أحدث التدفق غير المسبوق لأعداد كبيرة من اللاجئين العرب غير الشرعيين واغلبهم من السوريين الى الدول الاوروبية نوعا من القلق لدى بعض هذه الدول، وخصوصا دول أوروبا الشرقية، التي رفضت استقبالهم وارغمتهم، بطريقة غير انسانية، على المغادرة الى دول أوروبية اخرى كالمانيا والنمسا والسويد.

وفي بادرة انسانية غير مسبوقة للتعاطف مع هؤلاء اللاجئين، دعا البابا "فرنسيس" كل رعية كاثوليكية في اوروبا الى استقبال عائلة من اللاجئين، مشيرا الى انه سيبدأ برعيتي الفاتيكان. واعلن البابا خلال قداس الاحد في ساحة القديس بطرس في روما، انه في "بادرة ملموسة" في اطار التحضير ليوبيل الرحمة الذي يبدأ في ديسمبر، على كل رعية، وكل جماعة دينية، وكل دير، وكل مكان مقدس في اوروبا ان يستقبل عائلة من اللاجئين. واضاف البابا انه في مواجهة مأساة عشرات الآلاف من طالبي اللجوء الهاربين من الموت، وضحايا الحرب والجوع، والذين هم على الطريق بحثا عن رجاء في الحياة، فإن الانجيل ينادينا ويطلب منا ان نكون اقرباء للصغار والمتروكين، ومنحهم رجاء ملموسا.

دعوة البابا شجعت المستشارة الالمانية "أنغيلا ميركل" على قبول حوالي 20 الف لاجئ الاسبوع الماضي، جاء اغلبهم من سوريا. ومن المتوقع ان تستقبل المانيا خلال هذا العام (2015) حوالي 800 الف مرشح للهجرة، وهو رقم قياسي في اوروبا. وقد خصصت الحكومة الالمانية مبلغ 6 مليارات يورو لتولي شؤون اللاجئين الذين يتدفقون اليها بأعداد كبيرة، وقد يرتفع هذا المبلغ الى 10 مليارات يورو. وقالت "ميركل" للصحافة: "ان ما نعيشه هو امر سيشغلنا في السنوات القادمة وسيغير بلادنا، ونريد ان يكون هذا التغيير ايجابيا، ونعتقد ان بوسعنا تحقيق ذلك". واضافت قائلة: "اصبحت المانيا بلدا يربطه الناس بالامل وهذا امر ثمين جدت اذا نظرنا الى تاريخنا".&

دعوة البابا، واستجابة المستشارة الالمانية لها، احرجت الدول الاوروبية التي كانت رافضة او مترددة في استقبال اللاجئين، واجبرتها على تغيير مواقفها. وعلى اثرها اقر البرلمان الاوروبي يوم الخميس الماضي الاجراءات العاجلة التي اقترحها رئيس المفوضية الاوروبية "جان كلود يونكر" لتحسين توزيع استقبال اللاجئين على الدول الاعضاء، واقتراحه انشاء آلية توزيع دائمة وملزمة للتعامل مع حالات الطوارئ في المستقبل. ودعا النواب ايضا الى عقد مؤتمر دولي يجمع الاتحاد الاوروبي، والامم المتحدة، والولايات المتحدة، ودولا عربية في محاولة لانهاء اخطر ازمة تواجهها اوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. كما صوت النواب لصالح اقتراح "يونكر" باستقبال 160 الف طلب لجوء سيتم نقلهم من اليونان والمجر وايطاليا.&

كما اضطرت الادارة الامريكية التي تتهم بانها لا تبذل جهدا كافيا لمساعدة السوريين من الحرب الطاحنة في بلادهم، لقبول 10 الآف لاجئ سوري خلال العام المالي المقبل الذي يبدأ في الاول من اكتوبر.

يرى بعض الخبراء ان التدفق غير المسبوق لاعداد كبيرة من اللاجئين الى المانيا سيحدث تغيرات اقتصادية وديموغرافية هائلة في بلد نسبة المسنين فيه تزداد، وقد يساهم التدفق الحالي للاجئين اقله جزئيا في معالجة التراجع الديموغرافي، ويحمي نظام التقاعد من صعوبات قد تواجهه في المستقبل نتيجة تزايد عدد السكان. ومساهمة اللاجئين ستكون اساسية في سوق العمل لاول اقتصاد في اوروبا الذي يفتقر الى اليد العاملة الشابة. يقول "اوركان كوسمين" الاخصائي في شؤون الهجرة: "ان الاندماج في المانيا نجح دائما في سوق العمل".

اصبح العالم العربي يصدر اللاجئين الى الدول الغربية، فالبعض يهاجرون من اوطانهم هربا من جحيم الحروب الاهلية التي تأكل الاخضر واليابس، وتقتل البشر وتدمر الحجر. والبعض الاخر يهاجرون هربا من القمع السياسي والاجتماعي، وآخرون يهاجرون لتوفير لقمة العيش والحياة الكريمة لهم ولعيالهم.

ربما نقرأ بعد عقد او عقدين من الزمن عن علماء ومبتكرين ورجال اعمال عرب او من اصول عربية، سواء في المانيا او غيرها من الدول الاوروبية التي استقبلتهم، يتحدثون لأولادهم عن رحلة الموت التي خاضوها مع آبائهم وامهاتهم واخوانهم واخواتهم، ورحيلهم من بلد الى بلد هربا من الموت، وبحثا عن حياة كريمة ضنت بها بلدانهم الاصلية عليهم.

الوطن العربي المكون من 22 دولة، ومساحة جغرافية تقدر بحوالي 14 مليون كيلو متر مربع، ضاق ذرعا بمواطنيه، الذين ولدوا وترعرعوا على ارضه، والذي من المفروض ان يشاركوا في بناءه وتطويره ورقيه، يعمل على طردهم قسرا، لتستقبلهم المانيا وغيرها من الدول الغربية بهدف تأهيلهم ليشاركوا لاحقا في بناء مستقبل هذه الدول. تصرف عجيب وغريب يعجز العقل البشري السليم عن فهمه او تفسيره.

ختاما: شكرا قداسة البابا، شكرا سيدة أنغيلا ميركل.&

&