هبط من أحياء إسطنبول الفقيرة، كان من أسرة فقيرة، باع البطيخ والسميط كما يقول، وهو طفل حتى يوفر مصاريف تعليمه، اكمل دراسته في في مدرسة دينية وبعدها أنهى دراسته الجامعية وتخصص في الاقتصاد والأعمال، كانت بدايته مع العمل السياسي، بالانضمام إلى حزب الخلاص الوطني, الذي كان يتزعمه السياسي والرئيس التركي الأسبق فيما بعد, نجم الدين اربكان صاحب التوجهات الإسلامية, وبعد انتهاء مفاعيل الانقلاب العسكري الحاصل عام 1980 في تركيا, عادات الحياة السياسية لمجرها, وعاد اردوغان هذه المرة تحت ظلال حزب الرفاه الذي رشحه لمنصب عمدة إسطنبول, وبعد مخاض سياسي قام هو ومجموعة من رفاقه السابقين في حزب الفضيلة، بتأسيس حزب جديد تحت اسم حزب العدالة والتنمية، وهو الحزب الذي سوف يصعد به الى سدة الحكم، لصبح رئيس وزراء تركيا في العام 2003وبعدها رئيسا.
لايستطيع أحد إنكار,الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الداخلية, التي قام بها اردوغان من خلال حزبه , والتي أدت خلال اقل من عقد من الزمن إلى نهوض اقتصادي كبير في تركيا ,جعل اقتصادها احد أقوى اقتصاديات العالم, وقد رافق هذا النهوض نشاط سياسي داخلي وإقليمي ودولي, يهدف إلى بناء منظموة علاقات سياسية جديدة, لا تقوم على المحور الرئيس لكل الحكومات التركية، وهوالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لذلك بدء بفتح صفحات جديدة ، مع العالم العربي و الأكراد والأرمن ودولة اليونان العدو التقليدي لتركيا، وانفتح على جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق , التي يعتبر الاتراك مكون رئيس من بعض شعوبها.
ما يهمنا في كل ذلك هو الانفتاح على العالم العربي، الذي بدأ من العراق وسوريا مرورا إلى باقي الدول العربية، وقد تكون دمشق هي اهم بوابة لهذا الانفتاح والتغير، في العلاقات فلا يخفى على المتابع للشأن السياسي، إن العلاقات التركية السورية، كانت وعلى مدى عقود تتسم بالتوتر وعدم الود، فتركيا هي دولة محتلة لإقليم الاسكندورن السوري، أضافه إلى المشاكل المتعلقة بتقاسم مياه نهري دجلة والفرات ، الذين ينبعان من تركيا، ويمران في العراق وسوريا ناهيك عن معضلة الأكراد، التي شكلت هاجس لكل دول هذا الإقليم.&
ولكن مع كل ذلك، بدأ عصرهذا التحول والانفتاح بالعلاقات، من خلال الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد في العام 2004الى تركيا، والزيارات المتكررة والمتبادلة لمسؤولي البلدين وعقد اتفاقيات للتجارة الحرة، وإلغاء تأشيرة الدخول بين البلدين،وصولا الى حد اجراء مناورات عسكرية مشتركة، حيث أصبحت العلاقة بين دمشق وانقرة، مثال للشراكة والتعاون بين بلدين جارين، يطمح كل طرف منهما، إلى تحقيق مجموعة من المصالح، من الطرق الأخر وهو أمر مشروع، في العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدول، الا ان البركان الذي سوف يثور فيما بعد، في العالم العربي، سوف يقلب الشراكة والتعاون والود الى عداء مستحكم.
كل المقدمات السابقة، اضافة إلى التوجه أو الميول السياسية الإسلامية، لاردوغان أصبحت تتضح في سياساته الداخلية والخارجية، واذا ما انضاف اليها، سلوكه الشخصي وقدراته على الخطابة ، جعل منه شخصية كارزيزمية، بكل معنى الكلمة في العالم العربي، فقد اصبح نموذج للرئيس المخلص لشعبه ودولته ، فهوالمتواضع والمؤمن الصانع لنهضة تركيا الحديثة، وهو النموذج الذي اصبح يفاخر به، اسلاموي العالم العربي، التيارات الأخرى باعتبار انه نموذج، " لحكم الإسلامين المعاصر! " ، مع أن تركيا دولة علمانية، بصريح دستورها وحزب اردوغان علماني بإقراره هو شخصيا، فهو لا يرى بأس،من المزواجة بين الدولة العلمانية والقيم الإسلامية، ولكن السؤال المطروح هل وقف الأمر بالنسبة الاردوغان، لحد الأيمان بالقيم الإسلامية فقط؟ , والالتزام بالإسلام بحياته الشخصية، أم أن الأمر كان مقدمة لطموحات شخصية وطموحات للدولة التركية، بنموذجها الاردوغاني، تهدف لخوض غمار المستقبل في المشرق العربي، بعد أن تكسرت أجنحته في الغرب الأوربي، سوف يعبر عنها اردوغان بأفعاله وأقواله بعد انفجار بركان ما سمي الربيع العربي، هذا ما سوف نحاول الإجابة عليه، أو على جانب منه على الأقل.
