&

يمكن القول ان جولة الحوار الإستراتيجي بين مصر وأميركا المؤجلة منذ عام 2009 والتى عقدت بالقاهرة أوائل الشهر الحالي لم تتمخض عن نتائج إيجابية في المستقبل القريب أو عن بعض التوقعات البناءة علي المدي المتوسط، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين الطرفين ودور مصر الحيوي ضمن ملفات الرؤية الأمريكية لإعادة الإستقرار في المنطقة.

شارك جون كيري في جلسة المباحثات الأساسية، ثم توجه إلي منطقة الخليج للقاءات ربما تكون أكثر اهمية في ميزان العلاقات الإستراتيجية الأمريكية علي مستوي المنطقة.. وترك وراءه عدد من مساعديه لإستكمال جدول اللقاء، الذي اتفق الطرفان علي إستئنافه في جولة المباحثات القادمة منتصف عام 2017!

ومن المؤكد أنها دارت في إطار بعيد كل البعد عما طالب به إريك تراجر - خبير أمركي في الشئون المصرية - في شهادته منتصف شهر مايو الماضي أمام لجنة الإستماع التي شكلتها لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، بضرورة العمل علي " فك الجمود " الذي أصاب إطار وعمق المصالح الأمريكية المصرية المشتركة " في مقتل " لما في ذلك من تفعيل لخطط واشنطن علي مستوي الشرق الأوسط ككل!

علي الجانب الآخر&توقعت بعض مراكز صنع القرار في الإتحاد الأوربي – خاصة لندن وباريس وبون - نتائج أكثر إيجابية لهذا الإجتماع لسببين:

الأول: أنها إعتبرت تأكيد الرئيس الأمريكي في حديث هاتفي مع الرئيس المصري - أوائل شهر ابريل الماضي – علي أهمية الدور المصري في المنطقة بمناسبة بمناسبة رفع االتجميد عن تسليم قواتها المسلحة طائرات F16، مؤشر علي عودة درجة من الدفء إلي مياه العلاقات بين الطرفين " الباردة " منذ ثورة الشعب المصري في 30 يونية 2013، وتنبأت أن يقود تبادل وجهات النظر حول الأوضاع المتردية في المنطقة إلي إنفراجه كبيرة تؤرخ لأنهاء حالة التردد التى تبديها واشنطن تجاه القاهرة منذ ذلك التاريخ.

الثاني: أن تقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط – يوصف بانه شديد القرب من جماعات الضغط اليهودية الأمريكية - الذي قُدم للادارة الأمريكية بعد ذلك بنحو شهرين أوصي بشدة بضرورة " إستعادة أواصر العلاقة الإستراتجية مع القاهرة " لأكثر من سبب يأتي في مقدمتها قدرة الجيش المصري علي محاربة المنظمات الإرهابية، وقابلية الدولة المصرية علي إحداث توازن إيجابي علي مستوي العلاقات العربية / العربية و العربية الإيرانية " عزز من متطلبات تلك الانفراجه ورسخ من ضروراتها.

الإدارة الأمريكية الحالية&لم تقتنع بثورة الشعب المصري في الثلاثين من يونية 2013، وفرضت نفسها وصية عليه وأنكرت عليه حقه في عزل رئيس الجمهورية الذي نقض تعهداته معه منذ اليوم الأول.. وقاست فض اعتصامات ميداني رابعة والنهضة بمقاييس فيها من العنت ومجافاة الحقيقة أكثر مما فيها من معايير متطلبات الامن الاجتماعي ومراعاة حقوق كافة المواطنين.

وكالت بمكيالين:

أ - قدمت جميع أنواع المساعدات للحكومة التي شكلها الرئيس المعزول، برغم العدد الكبير للكنائس التى احرقها التيار السياسي الاسلامي في سنة واحدة!! وما صاغته من مواد دستورية فيها من الكثير من العوار القانوني والإهدار المتعمد لحقوق الأخرين.

ب – حجبت عن الحكومة التى شكلها الرئيس المؤقت عدلي منصور كافة أنواع المساعدات، وجمدت قرار إعادت طائرات الأباتشي المروحية بعد إجراءا الصيانات اللازمة لها.

وقال رئيسها باراك أوباما في حديث مع شبكة CNN الإخبارية منتصف أغسطس عام 2013 ان علاقات بلاده مع مصر لن تعود إلي ما كانت علية بسبب " الإنقلاب العسكري الذي وقع وازاح الرئيس المنتخب محمد مرسي.

ذراع القاهرة لم ينكسر، ولا هامتها إنحنت.

العلاقات الإستراتجية بين مصر وأمريكا متبادلة تقوم علي مصطلح " مساعدات مقابل تعاون ".. تحصل الأولي علي مساعدات مادية وعسكرية وإقتصادية، وتُمنح الثانية مزايا لوجستية عبر الأجواء والمياه المصرية، ويكون من المنطقي أن تُقلص الثانية إذا جُمدت الأولي.

