بداية لم تكن هناك أية ثورة في سورية، لا شعبية و لا جماهيرية و لا عسكرية، إنما كانت هناك بداية تظاهرات شعبية، بداية احتجاجات جماهيرية مسالمة، ثورة أخلاقية إنسانية ضد الظلم و العبودية، و 15/آذار/2011 سَ يبقى التاريخ الحقيقي المشرّف لِ الشعب السوري، أمّا هذا الحريق الرهيب الذي يلتهم سوريا و المنطقة بِ رمّتها، فَ هو بِالضبط الثورة المضادة. اعتقد بِأن ثورتكم هذه كانت على النظام و ليس على الشعب السوري، إننا نحن الشعب السوري الذي يحكمه هذا النظام، كنا مع تغييره، و ليس مع تغيير الدولة السورية.عندما كنا نناضل ضد هذا النظام، كنتم أنتم ترضعون الحليب من أثدائه، و كنتم غارقين تماما في مستنقع الفساد الشامل و العمالة القذرة لِ نفس هذا النظام الذي كان كابوسا على صدورنا نحن و ليس على صدوركم أنتم، أمّا و أنكم أتيتم بِ بعض الوجوه الوطنية الذين لم يتلوثوا بِ مغريات النظام كي تلمّعوا صورتكم و تبعدوا شبهات العمالة، و هذه المرة لِ الخارج، عن مجلسكم، إئتلافكم، فريقكم جوقتكم، اعلموا جيدا بِأن هذه الحركة لم و لن تشفع لكم، و في الوقت نفسه أساءت لِتاريخ هؤلاء من حيث قراءتهم لِ السياسة العالمية.
انكم كما كنتم تدلّسون، تنتهزون، تتملّقون، تتلوّنون و تدبكون في مسيرات و مهرجانات البعث و ثورته الغرّاء، الآن أيضا رجعتم إلى أصلكم، إذْ أنكم غدرتم بِ هؤلاء الأنقياء الحالمين الأوفياء لِمبادئهم الذين حملوا أرواحهم على أكفّهم و أكتافهم و خرجوا إلى الساحات و قالوا لِلنظام الأمني المرعب في عينه " إرحل ".
في هذا الوقت بِالذات كنتم أنتم تسيرون في ظلالهم و تتحينون الفرصة لِلانقضاض على ثمرة ما يزرعونه. لقد سرقتم أنشودة الحرية التي صدحت حناجرهم الطاهرة بها في ساحات و شوارع سوريا الأم. لم يكونوا ثوارا إنما كانوا أبناء المجتمع المدني، لم يكونوا ثوارا بل كانوا محتجين على الظلم و الاستبداد و العبودية، كانوا طلاب حرية و كرامة و لم يكونوا طلاب الحكم و كرسيّ الرئاسة. كنتم شركاء النظام في اللعبة القذرة التي من خلالها حوّلتم النشيد الكوني السلمي إلى هيعات، تكبيرات، صراخ، عواء و زئير، كما كان يريدها النظام و كما خططت القوى العالمية لِإشعال هذا الحريق الرهيب لا لِتغيير النظام بل لِتدمير البلاد. إن هذا السيناريو كان جاهزا ومستوفيا جميع الشروط القانونية المالية الفنية و الأمنية، و كانت امضاءات رؤساء الدوائر المعنية مثبتة على غلاف المجلد و الصفحة الأخيرة من النص الكامل الذي تم حفظه في القسم الأمني من هوليود.
