جرت محاولات جزائرية كثيرة بهدف لعب دور الزعامة في المغرب العربي، ومنطقة شمال افريقيا بوجه عام. وقد لوحظ ان القيادة السياسية الجزائرية قد وضعت من بين أهداف سياستها، في المنطقة، العمل على لعب الأدوار الأولى بالنسبة لمختلف القضايا والأزمات التي تعرفها المنطقة دون إيلاء كبير اهتمام لمواقف الدول الأخرى، التي ترغب في ان تضعها في موقع مكمل لدورها، في أحسن الأحوال، متى استحال عليها تهميشها وإبعادها من مواقع القرار والتأثير في الأحداث. وفي هذا السياق، حاولت الجزائر التأثير على قرارات الدبلوماسية المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي بشكل ملفت للانتباه في مختلف المحطات السياسية والقضايا التي تعرفها المنطقة، ويمكن فيها لمصر ان تلعب دورا ما. غير ان محاولات القيادة الجزائرية لم تؤد الى قطف الثمار المرجوة من سياساتها، خاصة بعد ما تم احباط المحاولات التي قامت بها من أجل دق إسفين الفرقة والتنازع بين المغرب ومصر، في موضوع النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، بفضل يقظة وتبصر القيادتين المغربية والمصرية اللتين تدخلتا، بالطريقة المناسبة، وفي الظروف الملائمة، حرصاً على الانطلاق مما هو جوهري في العلاقات بينهما. وبذلك تم تجاوز سحابة فتنة أطلت برأسها في العلاقات بين المغرب والجزائر، والتحرك على أرضية التفاهم السياسي القائم على الاحترام المتبادل وعدم الإساءة الى أواصر الصداقة التاريخية العميقة بين الشعبين، على عكس ما خططت له القيادة الجزائرية، بوعي وسابق إصرار، وان كان ذلك عبر عدد من المناورات والطرق الملتوية التي تم كشفها في حينها فأسدل الستار على كل سوء تفاهم يمكن ان تكون له عواقب غير محسوبة على العلاقات بين المملكة المغربية التي بَاركت التغيير السياسي العميق الذي شهدته مصر بعد الإطاحة بنظام جماعة الاخوان المسلمين، وبين مصر العربية التي لم تكن لتميل في يوم ما لدعم سياسات تفتيت الأوطان والنيل من الوحدة الترابية للشعب المغربي.
لكن يبدو ان الجزائر التي ترغب في الاضطلاع بالدور الاقليمي المؤثر، بل والمحدد، لتوجهات عدد من الدول التي تنظر اليها بنوع من التعالي، لم تيأس في مساعيها لتحقيق هذا الهدف الذي يبدو انه يشكل أولوية الأولويات في سياستها الخارجية تجاه المنطقة فأعادت الكرة، من جديد، مع مصر لكن هذه المرة بخصوص ملف الأزمة الليبية التي أصبحت عقدة التناقضات، في منطقة شمال افريقيا والعالم، خاصة بعد تمدد تنظيم داعش الإرهابي وسيطرته على عدد من المناطق الليبية خلال الشهرين الأخيرين والذي من الواضح ان ائتلاف فجر ليبيا الذي يضم مليشيات مسلحة متطرفة والحكومة التابعة لهذا الائتلاف قد لعبوا دورا كبيرا في عرقلة مسار حكومة عبد الله الثاني المعترف بها دوليا.&
هناك إذن قضيتا خلاف أساسيتان بين القاهرة والجزائر بخصوص الازمة الليبية:
اولا، الموقف من حكومة طرابلس غير الشرعية وبرلمانها المنتهية ولايته، والمتمرد على نتائج الانتخابات التي جرت في البلاد حيث تم تشكيل برلمان جديد وحكومة مؤقتة تحظى بالشرعية الدولية. ففي الوقت الذي تدفع فيه الجزائر نحو التوصل الى حل تلعب فيه حكومة طرابلس المدعومة من مليشيات فجر ليبيا وغيرها من الجماعات الاسلامية المسلحة المتطرفة، دورا ما، ترى القاهرة انه لا مجال لأي تعاون مع تلك الحكومة وبرلمانها على اعتبار ان وراءهما قوى إقليمية وضعت نصب أعينها اعادة الاعتبار للمشروع السياسي الإخواني الذي تلقى خلال السنتين الماضيتين ضربات قاتلة وخاصة في مصر بعد الإطاحة بنظام الاخوان المسلمين.
ثانيا، الموقف من أي تحرك إقليمي ودولي لدعم شرعية الحكومة المؤقتة والبرلمان المنتخب وتمكين الجيش الوطني الليبي، بقيادة خليفة حفتر، من الدعم العسكري الضروري لدحر تنظيم داعش الإرهابي وإعادة بسط سيادة الدولة على مجمل المناطق الليبية التي تقع في الوقت الراهن تحت سيطرة عدد كبير من المليشيات المسلحة التي تفتقد لأي مرجعية وطنية حقيقية. فالجزائر، على هذا المستوى، ترفض اي تحرك عسكري إقليمي او دولي في ليبيا تحت اي ظرف من الظروف، وان الحل لا يمكن الا ان يكون ليبيا داخليا، بينما ترى القاهرة ان المخاطر التي تهدد استقرار ووحدة ليبيا خاصة من قبل تنظيم داعش الإرهابي تفرض على مجمل الدول الاقليمية والمجتمع الدولي الوقوف الى جانب الحكومة الشرعية بكل الوسائل الممكنة بما في ذلك التدخل العسكري في مواجهة الدولة الاسلامية التي اصبحت تهدد مختلف دول الجوار وجنوب اوروبا على حد سواء. وترى القاهرة ان ما يدعم موقفها هذا هو الإرادة السياسية الواضحة والرغبة الصريحة التي عبرت عنها حكومة عبد الله الثني بالمطالبة بالدعم الاقليمي والدولي في اطار التنسيق الدائم معها وبما لا يمس السيادة الوطنية الليبية.
وفي هذا السياق فقط يمكن فهم اختلاف وجهتي نظر وزير خارجية مصر سامح شكري ووزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة في قمة جوهانسبوغ الأفريقية الاخيرة حول ما ينبغي ان يتضمنه البيان الختامي للقمة من قرارات وتوصيات حول ليبيا وحول طريقة دعم الحكومة الشرعية فيها.
التعليقات