&لم تتوقف مطالب المتظاهرين اللبنانيين عند مسألة النفايات والكهرباء، وهي اليوم تتعلق باستقالة مجلسي النواب والوزراء، مع تهديد بالتصعيد إن لم تتم الاستجابة لمطالبهم، ويبدو واضحاً أن لبنان انتقل إلى مرحلة جديدة من الإحتجاجات وتعددت مطالب المتظاهرين وصولا إلى محاسبة كل من اهدر المال العام في الفترة الماضية، وهذا مطلب سيفتح سجالات كثيرة، خصوصا أن شبهات التورط بقضايا مالية، وصفقات وسمسرات تحوم حول عدد من اقطاب السياسة، وشدد منظمو التظاهرات على استمرار فعالياتهم حتى تعود المؤسسات التنفيذية والتشريعية ملكاً للمواطنين وليس الزعماء، وحتى إنتخاب رئيس للجمهورية واستعادة أموال البلديات، والهدف المعلن هو بناء دولة مدنية وديمقراطية عادلة.
وهكذا بين أزمة سياسية عنوانها الرئيس شغور الموقع الرئاسي، وبين حراك احتجاجي على أزمة النفايات، يختلط الحابل بالنابل تعبيراً عن سخط المواطن اللبناني على فساد الساسة وعجزهم واستغلالهم المحاصصة الطائفية للاستئثار بمقدرات البلاد وثرواتها، غير أن ذلك الخلط يقفز عن حق الحركة الاحتجاجية في الاعتراض والتظاهر حيال التدهور الذي ضرب بقسوة الأوضاع المعيشية للمواطنين، الذين تراجع مستوى حياتهم اليومية بنفس مستوى تراجع خدمات الدولة التي يفترض أن تقدمها لهم، وصولاً إلى إغراق عاصمتهم وبعض المدن بالنفايات.
بديهي أن ينعكس تفاقم الأزمة السياسية والقلق من تراجع الأمن واستقبال مئات الآلاف من النازحين ليقاسموا اللبنانيين الخدمات والعمل، على الوضع الاقتصادي فقد تفاقمت البطالة دافعة آلاف الشباب للانضمام إلى الحركة الاحتجاجية، ورغم أن من بين المحتجين من ينتمي إلى أحزاب وزعامات طائفية، فإن المنتظر أن يقودهم واقعهم المزري للتخلي عن تلك الانتماءات ، وبديهي أيضا أن تسعي قوى سياسية وطائفية إلى ركوب موجة الاحتجاجات وأن تحاول توظيفها لخدمة أحد أطراف أزمة الرئاسة، أما السعي لتوصيف ما يجري بأنه ربيع بيروت، فهو محاولة للقفز على مطالب المحتجين المدعوين لتوحيد شعاراتهم لتكون واقعية وتجمع أوسع أطياف المجتمع.
يرى البعض، أن موضوع تراكم النفايات حمل معه بعض الخير فقد ايقظ الشارع من سباته الطويل، كانت البداية مع تجمّع "طلعت ريحتكم" واعتصام في ساحة رياض الصلح، حضره شباب وطلاب سلميون، يعملون من دون خلفية طائفية ولا سياسية، غير أن هؤلاء لم يتمكنوا من توحيد مطالبهم التي بدأت بمشكلة النفايات لتنتقل إلى شعارات كبيرة تطال النظام برمّته، وطرح ذلك أسئلة منها لمن تقدم الحكومة إستقالتها في غياب رئيس للجمهورية ومجلس نواب لا يجتمع؟ وهنا برز دور الأحزاب في محاولتها الاستفادة من تجمّع كهذا وتناثرت الأقاويل عن مندسين ترسلهم الأحزاب وبعض الشخصيات للتخريب وافتعال المشاكل، واستغل البعض التجمع للشروع في تجارة مؤقتة كبيع القهوة والمثلجات.
يدخل وطن الأرز نفقاً خطيراً وهو يواجه صعوبات جمّة لتحقيق الشعارات التي يرفعها متظاهروه، ويُصعّدونها عند كل مظاهره، فإذا استقالت الحكومة وحُلّ المجلس النيابي، ومع شغور موقع الرئيس فإن لبنان سينتقل إلى حالة شلل كاملة للمؤسسات، تستدعي بحكم الأمر الواقع أن يحل الأقوى على الساحة محلها ويقوم بدورها، ولعل تحقيق هذا الهدف يفسر لنا لماذا تعذر انتخاب رئيس للجمهورية منذ أكثر من عام.
&
التعليقات