في العام 2011 بدأ الربيع العربي، وكانت أول فوهاته في تونس وامتدت لتشمل مصر واليمن وليبيا والبحرين والأردن والمغرب، بأشكال مختلفة ، وفي بداياته حتى القوى العظمى، لم تعرف كيف يجب أن تتعامل مع هذا التحول الكبير، في العالم العربي ما بين التوفيق بين مصالحها السياسية والاقتصادية، المرتبطة بأنظمة هذه الدول، وما بين ادعائها مناصرتها لقضايا التحول الديمقراطي و الحريات العامة، وامتد الامرإلى الدولة السورية، التي لم تكن بمعزل عن التحولات السياسية في المنطقة، ووقع النظام السوري في فخ نظامه الأمني، قبل وقوعه في حبائل السياسات الإقليمية والدولية في المنطقة.
&فهذا النظام الأمني، الذي لا يعرف طريقة لمواجهة أي شكل من أشكال المعارضة السلمية، ألا بالقوة والتنكيل والاعتقال، كان وقود لتصاعد الأزمة، والنتيجة كانت بعد مخاضات سياسية وميدانية لعدة شهور، ومواجهات تتسم بالعنف المفرط ،هو تحول الانتفاضة أو الثورة السورية سمها ما شئت، من المواجهة السلمية إلى العسكرة، ومع دخول أول لأجيء سوري إلى الحدود التركية، هربا من جحيم المواجهات بين النظام والمعارضات السورية، وليس المعارضة، بدأت العلاقات تتوتر بين دمشق وانقرة، وصولا التي تعليق الاتفاقات بين الجانبين، وتعليق العلاقات الدبلوماسية، وما تبع ذلك من تصعيد أعلامي، ومناوشات عسكرية أحيانا، بين الطرفين.
&ويبدو أن أردوغان وحزبه التقطوا رسالة ما، أن النظام السوري أصبحت أيامه معدودة، وبالتالي يجب نسج علاقات جديدة، مع قوى ما يسمى بالثورة السورية، القادمة إلى السلطة لا محالة، وهي الحسابات التي تبين، أنها خاطئة لاحقا، واستمر هذا النظام في مواجهة شعبه، من ناحية وفي مواجهة جماعات الإسلام السياسي، بمختلف فصائله وألوانه، التي زحفت زرافات، إلى اراضي الدولة السورية، متسلحة بعقيدتها الجهادية التكفيرية، في عين الوقت، ومدعومة من قوى دولية وإقليمية، في المقابل منها، قوى إقليمية ودولية دخلت الصراع لنصرة النظام السوري، كل منها له أسبابه ومصالحه.&
وحتى لا يتحول الأمر إلى سرد تاريخي، فخلاصة القول، أن أردوغان وحزبه من بداية الأزمة، اتخذوا الموقع والموقف المتوقع منهم، وهو تبني مواقف التيارالذي ينتمون إليه، وهو تيار الإسلام السياسي، ممثل بالإخوان المسلمين أولا، ويليهم التنظيمات الاسلاموية الجهادية، وان لم يكن بشكل معلن وواضح، ليس في الشأن السوري فقط ، ولكن في شأن كل الدول العربية، التي قام بها ما يطلق عليه ثورات، ولكن الميدان المفضل، لاردوغان كان الشأنين السوري والمصري، الأول بسبب الجغرافيا السياسة، وتأثيرها المباشر على الدولة التركية، وهو ليس السبب الوحيد طبعا، والثاني هو مركزية الدور المصري في العالم العربي، فمن يسيطر على دمشق والقاهرة، سوف يمتلك مفاتيح العالم العربي، وهو ايضا بوابة،لاي لجغرافيا سياسية جديدة محتملة في للمشرق العربي، وقد يكون مهد لتموضع أيدلوجي وواقعي جديد، لمشروع الوحدة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية، أو الاتحاد الإسلامي، أو الدولة الإسلامية المنتظرة أي إن كانت التسمية، لهذا المشروع الجديد، وهو حلم للأخوان المسلمين وحليفهم اردوغان.
