&
&
&نصر محمد عارف
&
&
&
&
فور تأسيس حزب العدالة والتنمية عام 1998، زار رجب طيب أردوغان وقيادات حزبه العاصمة الأمريكية واشنطن، وفي إحدى الليالي تناولوا العشاء في منزل رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي الدكتور طه جابر العلواني، وأستاذتي المرحومة الدكتورة منى أبوالفضل، وحضر حينها أشهر أستاذ للدراسات الإسلامية في الغرب الدكتور سيد حسن نصر، الإيراني الأصل، والعالم الموسوعي الذي يجله ويقدره جميع من يعمل في حقل دراسات الشرق الأوسط، والعلوم الإسلامية.
وقد كان غاضبا على أردوغان وحزبه، وعلى الطبقة السياسية التركية، ووجه عبارة صاعقة لأردوغان، قائلا: إنكم كحزب ذي مرجعية إسلامية عليكم أن تختاروا، إما أن تكونوا ذيلا لأوروبا، أو رأسا للعالم الإسلامي، وبعدها قابلت الدكتور أحمد داود أوغلو في عمان، وقضينا يوما في قرية الحصن، في منزل الدكتور محمود رشدان بصحبة الدكتور فتحي ملكاوي، وقالها أوغلو بصراحة إننا أخترنا أن نكون رأسا للعالم الإسلامي، وبعدها عرفت من الدكتور أحمد داود أغلو، عن طريق صديق مشترك، أن أردوغان وحزبه، عقدوا العزم على أن تعود الخلافة العثمانية في 2024، أي بعد مرو قرن من الغائها، وبصورة حديثة تناسب العصر.
تركيا أيها السادة، يا غربان الفضائيات المصرية، يا أنصاف العلماء من الخبراء والمحللين، الذين احترفوا المتاجرة بالمعلومات الناقصة، بعد تطعيمها ببهارات من البذاءات، والردح، تركيا تحكمها نخبة من العلماء، والمفكرين، والمثقفين، يعود الدور الأكبر في تشكيلها إلى الدكتور أحمد داود أغلو رئيس الوزراء الحالي، وأستاذ العلوم السياسية، الذي أسس من ربع قرن أكاديمية فكرية، يلتحق بها نوابغ الجامعات من كل التخصصات، يدرسون فيها العلوم التي تشكل العقل، والفكر، والوجدان بغض النظر عن تخصصاتهم العلمية سواء أكانت طبا أم شريعة، يدرسون تاريخ الفكر والفلسفة، وتاريخ الحضارات، ونظريات المعرفة، والفنون، والآداب العالمية، وقد تخرجت فيها العقول التي تدير تركيا حاليا، بعد أن أنهوا دراسات الدكتوراه في أعظم الجامعات الغربية، وأذكر منهم الدكتور إبراهيم كالن مستشار رئيس الوزراء الذي كان يعيش حياة التقشف في واشنطن، وبمجرد أن أنهى الدكتوراه عاد ليشارك في بناء تركيا، أما نحن في مصر فهذه المواقع محجوزة للمخبرين، للمباحث، وليس للباحث، ولكم حلمت أن أكرر تجربة أوغلو في مصر…ولكن ماذا يفعل فرد لا ينتمي إلى أي جماعة؟
رحلة أردوغان من موقع الذيل إلى مقام الرأس شيقة، ومبهرة، وتدل على أن هناك جهازاً فكرياً ضخماً يقف وراء حزب العدالة والتنمية، لذلك لا ينبغي أن تتعامل معه مصر من خلال بلهاء في بعض الفضائيات، أبناء الحوض المرصود من المخبرين، وتجار شارع عبد العزيز، استطاع حزب العدالة والتنمية أن يستخدم موقع الذيل حتى يصل إلى طموح الرأس…ولكن كيف؟، في خلال السنوات العشر الأولى من حكم الحزب كانت أجندته السياسية الأساسية هي إكمال ملف الانضمام للاتحاد الأوروبي، وتحقيق شروط الاتحاد الأوروبي، وتغيير القوانين، والسياسات، والهياكل الحكومية لكي تستجيب لمتطلبات الاتحاد الأوروبي، والخضوع التام لمتطلبات العضوية في حلف شمال الأطلسي… والبراعة هنا أنه وظف كل ذلك، واستخدم كل ذلك لترتيب البيت التركي ليكون خالصا لحزب العدالة والتنمية، وليتخلص من خصومه من العلمانيين والكماليين، فمن خلال متطلبات الاتحاد الأوروبي تم التخلص، وبعمليات جراحية متتالية، من النخبة التركية العلمانية، التي ظلت لثلاثة أرباع القرن تحرس تراث مصطفى كمال أتاتورك العلماني، وتنقض على أي محاولة لإعادة الروح الإسلامية لتركيا، فتم التخلص من القيادات العسكرية الكمالية، ومن القيادات القضائية، ومن النخبة السياسية، كل ذلك تم تحت مظلة الاستجابة لشروط والانضمام للاتحاد الأوروبي، وبمشروعية هذا الطموح الذي هو حلم كل تركي.
