أعلن المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية ( 19 الجاري ) إعتزام القاهرة البدء في حملة دبلوماسية إستعداداً لخوض انتخابات الفوز بعضوية مجلس الأمن غير الدائمة لعامي 2016 / 2017.. وهذا امر لا خلاف عليه ونأمل ان يتوج بالتوفيق وتحظي الدولة المصرية بهذا المنصب الذي سيوكون له مردود إيجابي علي العديد من القضايا التى ستتناولها نقاشات المجلس الأممي خلال السنتين القادمتين..&

لكن الخلاف ينبع في رأينا من " نمطية الحملة " ولجوءها إلي أساليب " نظرية " في المقام الأول بالاضافة إلي قواعد استهلكت ولم تعد ذات جدوي..&

فهي سترتكز من ناحية، كما قالت مصادر لجهاز الدبلوماسية المصرية، علي نتائج الجولات التى قام بها الوزير سامح شكري لعدد من الدول " الفاعلة " علي المسرحين الدولي والإقليمي بالإضافة إلي زيارته لمقر الأمم المتحدة بنيويورك خلال النصف الأول من العام الحالي.. النمطية هنا ان كلا الأمرين – الجولات وزيارة مقر الامم المتحدة – تجاوزتهما القضايا الاقليمية والملفات العالمية، وتقول التقارير ان الأوضاع الحالية في امس الحاجة لرؤية متطورة إلي جانب تحديث في الآليات.

ونقصد بالنمطية أيضا " اللجوء " إلي نفس الوسائل التى كانت تستخدمها الخارجية المصرية منذ اكثر من ثلاثة عقود، مثل:

1 - إصدار تكليفات محددة لعدد من سفاراتها بالخارج للتواصل المستمر مع كبار المسئولين في العواصم التى تتواجد فيها، لدعم مطلب الترشح المصري

2 – إرسال مبعوثين رفيعي المستوي إلي عدد من الدول لعقد لقاءات مع قادتها وسياسييها لتعزيز هذا المطلب.

بعيداً عن هذه النمطية.. دعت الخارجية إلي عقد ملتقي دولي بالقاهرة لممثلي الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن وعدد من مسئولي سكرتارية المنظمة الدولية خلال الفترة من 28 أغسطس إلي الأول من سبتمبر القادم لتبادل الرأي حول " رؤية الدولة المصرية " لأولويات القضايا المدرجة علي جدول اعمال المجلس الأممي خلال المرحلة القادمة.&

هذه الخطوات لا تكفي، وليس فيها جديد يتفق مع متطلبات التفكير خارج الصندوق الذي أصبحت تفرضه قواعد اللعبة في ضوء تجارب الأخرين خاصة علي مستوي التى سبقتنا إلي الفوز بمثل هذه الانتخابات.

ومن غير المفترض ان يبقي جهاز الدبلوماسية المصرية أسيراً لمثل هذه التكتيكات التى لم تعد تلائم العصر، خاصة وان تجاربه بلوغ مثل هذه الأهداف لم تحقق بغيتها في الكثير من المحاولات التى شهدتها فترة التسعينات من القرن الماضي والعقد الأول من الحالي.

لذلك نقول أننا لم نكن نتوقع من جهاز دبلوماسية مصر العريق أن يُبقي أدواته مقيدة بإرث عفا عليه الزمن، وأن يكتفي بعرض قدراته التنظيرية وهو يتطلع إلي الفوز من بين مرشحين آخرين يأملون ان يكسبوا الجولة بأدوات وآليات أكثر تطوراً..&

أين البيان " الإنتخابي " الذي يُلقي الضوء علي البرنامج العملي التطبيقي لما يمكن أن يقوم به جهاز الدبلوماسية المصرية علي المستويين الإقليمي والعالمي؟

كنا نتوقع من المشرفين علي ملف " عضوية مصر غير الدائمة بمجلس الامن " الساعين حقاً " للفوز " وليس لمجرد التقدم بالترشح أن يبذلوا جهداً أكبر ليقدموا للعالم بعامة ولعواصم صنع القرار علي وجه الخصوص " رؤية " محددة الملامح لـ:&

- كيفية المشاركة في إيجاد حلول " سياسية ودبلوماسية " للعديد من القضايا العالقة في الشرق الأوسط.

- و قدرة القاهرة علي التوسط لفض الإشتباك بين الكثير من الدوائر المتداخلة في المنطقة.&

- ورؤيتها للمساعدة في تخفيف التوتر علي بعض الجبهات الدولية.

نقول بثقة:

إذا كان الدور المصري الريادي قد تراجع كثيراً في السنوات الأخيرة علي مستوي العمل السياسي المؤثر في الملفات الإقليمية، فهو لم يفقد أهميته المرتقبة بعد، لأن مصر متواجدة بحكم مكانتها الجغرافية وثقلها التاريخ ضمن هذه الملفات..&

الإشكالية هنا.

