رغم تصدر حزب "العدالة والتنمية" المركز الأول في الإنتخابات التركية الأخيرة وحصوله على نسبة 40.86، إلا أنه يبقى الخاسر الأكبر فيها، الأمر الذي وضع زعماء الحزب وعلى رأسهم رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء أحمد داوود أغلو في مأزق كبير، خصوصاً وأنّ الأخير كان قد "تحدّى" قبل شهر أمام جمهوره في مدينة هاتاي، معلناً أمام الملأ بأنه "سيعلن إستقالته إذا لم يحصل حزبه على الأغلبية المطلقة ولم يتمكن من تشكيل الحكومة بمفرده". لكنّ تكلفة الخسارة الكبرى ل"العدالة والتنمية" سيدفعها أردوغان المالك لجميع مفاتيح الحزب، الذي كان السبب الأساس في خسارة حزبه، بسبب خروجه عن "الإطار"، وزجه للدين في السياسة بشكل غير مسبوق لم تشهده العملية السياسية في تركيا من قبل، ووصفه لخصومه السياسيين ب"الكفرة" و"الجواسيس" و"الخونة، وعبارات هجومية إستفزازية، الأمر الذي أدى إلى الإنخفاض الحاد في عدد أصوات حزبه، ورفع شعبية أحد أبرز خصومه السياسيين، حزب "الشعوب الديمقراطي" (غالبية أعضاءه من الأكراد) الذي حقق نصراً تاريخياً، بعد اجتيازه للعتبة الإنتخابية بنسبة 13.12%، وفوزه الساحق ب80 مقعداً، ما أدخل الأكراد إلى البرلمان التركي من أوسع أبوابه، بقائمة حزبية وليس عن طريق نواب مستقلين، لأول مرّة في تاريخ الجمهورية التركية منذ تأسيسها عام 1923.

بعد خسارة "العدالة والتنمية" وفشله في الفوز بالأغلبية المطلقة البالغة 276 مقعداً ليفوز ب258 مقعداً فقط، تتجه الأنظار في الأيام القادمة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمشاروارت التي سيجريها مع قادة الأحزاب الفائزة لتشكيل الحكومة الإئتلافية المقبلة. وتبدو سيناريوهات الخارطة السياسية مفتوحة على جميع الإحتمالات بعد الفوز الساحق ل"حزب الشعوب الديمقراطي" الذي وصفه زعيمه صلاح الدين دميرطاش ب"النصر العظيم".

بحسب نتائج الإنتخابات، هناك أكثر من سيناريو لتشكيل الحكومة الإئتلافية الجديدة:

إما أن يتحالف "العدالة والتنمية" مع أحد الأحزاب المعارضة الثلاث، أو تتحالف الأحزاب المعارضة الثلاث لتشكيل حكومة إئتلافية.&

بحسب تصريحات زعماء الأحزاب المعارضة، الجميع متفقون على عدم وجود رغبة في تشكيل حكومة إئتلافية مع "العدالة والتنمية"، ما يعني أن السيناريو الأول صعب التحقيق. أما السيناريو الثاني، فلا يقلّ صعوبةً عن الأول، خصوصاً وأنّ حزب "الحركة القومية" كان ولا يزال من أشدّ المعارضين لأي تقارب "تركي ـ كردي"، لحل القضية الكردية في تركيا، التي تعتبر واحدة من أهم النقاط الجوهرية في برنامج حزب "الشعوب الديمقراطي".

أحد أهم أسباب الصعود الكردي والفوز الساحق لحزب "الشعوب الديمقراطية" وتحوّله إلى لاعب قوي في المشهد السياسي التركي هو أخطاء حزب العدالة والتنمية وتعطيله لقطار السلام الكردي، وعدم وفائه بوعوده للجمهور الكردي والتركي على حدٍّ سواء لحل القضية الكردية، بإعتبارها قضية كلّ تركيا. الأمر الذي أظهر حزب العمال الكردستاني أمام الرأي العام في صورة الممثل والمدافع الحقيقي عن حقوق الأكراد في تركيا من جهة، وعن السلام لعموم تركيا من جهة أخرى. كلّ ذلك انعكس إيجاباً على الناخب الكردي الباحث عن تعزيز لحضوره الإثني وتثبيت لهويته السياسية ككردي محروم من حقوقه القومية في تركيا.

عليه فإن نجاح أي حكومة إئتلافية قادمة سيكون مرهوناً بحل القضية الكردية ودفع عجلة السلام في تركيا. الكرة لا تزال في ملعب الأتراك وأحزابهم السياسية (معارضة وموالاة)، خصوصاً بعد دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، المعتقل مدى الحياة في سجن إيمرالي إلى "إقرار تخلي حزبه عن السلاح" عدة مرات لإحلال السلام في تركيا. والسؤال الذي يطرح نفسه ههنا، هو: من سيطلق قطار السلام الكردي ـ التركي المتوقف في محطة "العدالة والتنمية"؟

في تصريحٍ لافت له بعد خسارة حزبه، دعا أردوغان جميع الأحزاب السياسية إلى التصرف بالحساسية الضرورية والتحلي بالمسؤولية لحماية مناخ الأمن والاستقرار والثقة والمكتسبات الديمقراطية في تركيا"، الأمر الذي يشي بإحتمال دخول تركيا في مرحلة جديدة ربما يكون عنوانها الضبابية السياسية واللاإستقرار.

في حال فشل الأحزاب الفائزة في الوصول إلى تشكيل حكومة إئتلافية توافقية، سيسمح القانون لحزب "العدالة والتنمية" بتشكيل "حكومة أقلية" لإدارة البلاد حتى إجراء انتخابات مبكرة، ما يعني إعادة العملية السياسية في تركيا إلى المربع الأول، الأمر الذي قد يعوّض الحزب بعضاَ من الخسارة الفادحة التي تكبّدها في الإنتخابات الأخيرة، ويخلط أوراق اللعبة السياسية في تركيا من جديد.

ويبقى السؤال: هل سيقلب أردوغان الطاولة على معارضيه؟

&

[email protected]