وما أن انتهى حزب العدالة والتنمية من ترتيب البيت التركي، وتأمين جبهته الداخلية، حتى بدأ يؤسس لعودة الخلافة العثمانية في ثوب جديد، وصورة حديثة، وتتويج رجب طيب أردوغان رأسا للعالم الإسلامي بغض النظر عن المسمى الذي سوف يحمله، وكانت البداية 2008 بإعادة افتتاح التكية العثمانية في غزة لتقدم وجبات ساخنة للمحتاجين، ثم بدأت اتفاقيات فتح الحدود مع سوريا بشار الأسد، ومع الأردن، وأصبحت هناك حريةً لانتقال الأشخاص والبضائع بدون أى إجراءات، وبدون تأشيرة دخول، ثم بدأت مدارس فتح الله كولن تنتشر في مختلف أنحاء العالم العربي، وبدأت الدراما التركية تقلد هوليوود، وتصنع صورة التركي الحلم، في الحب، في الجمال، في القوة، في العنف، في التآمر، لخلق حالة الاستعداد النفسي للقبول بالتركي السيد على المستوى السياسي…كان التخطيط هادئا، والتحرك رصينا، بعيد المدى، يمهد الأرض للدخول طوعا في عصمة السيد العثماني من جديد، وبكامل الحرية، والاختيار.
ثم انفجرت الثورات العربية في وجه أنظمة الحكم الفاشلة، ووجد الأتراك ضالتهم، وجاءتهم الفرصة راقصة، مدندنة، خصوصا أن من قطف ثمار هذه الثورات هي جماعتهم الأم، جماعة الإخوان، فانتقل التخطيط لعودة الخلافة العثمانية من المستوى الحضاري، الثقافي، الاجتماعي الهادئ، والخفي؛ إلى المستوى السياسي العملي الظاهر، وتسارعت الخطى، وانفجر الطموح، واقترب الحلم من أن تمسك به يد الحالم، وهنا برزت درة التاج العثماني، ومصدر خيراته، أم الدنيا مصر، بلد الأزهر والعلماء والمرجعية، التي منها أخذ سليم الأول 1517 المهندسين، والمعماريين، والفنانين الذي بنوا الأستانة، مصر التي إذا ما دخلت ضمن حريم السلطان لن يبقى في العرب بعدها جارية واحدة، وكان الاخوان وقتها في كامل الزينة للدخول في الحرملك، ضمن حريم السلطان القادم.
وهنا ظهر الزيني بركات في صورة الرئيس الأسبق محمد مرسي، وقام بكل ما يحقق حلم أردوغان، بدأ هو وجماعته التسويق لإلغاء الحدود الاستعمارية مع فلسطين، ومع السودان، وتخلى عن الأمن القومي المصري الذي يبدأ من جبال طوروس، وسلم سوريا للعصابات المدعومة من تركيا، أو التي حولت سوريا إلى عراق جديد بسبب غباء، واستبداد، وإجرام نظام البعث الفاشل، وقام مرسي بكل ما قام به الزيني بركات في تسليم كل قوة مصر للسلطان أردوغان، نفس الصورة التي رسمها الكاتب المبدع جمال الغيطاني،ولكن سقط مرسي قبل أن يسلم ذهب مصر للسلطان، واستيقظ أردوغان من الحلم، وضاع الطموح وتبخر…فهام في الأمم المتحدة يهذي.
&
التعليقات