&

&هاشم عبدالعزيز


"العداء لمصر"، هذه العقدة التي باتت مستحكمة برجب طيب أردوغان، منذ أن كان رئيساً للوزراء، والمرض بات مستفحلاً وقد صار رئيساً لتركيا ولا يبدو أن لديه أي استعداد للشفاء منه .
لمجرد الإشارة، كانت أيام افتتاح الدورة الاعتيادية للأم المتحدة فاضحة لهذه الحالة من البلاء والابتلاء الأردوغاني والعداء لمصر؛ ففي الوقت الذي أتت مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي في هذه الدورة تجتذب إعلامياً وسياسياً الاهتمام للنجاح الذي وصفه المراقبون بالكبير والمميز، إذ حظيت لقاءاته بأعداد كبيرة من زعماء العالم نذكر منهم الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني والرئيس الأمريكي وغيرهم بحفاوة، ما كانت لتصير لو لم يكن الرئيس المصري وضع نصب عين اهتمامه إعادة الاعتبار لهذا البلد بتاريخه العريق ومكانته الرفيعة وإمكاناته الفاعلة في خدمة القضايا التي تهم عالمنا الدولي والإنساني في أمنه واستقراره وسلامه وازدهاره .


في هذا الوقت كان أردوغان ينكر على المصريين ثورة 30 يونيو باستفتائها على الدستور وانتخاباتها الرئاسية التي استعادت شرعيتها على قاعدة مصر لأبنائها لا دولة للإخوان المسلمين، والأهم من ذلك الزلزال الجماهيري الذي شهدته مصر بعشرات الملايين من أبنائها التواقين إلى استعادة الحرية والسيادة والكرامة وبناء مصر الجديدة والجديرة بحياة سعيدة للإنسان .


يعيد الكثير من المحللين والمراقبين حالة أردوغان تجاه مصر وثورة يونيو إلى ارتباطه الأيديولوجي بجماعة الإخوان المسلمين، ويذهب بعض من هؤلاء إلى اعتبار استمرار أردوغان بهذه الحالة العدائية إلى محاولته التكفير عن ذنبه بدفعهم إلى تسريع استحواذهم وسيطرتهم على مقدرات البلاد والعباد في عملية من السلب والإقصاء والخداع والتخلي عن الوعود التي أطلقوها في شأن حياة الناس وأوضاع البلاد .
في هذا الطرح الكثير من الصحة، غير أن لحالة أردوغان البائسة أسباباً أخرى لعل أبرزها سببان:


الأول: إن سقوط الإخوان المسلمين في مصر كان سقوطاً لمشروع أردوغان ملء الفراغ في المنطقة العربية، لأن الإخوان كانوا حصان طروادة الذي بنى عليه أردغان مشروعه، وهو على أي حال لا صلة له لا بالحرية ولا العدالة ولا الكرامة ولا حقوق الإنسان، لأن أردوغان في أقواله ال"مليحة" عن هذه القضايا كما سوقها في رحلته الاستعراضية من تونس وليبيا إلى مصر في عهد الإخوان يجسدها بأعمال نقيضة وقبيحة في تركيا .
من هنا يصير موقف أردوغان من مصر وثورة 30 يونيو انتقامياً، لأن مصر تستعيد مكانتها ودورها ولأن ثورة 30 يونيو غيرت ما كان أردوغان وحلفاؤه وأتباعه وضعوا عليه مشاريع استئثارهم بالأوضاع في المنطقة العربية بالارتباط بأطراف دولية، وبخاصة الأمريكان .


الثاني: الازدواج الذي يعانيه أردوغان، فهو يربط مستقبل العرب بعودتهم إلى كهوف الماضي العثماني الذي يتحدث عنه لا باعتراف بالجرائم ولكن باعتزاز، متجاهلاً أن الشعوب العربية التي وقفت تحت النير الاستعماري التركي نُكبت تاريخياً وأغلبها لم تخرج من ذلك الكهف حتى الآن .
قد يكون مفيداً لأردوغان الإشارة إلى أن السجل التاريخي للاستعمار التركي في المنطقة العربية حفل بما هو حالك ومظلم ومؤلم في آن، لقد كان هذا الوجود الاستعماري أقرب إلى وجود لصوص سرقوا كل شيء، بما في ذلك المخطوطات والآثار، وأفسدوا بنشر الرشوة والمحسوبية التي تعتبر "صناعة تركية" بامتياز، كما قمعوا الوطنيين الأحرار بوحشية ولاحقوا المثقفين، ويمثل عبدالرحمن الكواكبي الإدانة الدامغة لهذا النهج الوحشي؛ فقد طاردوه في بلده سوريا لأفكاره التحررية واتهموه بالخيانة العظمى لمطالبته باستقلال بلاده من الحكم والاستعمار العثماني ولاحقوه إلى القاهرة واغتالوه غدراً .
وإذ كان الأديب مصطفى لطفي المنفلوطي محقاً وصادقاً ودقيقاً في وصف ما كان سائداً في المنطقة العربية جراء حكم الأتراك حين خاطب الخديوي عام1897 بقوله وهو في طريقه إلى السجن:
فلما توليتم طغيتم وهكذا
إذا أصبح التركي وهو عميدُ
فكم سُفكت منا دماءٌ بريئةٌ
وكم ضمنت تلك الدماءُ لحودُ


كان وزير الخارجية المصرية موفقاً تماماً في وصف ما هو قائم في حال أردوغان عندما قال: "إننا نعمل في أوضاع تقتضي أن نتعامل بمستوى راقٍ يتناسب مع قيمة وحجم مصر فالكبير لا ينزل إلى هذا المستوى ومصر قدرها عال" .