محاور الصراع التقليدي في العراق خلال السنوات الماضية؛ امريكي ـ ايراني ـ خليجي.. ثم دخلت تركيا، إثر النفوذ في سوريا، عندها بدأت الأوصال العراقية تتقطع أكثر، وأصبحت داعش أداة خطيرة، في تحديد ملامح عراق ما بعد سقوط السيادة.
الحديث عن دور روسي تكثف بعد الاتفاق الأخير القاضي بتشكيل لجنة استخبارية رباعية تضم روسيا وإيران والعراق وسوريا. غير ان البداية الفعلية انطلقت بعد زيارة المالكي لموسكو في تشرين الاول 2012، وإبرامه صفقات عسكرية ونفطية. وبهذا بتنا أمام متغير غير تقليدي، يعيدنا لمرحلة صراع الحرب البادرة، لكن هذه المرة بدون ايديولوجيات، او من غير الايديولوجيات المعروفة سابقا.
روسيا اختارت بعد الثورة السورية خوض الصراع في الشرق الاوسط بقوة، فدعمت حلفاءها، مع ضم اخرين، إثر اهتزاز مكاسبها الثابتة، خصوصا بعد سقوط نظام معمر القذافي. ونجحت حتى الان في حماية سقوط نظام سوريا، وضمت بالفعل اطرافاً عراقية عبر القناة الايرانية الى حلفها، وبات حزب الله اللبناني يتحرك ضمن فلكها. ولم تعد فكرة "اسرائيل" هي المركزية في الصراع، كما كان في محور الممانعة الذي تقوده ايران، انما "داعش" على اعتبارها "ذراعاً امريكياً" يضم السعودية وقطر وتركيا، كما يرى خصوم الولايات المتحدة.
هناك الكثير من المكاسب الروسية في التحرك الجديد، أهمها ان العراق يعود مجددا ساحة للحرب كما كان قبل تفكك الاتحاد السوفياتي، وايضا إنها اليوم تتحرك للعب على الحبال الخليجية، في ظل مخاوف السعودية من التقارب الامريكي الايراني. من جانب آخر فإن واشنطن بفعل تحركات موسكو الأخيرة في سوريا ومحاولاتها في العراق، بدت أكثر جدية من السابق في مواجهة داعش، لكن من خلال رؤيتها القاضية بتجزئة المعركة ضد داعش داخل البلاد، وهي رؤية تعتمد جعل السنة في واجهة الحرب.
لكن من جانب اخر، هذا الاستنفار المتبادل بين الدولتين الكبيرتين، يمكن أن يؤدي الى ادخال عناصر جديدة في المواجهة ذات الملامح الباردة. فروسيا لاحظت ان امريكا فتحت الجبهة بالقرب منها (اوكرانيا)، وتوغلت بعيداً في الارض السورية عبر ترك حلفائها الخليجيين والاتراك يواجهون نظام بشار الاسد، لترد هي بنقل الصراع الى الارض التي يفترض انها منطقة نفوذ امريكية، اي العراق، واقتربت اكثر من مصر، وربما ستذهب أبعد.
هذا الصراع له استحقاقات. سوف تتركز الاثمان بدرجة رئيسية في العراق وسوريا، حيث اكثر مكانين ساخنين مستقطبين لكل الأدوات المشروعة وغير المشروعة. واذا كان الدخول التركي على خط الصراع أوجد داعش، فإن للدخول الروسي ايضا تداعيات وادوات ووجودات، قد لا تكون لمصلحة العراق واستقراره.
في الجانب الآخر من النزاع، تلوح في الأفق احتمالات وجود توافق امريكي ـ روسي على تبادل الادوار، وتحديدا بعد الاتفاق النووي. لقاء بوتين بأوباما في نيويورك، وذهاب العبادي اليها ايضا وفي جدول الاعمال لقاء مع الرئيس الامريكي، يعزز هذه الاحتمالات التي خلقت فرضية تقول ان كل ما يجري يخضع لصفقة كبيرة، غير معلنة. وربما تصح هذه الفرضية، لكن ليس في التفصيلات، لأن الاتفاق بين الأقوياء في التفصيلات يحصل بعد النزال وتحديد مناطق النفوذ، وليس قبله.
وسط فضاء واسع الفرضيات والتكهنات، تقدم موسكو نفسها راعية قادة شيعة الشرق الاوسط، وواشنطن ترعى نظرائهم السنة. المفارقة؛ أن الولايات المتحدة تعرضت لأكبر وجع بيد الاسلام السياسي السني "السلفي"، بينما أكثر اسلام سياسي واجه الاتحاد السوفيتي ايديولوجيا وعرض الشيوعية للمذابح هو الشيعي "ولاية الفقيه".
هنا لعبة الصراع، سمي يوما جورج بوش بمنقذ الشيعة بعد أن خلّصهم من قاتلهم، وتلاحقت وفود ساسة المعارضة السنية في سوريا على اوباما كراع كبير ضد قاتلهم.. وبالتزامن مع هذا، بات بوتين عدوا لسنة سوريا، وهو اليوم في العراق صديق الشيعة!
&
التعليقات