اتجهت القاهرة بعد يونية 2013 إلي تنويع مصادر تسليحها وفتحت مسارات حققت هذا الهدف مع كل من فرنسا وروسيا، وقريبا تدشن خط مماثل مع الصين.. وبرهنت علي ان ظهيرها العربي قادر علي مساندتها إقتصادياً بشروط إئتمانية أفضل بكثير من تعقيدات المنح التى كانت تقدمها لها واشنطن.

نقول&برغم كل البريق الذي يلمع في أفق السياسة الأمريكية الشرق أوسطية، لا تملك واشنطن رفاهية أن تدير لها القاهرة ظهرها!! ولا أن تستعيض بعلاقاتها الجديدة مع طهران عنها!! ولا أن تواصل معزوفة حقوق الانسان " غير المرعية في مصر " لأن التقارير الدولية برهنت علي انها أفضل بشكل أو بآخر من دول أخري!! ولا أن تواصل التعاطف مع جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي بعد الرفض الهائل الذي لحق بهما علي أكثر من مستوي داخل عدد من الدول العربية والاسلامية في نفس الوقت.

أن تفضيل واشنطن أن تكون مساعداتها العسكرية لمصر موجهه لمحاربة الإرهاب وحماية الحدود وحفظ السلام مع دول الجوار، لا يعني أن مصر ستُجمد مهمة القوات المسلحة المصرية عند هذه المستويات!! لأن العقيدة العسكرية المصرية تضع في إعتبارها مهام أخري أكثر إرتباطا بأمن مصر القومي أو علي نفس المستوي ياتي في مقدمتها الإستعداد المستقبلي الدائم لنزاع محتمل مع إسرائيل.

ان رد فعل واشنطن المستهجن علي قيام القوات المسلحة بعملية ردع للميليشيات الإرهابية التى قامت بقتل مجموعة من ابناء مصر المسيحيين في ليبيا خلال شهر فبراير الماضي، يبرهن علي إدارة الرئيس أوباما تقف إلي جانب نشر الفوضي في مصر وأنها علي إستعداد لغض البصر عن كل ما يمكن أن يؤدي إلي عدم الاستقرار في ربوعها.

في رأيي&لا أمل يرجي من وراء إدارة الرئيس أوباما فيما يخص علاقاتها الإستراتيجية مع مصر،&لأن ما يبدو من جانبها علي أنه تحرك لتأكيد العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، لا يعدو أن يكون ذر للرماد في عيون أعضاء الكونجرس الذين يتهمونها بأنها " أضاعت حليفاً إستراتيجياً، تضاعف مطلب التنسيق معه أكثر من ذي قبل بعد توالي مسلسل تهاوي نظم الحكم وتفشي المنظمات الإرهابية في المنطقة.

ولخشيتها أن يستخدم مرشحوا الحزب الجمهوري لخوض الإنتخابات الرئاسية القادمة ( نوفمبر 2016 ) ما يوصف بأنه فشل من جانبها في إحتضان النظام الحاكم في مصر بدلاً من معاداته، لكي يشوهوا صورة مرشحي الحزب الذي تنتمي إليه، ومن ثم تزداد مؤشرات هزيمة المرشح الديموقراطي..&

ولأن إبقاء مصر في المنطقة الرمادية التى لا هي بالسوداء المعادية للمصالح الأمريكية ولا بالبيضاء المناصرة لها علي طول الخط، يحرمها – أي واشنطن - من طرف إقليمي قادر علي المشاركة في إيجاد حلول عملية للملفات العالقة منذ أكثر من اربع سنوات.

لا أمل يرجي، لأن شعب مصر يري&أن أمريكا قوة عظمي، لكنها لم تعد الوحيدة المتربعة علي العرش،&ويؤمن أن إهتمامها بمصالحها فقط علي حساب الآخرين، لم يَعد مقبولاً،&ويعتقد أن التنسيق مع حكومته كحليف إقليمي يتطلب منها الاعتراف به كعنصر فعال قادر علي القيام بدور في إدارة الأزمات، وليس بتابع عليه تنفيذ المنوط به دون إعتراض.

وأخيراً لا أمل قبل ان يلغي الرئيس الأمريكي قراره بـ :

أ – حرمان مصر من حق التعاقد لشراء أسلحة محددة المواصفات، والقيام بسداد اقساط قميتها في اعوام تالية.

ب – توسيع مدي استفادة القوات المسلحة المصرية من المعونة العسكرية الأمريكية وعدم حصره في مجالات معينة تتحكم واشنطن في تحديدها.
&

* إستشاري اعالامي مقيم في بريطانيا.. [email protected]&

&