ان مصر الغائبة حتي اللحظة عن موائد التباحث التي يتبادل الجالسون حولها الرأي في شأن هذه القضايا، وبعيدة عن الغرف المغلقة التى ترتب فيها الإدوار ويتم التنسيق بين القائمين بها.. تفرض عليها اللحظة الراهنة بقوة ضرورة العودة لكي تشغل مكانتها التي إفتقدتها المنطقة كلها وعدد من عواصم صنع القرار والمنظمات الدولية لفترة من الزمن.&

وهي – مصر - وإن كانت تنظر بعين الإعتبار والتقدير لبعض القوي الإقليمية التي تتصدر المشهد السياسي اليوم علي كافة المستويات، فعليها أن تدرك أن تلك القوي تنتظر منها أن تعود في الغد القريب إلي سابق عهدها..&

الحقيقة التى ربما لا يختلف عليها المراقبون والمحللون تقول:

أن الدور المصري كان دائماً ضمن حسابات القوي الإقليمية والعالمية ذات الصلة المباشرة بكافة الملفات الساخنة علي مستوي الشرق الأوسط، كل وفق رؤيته لمحتوي الملف وزاوية نظرته إلي مصالحه ومصالح الآخرين.&

أن الدور المصري الذي تواري في الآونة الأخيرة بفعل عوامل أصبحت معروفة، بدأ يستعيد عافيته بعض الشئ لأن الكثير من عوامل التعويق آخذ في التلاشي بفعل الجهد المبذول من النظام الحاكم علي الساحتين الداخلية والخارجية.

وهذه الحقيقة تقول أيضاً.

أن الدور المصري الذي كانت القاهرة تختاره لنفسها بنفسها وفق امكانياتها، كان دائماً ما يٌكلل بالنجاح.. أما الأدوار التي كُلفت بها أو فُرضت عليها، فلم يكن النجاح حليفها.

ان عودة الدور المصري إلي دائرة الفعل الإيجابي لن يقلل من قيمة الأدوار التى يقوم بها آخرن في المنطقة، بل سيزيد من فاعليتها ويقوي من عضدها طالما هي تتماشي مع المصلحة العربية العليا.

اليوم.. تتاح لمؤسسة الدبلوماسية المصرية الفرصة المواتية لكي تضع أجندتها علي مستوي قضايا المنطقة وما يتعلق بعدد من الملفات الدولية وفي مقدمتها " الإرهاب الدولي " أمام العالم عبر عدد من الآليات العملية المرتبطة بالواقع العربي والعالمي، لكي توفر لنفسها برنامج عملي يتم من خلاله التصويت لصالحها عند الإقتراع علي من سيفوز بالعضوية غير الدائمة لمجلس الامن في السنتين القادمتين.

واليوم أيضاً تستكمل بعض الأطراف الإقليمية دورها الذي كانت تقوم به منذ فترة قصيرة لحلحلة بعض تعقيدات الملفات الشرق أوسطية شديدة السخونة بالتنسيق مع قوي دولية في مقدمتها روسيا، من أجل التوصل إلي مجموعة من الترتيبات التى قد تؤدي، كما قالت صحيفة صنداي تايمز يوم 9 أغسطس، إلي فك العقدة السورية بكل مشتملاتها بما فيها مصير بشار الاسد!! وإلي حلحلة الملف اليمني بما يضمن الإبقاء علي شرعية الرئيس اليمني.

الأعضاء الدائمون بمجلس الامن يرحبون بأن يكون للقاهرة دورها المتميز علي هذا المستوي عبر المشاركة في التوصل إلي حل سياسي لكلا القضيتين، ولكنهم لن يتعرفوا علي ملامحه إلا عبر البيان العملي الذي تعرض من خلاله تصوراتها لكافة محتويات الملفين.

ولأن هذه الأطراف تؤجل وضع ملفات أخري مثل الملف الليبي والملف اللبناني علي قمة أولوياتها.. نؤكد:

أن المجال مفتوح أمام الدبلوماسية المصرية لكي تُدلي بدلوها في هذا الخصوص خاصة وأن رؤيتها لدور السياسة فيما يتعلق بفض إشتباكات الملف السوري شديدة الصلة برؤيتها للمسار الذي يقود السفينية اللبنانية إلي بر الأمان.

ولسنا من المغردين خارج الساحة عندما نقول أن الدولة المصرية أولي من غيرها في كل ما يتعلق بالملف الليبي ليس فقط بحكم الجوار والتاريخ المشترك، ولكن أيضاً لأنها عانت أمنياً من تدفق السلاح المنهوب من مخازن القوات المسلحة الليبية إلي ساحتها الداخلية وعانت إنسانياً بسبب تعرض مواطنيها للقتل علي الهوية علي يد تنظيمات إرهابية تسعي لإحتلال الوطن الليبي في غيبة من الزمن.

نقول:

لكي تفوز مصر بعضوية مجلس الأمن غير الدائمة، علي جهازها الدبلوماسي أن يُفكر خارج الصندوق، وأن يقدم للقوي القاردة علي إفساح الطريق أمامها لشغل معقدها المرتقب بيان عملي لما يمكن ان يقوم به إقليميا ودوليا.

ومن جانبنا نعتقد أنه قادر علي ذلك وأكثر.
&

* إستشاري اعالامي مقيم في بريطانيا.. [email protected]&

&