لم تكن علاقة السعودية بواشنطن خلال ستين عاماً، أكثر حاجة للمراجعة والتقييم من الوقت الراهن، بعد الشكل المستجد من العلاقات الأميركية الإيرانية، حيث تُبدي الرياض مآخذ كثيرة على المواقف الأميركية خلال السنوات الأخيرة، وهي تذهب إلى قمة كامب ديفيد مع الرئيس أوباما، تحمل كثيراً من الملفات المحتاجة للمراجعة وحسم أمرها، فيما تستعد واشنطن من جانبها لطرح العديد من الأسئلة المُحرجة على السعوديين والقيادات الخليجية، فالأميركيون لم ينسوا بعد هجمات أيلول في نيو يورك، التي نفذها عرب معظمهم سعوديون، ولو أنهم تجاوزوها لصالح العلاقات مع الدول الخليجية، كما أن واشنطن بحاجة لمعرفة الإجراءات المتخذة خليجياً لوقف تمويل الجماعات الإرهابية، وتشجيع بعض الشباب على الانخراط في القتال مع هذه الجماعات.
لايعني ذلك أن الادارة الأميركية تُعد لمرحلة جفاء، بقدر ما هي معنية بتقديم العديد من القرارات المرضية لشركائها الخليجيين، وتحضيراً للقمة اجتمع وزراء خارجية "التعاون" مع نظيرهم الأميركي لتأكيد مطلبهم بامتلاك تفوق نوعي في السلاح يحميهم من إيران، وأن تكون سوريا حاضرة في كامب ديفيد، فيما يجري الحديث عن صيغة دفاعية غير مسبوقة، لطمأنة دول مجلس التعاون إلى استمرار الالتزام الأميركي بأمنها، ودعم القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل مواجهة التطرف، وإبقاء خطوط التواصل البحري مفتوحة وحماية أراضيها، وقد يترافق ذلك مع التزامات أمنية متطورة، ومبيعات أسلحة جديدة، ومناورات عسكرية مشتركة، فيما تحث واشنطن دول الخليج على تحقيق التكامل بين جيوشها المتباينة، وإقامة درع مضادة للصواريخ، لمواجهة خطر الصواريخ البالستية الإيرانية، فيما تواصل قوات البحرية الأميركية عمليات الأمن داخل مضيق هرمز وفي محيطه.
أتت استضافة الرئيس الفرنسي في القمة الخليجية التشاورية، كرسالة لواشنطن بقدرة دول مجلس التعاون على تنويع خياراتها، وبناء تحالفات جديدة مع دول تتفق معها في تقدير خطورة ما تقوم به إيران في سوريا واليمن ولبنان، وأولاند هو أول مسؤول غربي يحظي بذلك، واعتبر ذلك فرصة لتأكيد أن بلاده تسعى إلى التوصل إلى حل انتقالي في سوريا يستثني بشار الأسد، وينبغي لهذا الحل أن يضم كل مكونات المعارضة وبعض مكونات النظام، وأنها تساهم في التحالف في العراق لضرب أوكار الإرهابيين، والتشديد بأن مواقف فرنسا الثابتة هي عدم التخلي عن حلفائها، في ظل ما يقال عن ميل أميركي إلى الجانب الإيراني في الموضوع السوري، ما يدفع للاعتقاد بأن مشاركة أولاند في أعمال القمة يأتي من قبيل الاستقواء بالجانب الفرنسي، لأن لباريس رؤية في المنطقة مغايرة لرؤية واشنطن ويمكن التعويل عليها.
عشية قمة كامب ديفيد، حرص القادة الخليجيون على إعلان موقف واضح إزاء بناء علاقات متوازنة مع إيران، تسهم في تعزيز أمن المنطقة واستقرارها، وتطلعهم إلى تأسيس علاقات طبيعية معها، قوامها احترام أسس ومبادئ حسن الجوار وسيادة الدول، واتخاذ خطوات جادة لإعادة بناء الثقة، والتمسك بمبادئ القانون الدولي والأمم المتحدة التي تقوم على حسن الجوار وتمنع التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها، وعبروا عن أملهم في أن يؤدي الاتفاق بين إيران والدول الغربية إلى اتفاق نهائي شامل يضمن سلمية البرنامج النووي الإيراني، وتطلعهم إلى أن يسهم الاتفاق في حل جميع القضايا العالقة مع طهران، وأهمها ملف الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة.
ثمة من يتحدث عن مواجهة خليجية مع أوباما في كامب ديفيد، وهي تطالبه بمواقف حول الملفات الساخنة، وهي في الأساس مصلحة استراتيجية أميركية قبل أن تكون مصلحة خليجية، وتطلب من واشنطن تأكيداً واضحاً وصريحاً وعملياً، بأنها لن تسمح لإيران الساعية لتوسّع إقليمي بتطوير سلاحها النووي، أو يخفف الضغط السياسي والاقتصادي عنها، ومنحها مجالاً أكبر لدعم أطراف عربية تعمل لها بالوكالة في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، وثمة من يقول إن الإدارة الأميركية تدرس مجموعة من الخيارات العملية لطمأنة الحلفاء (أمنياً) ضد أي تهديد إيراني محتمل، بدءاً من البعثات التدريبية المشتركة للجيوش الأميركية والعربية، وتصعيد مبيعات الأسلحة وصولاً إلى توقيع معاهدة دفاع مشترك، أو تكرار سيناريو معاهدة التعاون الدفاعي مع اليابان، التي وقعت بعد الحرب العالمية الثانية، وتلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن اليابان إذا تعرضت لعدوان خارجي، ولكن ليس بالتدخل في الشؤون الداخلية إذا ما تعرضت لأية أعمال عسكرية من جانب معارضيها.
أزمة الثقة بين واشنطن وحلفائها الخليجيين غير مسبوقة، وهي الأكثر تعقيداً علي مستوي العلاقات الأمنية والإستراتيجية بين الطرفين، وهي نابعة من ظروف إقليمية معقدة وتغييرات سياسية وسيادية أكثر تعقيداً، وقد أشاعت جواً بإمكانية مبادلة تطلعات إيران الإقليمية، بغض للبصر عن تطلعاتها تجاه الخليج مقابل تخليها عن عن دعم ومساند النظام السوري، ولا يغير ذلك اتصال أوباما هاتفياً بالعاهل السعودي، مؤكداً عدم تأثير الإتفاق على علاقات أميركا الإستراتيجية والتاريخية مع حلفائها في الخليج، غير أن البعض يؤكد أن قمة كامب ديفيد تستهدف بيع دول الخليج مزيداً من الأسلحة الأمريكية، وزيادة التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة, بالتزامن مع توصيتها بمزيد من الإصلاحات السياسية والإجتماعية، والتعاون لفض الإشتباكات المشتعلة داخل الإقليم، وكما كان للاتفاق مع إيران نتائج مدوية، سيكون لقمة كامب ديفيد التي تجمع أوباما بالقادة الخليجيين تفاعلات لها أثرها المباشر على أوضاع المنطقة الملتهبة.
<
&