف عليه إلى القوانين المنظمة، ومن ثم إلى القضاء، إن دعت الحاجة ليفصل بينها في حال احتدم هذا الخلاف، بعد هذا كله لم ندافع عن الدستور، لينتهي بنا المطاف إلى سلطة، تتجاوز هذا الإطار الدستوري كله، في خلافها معنا، وتعود بالعلاقة بينها وبين فئات المجتمع، إلى "عبد ومامور" أو "تابع ومتبوع"، و ينتهي بنا المطاف، لتدار خلافاتنا مع السلطة، خارج الأطر الدستورية، وبأسلوب لا ينتمي لدولة القانون، ولا ينضبط إيقاعه، ولا يعرف مداه (حتى قانون أمن الدولة في النهاية هو "قانون" نعرف أقصاه ومداه ونعرف كيف نتعامل معه). لم ندافع عن الدستور، لتضع لنا السلطة اليوم حارساً، يحاسبنا حتى على اختيار "ألفاظنا" في الإعلام، وفي البرلمان، ظناً منها أن تلك السياسية "العقيمة" تجعل النظام السياسي في مأمن من التقلبات، وسياسة تفسح له المجال أن يعمل دون منغصات. لم ندافع عن الدستور أمام أكبر مؤامرة تتعرض لها البحرين، وأكبر خيانة شهدها الدستور، منذ لحظة إقراره إلى اليوم، لنتنازل اليوم عنه بسهولة، ونقبل تحت التهديد والابتزاز أن تدار خلافاتنا خارج إطاره. بيننا، كمواطنين من جهة، نعبر عن آرائنا في أي وسيلة إعلامية، تلفزيون أو إذاعة أو صحافة أو برلمان، أو أي مؤسسة مدنية، أو في مجلس شعبي، وبين السلطة من جهة أخرى، قانون وقضاء نحتكم لهما في حال اختلفنا، ولا أحد فوقه إعلامياً كان أو وزيراً كان، فإن رأت أي من السلطات ضرراً وقع عليها من أي فرد فدونها القضاء تحتكم له. هذا هو الدستور الذي دافعنا عنه بشراسة، وسنظل ندافع عنه بشراسة أكبر، أياً كان الثمن الذي سندفعه. ولنا لقاء.

د. خليل حسن، سفير مملكة البحرين في اليابان