&
ما بين الواحدة ظهرا والخامسة شهدت محطات مترو الأنفاق في القاهرة حالة من التكدس غير المسبوق في المدة الزمنية والزحام الشديد، في هذه الفترة التي تعد فترة الذروة في القاهرة، حيث مواعيد خروج موظفي الوزارات والهيئات والمصالح الحكومية، وصلت لمحطة محمد نجيب القريبة من باب اللوق لأفاجأ بزحام شديد على محطة أتوبيسات النقل العام على جانبي شارع التحرير المؤدي لميدان باب اللوق، ظننتها مظاهرة، لكن عند السؤال فهمت أنه مجرد زحام، فاتجهت إلى المترو لأرى الآلاف بين صعود وهبوط وخروج ودخول، وأحد الشباب يقول أن هناك عطل في خطوط المترو الثاني المتجهة من الجيزة إلى شبرا الخيمة والعكس، حسمت أمري وحسبت التأخير الممكن، فوجدت أن التأخر في المترو ولو طال لساعة أو ساعة ونصف أرحم من الخروج واستخدام الأتوبيس، فشلل المترو سوف يشل حركة المرور، وهكذا نزلت لأجد سلالم المترو العادية امتلأت بالناس، سيدات ورجال وأطفال من كل الأعمار قد احتلوا سلالم الصعود والهبوط، وامتلأ الرصيف فلم يكن هناك موضعا لقدم.. نصف ساعة وجاء المترو وما أن انفتحت الأبواب حتى تدفق بعض الناس غاضبين سابين لاعنين، فقد أمضوا قرابة ساعة ونصف واضطروا أن يكسروا زجاج الأمان الخاص بفرامل الطوارئ حتى يفتحوا الأبواب، لأن البعض كاد يصاب بحالة اختناق.&
ما أن توقف القطار وتدفق منه البعض حتى بدأت الإذاعة الخاصة بالمحطة ـ محمد نجيب ـ في تلاوة بيانات "على السادة الركاب افراغ القطار فورا.. على السادة الركاب البعد عن القطار.. اللي ماسك الباب في العربة 2 يرفع يده وينزل فورا.. على السادة الركاب صعود القطار.. العطل في طريقه للحل يرجى النزول فورا.. مين اللي كسر زجاج فرامل الامان في العربة 3و5 و6 .. لن نتحرك قبل اصلاح الزجاج.. فني المترو مطلوب فورا.. اﻻن نبدأ خطوات بدء التحرك.. هذه البيانات لم تزد الناس إلا غضبا وحذرا وخوفا وفزعا، فهرع الكثيرون إلى الخروج من المحطة نهائيا، فيما ابتعد آخرون عن القطار وبيقى البعض داخل القطار وفي مواجهة أبوابه.
هذه الحالة شلت محطات الخط الثاني من المنيب بمحافظة الجيزة حتى شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية، فعندما تحرك المترو لاحظت نفس التكدس في جميع المحطات، وقد ارتفعت فضلا عن ذلك حالات التحرش والشجار والسب والقذف، فنشب أكثر من شجار تارة بالأيدي وتاترة بالسب والقذف، وقد لاحظت غياب التواجد الأمني تماما وسط هذا الهرج والمرج الذي كان من الممكن أن يتحول لكارثة.
إن ما جرى في المترو ذلك اليوم 15 يونيو يشبه ما يحدث في مصر كلها، كل الأمور تجري بالبركة دون ضابط من نظام، لا أحد يعرف شيئا، لا أحد يقول لك ما الذي يجري، أو يبرر لك ما يجري، كله متروك لتأويلات المواطن، هناك قنابل، هناك انقطاع في الكهرباء، هناك مظاهرات، الاخوان يقطعون خط المترو، اشتباه في وجود قنابل، ولا تنتهي التأويلات، الحكومة تريد تأديب المواطنين حتى ترفع سعر التذكرة.
وفي ظل الأكاذيب التي يطلقها المسئولون أنفسهم ولا أحد غيرهم ويحولونها بأنفسهم أيضا إلى شائعات، يضطر المواطن إلى الاعتماد على أقرب التأويلات لثقافته ومعلوماته، قنابل أو مظاهرات أو انقطاع كهرباء.. ومن كثرة الكذب لم يعد المواطن يصدق كلام المسئولين لا في الضار ولا في النافع، وربما آخر الأكاذيب تحولت لشائعة لنفيها وتخص المترو أيضا، أنه خرج منذ أسبوع وزير النقل مؤكدا أن محطة مترو التحرير المغلقة منذ منتصف 2013 حتى الآن سوف تفتح أبوابها للجمهور الأربعاء القادمة 17 يونيو الجاري، وامتلأت الصحف بتصريحات وتأكيدات السيد وزير النقل ومسئولي المترو بأن فتح المحطة سيكون الاربعاء، وفجأة يخرج مساعد وزير الداخلية ليقول أن المحطة لن تفتح وأن ما جرى تداوله من أخبار مجرد شائعات.
هذه حالة مصر وهذه أحوال المصريين يعيشون ليلهم ونهارهم بين الأكاذيب أو الشائعات بمفهوم النظام والتي يطلقها النظام نفسه، تحدث الواقعة أو الحادثة وشهود العيان عليها بالعشرات بل المئات ثم يخرج من يكذب بل يهتم ويطارد من ينشرها بالخيانة والعمالة والأخونة وهلم جرا.
الشواهد على ما نقول كثيرة "أكثر من الهم على القلب" كما يقول المصريون، يكفي مطالعة الصحف الحكومية الرسمية ومقارنتها بين يوم وآخر حتى يتضح حجم الأكاذيب، من كذب الاستقرار الأمنى والاقتصادي إلى خداع المشروعات الكبرى إلى كذب أسعار السلع الغذائية وفواتير الكهرباء والغاز وياميش رمضان والسكن الاقتصادي وووووو..
&