&فهذا المشروع التي كانت مقدماته، وصول الأخوان المسلمين، إلى السلطة في مصر وتونس ونسبيا في ليبيا والمغرب، وسوريا في الطريق في حال سقط النظام السوري. لذلك تشير كثير من الأحداث والتقارير، إلى إن تركيا ومن بدايات الأزمة السورية، أصبحت حاضنة سياسية ولوجستية للاسلاموين، وخصوصا الإرهابين منهم القادمين للجهاد في سوريا، وتحديدا الراغبين بالالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية ( داعش )، هذا التنظيم الذي تؤكد العديد من الوقائع، انه يحظى بالاحتضان التركي له، بغض النظر عن التصريحات الإعلامية، لبعض السياسيين الأتراك بانهم جزء من التحالف الدولي، ضد الإرهاب، لان الواقع يكذب خطابهم السياسي، فدعم هذا التنظيم قد لا يتم بشكل معلن ومباشر، ولكن مؤشرات هذا الدعم والاحتضان واضحة، فأين يتم بيع براميل النفط المستخرجة من الأبار، التي سيطر عليها داعش، في العراق وسوريا، هل يوجد منفذ غير تركيا ورجال الأعمال الأتراك، وأين ذهبت مئات المصانع، التي تم تفكيكها في سوريا ولمن بيعت في تركيا؟، وهل تم ذلك في غفلة من الحكومة التركية؟، إضافة إلى صفقة أطلاق سراح الرهائن الأتراك، الذين احتجزهم التنظيم، والتي لم يعلن أي شيء يذكر، عن تفاصيلها ومنع الأكراد السوريين، من العودة لسوريا للدفاع عن ارضهم، خصوصا أبان معركة كوباني عين العرب، وشواهد لا تنتهي تؤكد هذا الاحتضان والدعم.
يبدو أن كل القوى ألإقليمية في المنطقة، لها أجندة خاصة، لإعادة تموضعها في الجغرافيا السياسية للعالم العربي، من أيران إلى تركيا إلى إسرائيل،و قد تختلف المصالح والأهداف، ولكن ما يوحدهم، انهم جميعا محتلون لأرض عربية، و يمتلكون أجندة خاصة بكل منهم، يرى من خلالها أنها الشكل الأقرب، لمصالحها خصوصا إذا ما تقاطعت مع المصالح الأمريكية، ولان الحديث عن الدولة التركية ورئيسها، الذي يحاول إن يتمثل ارث أسلافه من الخلفاء العثمانيين، فالظاهرإن مصالح الدولة التركية، قد أخطلت بأحلام اردوغان الشخصية، حتى اصبح الفصل بينهم غير متاح، مع إننا لا نستطيع، ولا يجب إنكار إن الدولة التركية، هي قوى إقليمية في المنطقة، لها مصالح سياسية واقتصادية في العالم العربي، تريد ان تحافظ عليها، ولكن عندما تنقلب المصالح المشروعة والمتبادلة بين الدول، إلى مشروع سياسي، مصطبغ بشخصية رئيس هذه الدولة، ويكون حلفائه في هذا المشروع، جماعات سياسية في دول اخرى، لها كيانها وسيادتها، والمقصود هنا هم الأخوان المسلمين، ومشروعهم السياسي، متعدد الأوجه ، الهادف إلى أقامة الدين والدولة الإسلامية، حسب فهمهم للإسلام، فقد وصلوا للسلطة، في غفلة من الزمن، بمصر وتونس وليبيا والمغرب، وسوريا في انتظار سقوط النظام للدخول في قافلة السلطة الإخوانية.
&وبدأ الحلف اردوغان – الأخوان، يصبح واقع ولكنه واقع مزيف، وفرحة عارمة، لم تدم اكثر من عام واحد، حتى كما قال القران الكريم، في أمثالهم ( وَلَمَّا سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ ) الأعراف: 149، إي عجزوا ندموا عن الأمر ، فقط فشلت تجربة الأخوان، وانقلبت الشعوب عليهم، قبل النخب السياسية، مما جعل الجنون السياسي، يطبق على اردوغان، فأحلامه ومشروعه، اصبح كالرماد، وفي المقابل كان المشروع الإيراني، يتجذر وينتشر اكثر واكثر، حتى وصل اليمن السعيد، فما كان منه، إلا إن ازداد أمعان بدعم، اسلاموي العالم العربي، من أخوان وسلفين جهادين، وفتح لهم كل أشكال الدعم، المالي و اللوجستي والإعلامي، لعله يبقي على جزء من خيوط اللعبة في يديه، حتى تكون جاهزة للمساومات و للتفاوض، مع دول المنطقة والسيد الأمريكي، وحتى لا تذهب أحلام العثمانيين الجدد أدارج الرياح، فالذاكرة العثمانية لا زالت تستحضر بشكل أو باخر تاريخها التليد ولكنها لا تنسى، خروجها المخزي، من ولاياتها العربية في الحجاز وسوريا والعراق.
&ومن يعتقد أن تركيا وبدافع الانتماء المذهبي السني، سوف تكون في مواجهة، ايران الشيعية ومشروعها السياسي في المنطقة ، عليه إن يصحو من أحلامه، حتى يرى حقيقة خرائط القوة في العالم، كما هي وليس كما يتمنى إن تكون، فالدول لا تقيم مصالحها، على اساس الدين والمذهب ، وتركيا ليست استثناء على ذلك ويجب التعامل معها على انها قوة اقليمية، لها مصالح ومطامع في المنطقة، قبل الدخول في تحالفات معها، سوف تكون لها اثمان كبيرة في المستقبل.&
&يبدو أنه قد حان الوقت، حتى يكون هناك مشروع عربي خالص، في مواجهة مشاريع الآخرين، ويكفي إن يتم استحضار التاريخ العثماني الأسود في المنطقة، حتى يتبخر مفعول معسول الكلام والشعارات الدينية.&
التعليقات