أمّا النص الذي تم توزيعه على المؤدين من العربان و الأكراد و التركمان و الآشوريين و الأمازيغ و البربر، لم يكن النص الأصلي، و إنما نصّ ينسجم مع ثقافاتهم و أهدافهم و أخلاقهم و عقائدهم. يمكن اعتبار بداية الثمانينات من القرن المنصرم تاريخا لِ كتابة هذا السيناريو، وكانت بداية الأكشن في الحرب الطويلة الأمد بين صدّام و الخميني، هذين الممثلين البارعَين اللذَين أدهشا المخرج و الطاقم الفني بِ أدائهما الرائع، فَكل منهما كان القدوة و البطل و القائد و المثل الأعلى لِ الكومبارس الذي يتبعه، و من تلك اللقطة راح الفيلم الأمريكي يعمل بِ نجاح، و راح كاتب النص يحلم بِ جائزة نوبل لِ السلام. أمّا أبطال الجزء الأول من الفيلم أو المسلسل الأمريكي، فَقد انتقل كل واحد إلى المشهد التالي، فَ القائد صدّام اتبع الهدى و الرسول و قام بِ غزو الكويت، أمّا قائد الثورة الإسلامية آية الله روح الله شريك الله الخميني فَ قد كان يتفقد عناصر المشهد مع أبناء العمومة أحفاد بني النضير و قينقاع تحت قبة الصخرة فوق هيكل سليمان المعظّم، وكان يتبادل معهم أطراف الحديث حول الحدود و الخرائط الجديدة التي سَ تجلبها الجيوش الأمريكية القادمة إلى مسرح التمثيل، فَالجانب الفارسي متأكد من أنّ التغييرات التي أُدْخِلَت على حدود الشرق الأوسط لا و لن تطال بلاد فارس سلبا، و إنما قد يُعاد جزء من الاعتبار لِ كورش و قمبيز، و ربما يكون ذلك عرفانا بِ الجميل ليس إلاّ، أمّا المغوار البدوي فّ قد ابتلع الطعم لِ النهاية و راح يعيد التاريخ المنفوخ و يسرد حكايات الرمال من مسلسلات القادسية، الحواسم، البواتر، و الماجدات... إلى أن وجد نفسه بين يدي الجندي الأميركي و هو يسحبه من الجحر، و وجد نفسه أمام هؤلاء الذين أتى بهم الأميركان بعد توقيعهم على المخططات و الخرائط في أقبية البنتاغون و ال سي أي إي، و التي حمّلتهم أمريكا تلك الوثائق و المصنفات الممهورة بِ تواقيعهم المخزية و المذلّة و هم يدخلون المنطقة الخضراء تحت حماية المارينز.
لِيرحمك الله يا أيها البدوي البطل، يا حفيد آشور بنيبال، إنك قهرت الموت لأنك واجهته بِ وجهك و دونما قناع، إن التاريخ سَ يذكرك دائما لِ سببين، أوّلهما لِ أنهم سحبوك من الجحر و لِأنك شاركتَ في تدمير بلدك العراق، و ثانيهما لِ أنّك لم تهاب الموت عند حبل المشنقة. نم قرير العين يا صدّام، فَ حلقات المسلسل الأمريكي لا زالت تُنفّذ في الشرق الأوسط القديم، و زملاؤك يغادرون قصورهم إمّا إلى حيث غادرتَ أنت، أو إلى المنافي و السجون، و المسلسل لن ينتهي إلاّ مع اكتمال شكل هذا الشرق الأوسط الجديد، و لِأجل ذلك كان لا بدّ من الإسراع بِالتضحية بِالأبطال الثانويين، و تمهيد التربة المحيطة بِ الجغرافية المقدسة، و تحديد موعد افتتاح الحفل الكبير و إزاحة الستار عن أورشليم التي تهبط رويدا رويدا من السماء. إن الفيلم الأمريكي يسير بِ اتجاه الحبكة و التي تشمل الممثلين الرئيسيين و دولهم المرشحة لِ الانفجار المدوّي تمهيدا لِ قصّ الشريط الملون و الاعلان عن ولادة دولٍ جديدة فتية. فَهناك تتمات دول في الدولة التي كانت تسمى تركيا قبيل قص الشريط، و أيضا كيانات و مشيخات و إمارات قبيل قص الشريط، و دولة جديدة في الأردن بعد قصّ الشريط الملوّن، ربما تحت مسمّى فلاردون أو أُردفلاس، أو أيّ اسم ينسجم مع روح" الشرق الأوسط الجديد "، و طبعا سَ تكون دولة اسرائيل هي المحتفى بها وسط الجيران الجدد من الدول الشابة الصديقة الحليفة لها. و هنا أتمنى على الثوّار الذين يقضون عطلتهم الصيفية على شواطئ اللواء السليب في الدولة التي سلبتها من وطنهم الأم، أن يقدّموا لنا برنامج ثورتهم المضادة مبينين فيه طبيعة النظام و حدود البلاد و الدويلات التي سَ تنشأ فيها /لا قدّر الله/.
التعليقات