عبد الحميد الأنصاري

أحسنت دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين باستنكارهما ما جاء على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في استغلاله منصة الأمم المتحدة للتهجم المرفوض على الشرعية المصرية، باعتباره «تدخلا سافراً في الشؤون الداخلية لجمهورية مصر العربية، واستفزازاً للمشاعر العربية»، لذلك فقد دعت وزارة الخارجية بدولة الإمارات العربية المتحدة الرئيسَ التركي للتوقف عن الإساءة إلى الحكومة والشعب المصريين.


يحار المرء في معرفة الدوافع الحقيقية الكامنة وراء سلسلة التهجمات الشخصية التي دأب عليها الرئيس التركي، على شخص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والحكومة المصرية بعد زوال حكم «الإخوان» بقيام ثورة 30 يونيو 2013. لقد كانت العلاقات بين أنقرة والقاهرة قوية، ووصلت إلى حد الاندماج بوصول الرئيس المصري السابق محمد مرسي إلى السلطة (يونيو 2012) ووصلت المساعدات التركية لمصر إلى ملياري دولار، وحضر مرسي في سابقة هي الأولى من نوعها، كما يقول الكاتب المصري كرم سعيد - المؤتمر العام لحزب «العدالة والتنمية» التركي في 30 سبتمبر 2013. وفي المقابل كانت القاهرة محطة رئيسية لأردوغان واستقبله مرسي بحفاوة بالغة، وألقى خطاباً في جامعة القاهرة - تقليداً للرئيس أوباما- وسط قيادات جماعة «الإخوان» وأنصارها، حث فيه «الإخوان» على كتابة دستور لمصر يقتدى به «حتى نحتذي به في تركيا»! إلى هذه الدرجة كانت العلاقات اندماجية بين أنقرة وتركيا في عهد «الإخوان»، فما الذي جعل أردوغان ينقلب على عقبيه ويتغير 180 درجة ولا يترك مناسبة دون أن يغتنمها في التهجم الشخصي على الحكومة المصرية الحالية؟!

المحللون والراصدون يختلفون في تفسير مواقف ودوافع أردوغان على تفسيرات عدة، أبرزها:

1- أن هناك من المحللين من يربط هذا الهجوم بالأوضاع الداخلية التركية، ويرى فيه تعبيراً عن مخاوف أردوغان من تكرار النموذج المصري في بلاده، وبخاصة أن العلاقات المدنية العسكرية التركية تشهد توتراً مستمراً، خصوصاً بعد محاكمات قضائية لقادة عسكريين كبار، لكن هذا التفسير قد يكون مقبولا، عندما كان أردوغان رئيساً للوزراء، قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية، وقبل أن يتمكن من تعديل المادة (35) من قانون المؤسسة العسكرية لعام 1960 والتي كانت تنص على أن «وظيفة القوات المسلحة التركية هي حماية الوطن التركي ومبادئ الجمهورية التركية كما هي محددة في الدستور»، لتصبح في النص الدستوري الجديد: «مهمة القوات المسلحة تتمثل في الدفاع عن الوطن والجمهورية التركية تجاه التهديدات والأخطار الخارجية»، وهو نص وافق عليه البرلمان في 13 يوليو 2013، حيث تم حذف عبارة «مبادئ الجمهورية التركية» الذي قد يستغله الجيش لتبرير انقلابه على حكم جماعة أردوغان. أما بعد أن أصبح أردوغان رئيساً لتركيا، وتم تغيير المادة التي يخشى منها هو وحزبه، فما مبرر مخاوفه من انقلاب عسكري في تركيا، رغم اختلاف ظروف تركيا عن مصر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً؟!

2- هناك تفسير ثان يربط الهجوم الأردوغاني على مصر بالأوضاع الخارجية، وبمشروع التوسع التركي الذي صاغ أسسه أحمد داوود أوغلو، صاحب نظرية «العمق الاستراتيجي»، والذي أصبح رئيساً للوزراء اليوم. يقوم هذا المشروع على أن قدر تركيا هو أن تتولى قيادة العالم الإسلامي، عبر «الحزام الإخواني» الذي أفرزه «الربيع العربي» ووجدت فيه القيادة التركية فرصتها التاريخية السانحة، من أجل تحقيق «المشروع التركي، إلا أن ثورة 30 يونيو المصرية، أجهضت هذا المشروع، ووجهت ضربة قاضية للسياسة الخارجية التركية وإلى نظرية «العمق الاستراتيجي»، وهذا ما يجعل أردوغان يفقد أعصابه كلّما تحدث عن مصر الجديدة التي أجهضت أحلامه، وهي اليوم تقف حجر عثرة في وجه نزوات تركيا التوسعية وتحجِّم من دورها في شؤون المنطقة العربية.

3- هناك تفسير ثالث، يرى في الموقف الأردوغاني من مصر «عقدة نفسية» أكثر منه موقفاً سياسياً. يقول رئيس تحرير جريدة «الشرق الأوسط»، سلمان الدوسري: لو افترضنا جدلاً أن «المبادئ الديمقراطية» هي المحرك الرئيس للسياسة الأردوغانية، فهل يريد أن يقنعنا بأن الديمقراطية التركية أعرق من كل الديمقراطيات الغربية التي لم تفعل -حتى وهي تختلف مع مصر- 10 في المئة مما قامت وتقوم به أنقرة؟!

من حق تركيا رفض السياسة المصرية، لكن ليس من حقها -أخلاقاً وبروتوكولا- مهاجمتها بهذه الطريقة التي لا تناسب دولة تصف نفسها بـ«الديمقراطية». لذلك فقد ردت الخارجية المصرية موضحة أن «أردوغان ليس في وضع يسمح له بإعطاء الدروس للغير بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا أن ينصب نفسه وصياً عليها، وهو -بممارساته وسجله الداخلي- بعيد كل البعد عن الديمقراطية، من خلال فرضه القيود على حرية الرأي والتعبير والتجمع واستخدام القوة المفرطة في التعامل مع النشطاء والمتظاهرين، ووصل به الأمر إلى إغلاق موقعي تويتر ويوتيوب والملاحقة القضائية والأحكام المتعددة ضد الكتاب والصحفيين والتدخل في أعمال القضاء، فضلا عن أنه يسعى اليوم لتغيير النظام السياسي للدولة حتى يستمر في السلطة لعشرة أعوام قادمة».

ختاماً: لقد أحسن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عندما قال: «لا نرد على الإساءة بالإساءة»، كما أحسنت مصر عندما قالت: «لن نتخذ قرارات انفعالية مع أنقرة ضد مصالحنا»، فالشعبان العربي والتركي يتمنيان تجاوز هذه الخلافات إلى ما يدعم المصالح المشتركة بين الدولتين.
&