&منذ عام تقريباً لم يلتق الرئيس الأميركي مع رئيس وزراء إسرائيل، لأن تل أبيب كانت تقف ضد أي اتفاق مع طهران حول برنامجها النووي وتفضل عليه إستمرار محاصرة إيران إقتصادياً وسياسياً وأمنياً.

ولما تم التوصل إلي مثل هذا إتفاق، هاجمه نتنياهو بضراوة غير مسبوقة.

وكنوع من التحدي، ذهب في إعتراضه عليه إلي درجة مخاطبة الكونجرس في شهر مارس الماضي – بتنسيق مع الحزب الجمهوري دون موافقة البيت الابيض - مطالباً أعضاء مجلسيه بإتخاذ سياسات تتعارض مع ادارة الجالس في البيت الأبيض.

وبرغم شقة الخلاف التى أضاف إليها هذا التحدي أبعاد أعمق! وبرغم اختلاف توجهات الطرفان حيال اتفاق مجموعة 5 + 1 مع طهران، قرر كل منهما ان يلتقي الآخر للنظر فيما يجمع بينهما سواء علي مستوي التغييرات الجارية في الشرق الأوسط أو علي مستوي حملة الإنتخابات الرئاسية الأمريكية.

النص الرسمي الذي أصدره البيت الأبيض حول هذه الزيارة، يؤكد ذلك.

حيث قدم جون سوبيل المحلل السياسي لتقريره حول العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل بنقل فقرات من هذا البيان تقول " يتطلع الرئيس لمناقشة أمور الأمن في المنطقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بما في ذلك تنفيذ خطة عمل شاملة ومشتركة وسلمية لمنع إيران من الحصول علي سلاح نووي، ومواجهة إنشطتها التى تؤثر علي توازن القوي في المنطقة المنطقة، وكذا مناقشة الحاجة لإحداث تقدم حقيقي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية / الإسرائيلية عن طريق إقرار خارطة لحل الدولتين ".

قبل وضع جدول أعمال الاجتماع الذي جري يوم 9 من الشهر الحالي، كانت المداولات بين الطرفين تسير بحذر بالغ الحساسية، لسببين.

أولاً.. لأن سلبيات خطاب نتنياهو الذي ناشد فيه أعضاء الكونجرس رفض الإتفاق برهنت علي أن خطوة رئيس وزراء إسرائيل تلك، كانت مغامرة فاشلة لأن البيت الأبيض نجح إلي حد بعيد في حشد الدعم اللازم لتمرير الإتفاق.

وثانيا.. لأن الدكتور بان باراتز رئيس الدبلوماسية الوطنية العامة في إسرائيل، ضمن زيارته قبل نحو أسبوعين إلي واشنطن، لم يكتف بوصف وزير خارجيتها بأن " قدراته العقلية لا تتجاوز قدرات طفل " بل وصف الرئيس الأمريكي بأنه " وجه معاصر لمعاداة السامية ".

الدلائل تشير إلي ان كل منهما.

تنازل للآخر عن جانب من أسباب الإختلاف.. رضيت إسرائيل بتأييد المؤسسات الأمريكية السياسية والقانونية والأمنية لإتفاق مجموعة 5 + 1 مع طهران، وتغاضت أمريكا عما قيل في حق رئيسها ووزير خارجيتها بعد ان وعد نتنياهو بمراجعته فيما علي لسانه بعد عودته إلي إسرائيل.. ولا يدري أحد هل قام بهذه المراجعة أم لم يَقم!

ويبدو أن كل منهما صار مقتنعاً مقتنعاً لأن الآخر كان " مخطأً " في كل ما يتعلق بالأتفاق مع إيران، لذلك توافقا علي أن يوظفاه لخدمة مصالحهما المشتركة التى تتمحور حول أن " تكون إسرائيل قوية وذات أمكانيات رادعة " وأن يضعا معاً قواعد واضحة " لردع إيران إن هي خرقت قواعد هذا الإتفاق "..&

ما يهمنا أن كل طرف كان يعرف مطالب الآخر ومستعد لمناقشتها معه بروح برجماتية خالصة رغم ان كل منهما " يتخذ قراراته وهو علي حذر شديد من الآخر ".

لذلك وجدنا الكاتب السياسي يوعز هندل يصف " ذاك اللقاء " في صحيفة يديعوت أحرنوت ( 10 نوفمبر ) بأنه الأول الذي " نزع الشك الذي كان قائماً بينهما منذ سنوات ".. ونقل عن سفير إسرائيل في واشنطن قوله " لا توجد قصة غرام بينهما، توجد مصالح كبري يمكن الإتفاق والإختلاف عليها "..&

بسط نتنياهو أمام الرئيس الأمريكي.

ان إسرائيل قادرة علي تتبع خروقات إيران وعدم إلتزامها ببنود الإتفاق بفضل قدراتها التكنولوجية، ولكنها في حاجة إلي تعزيز قدراتها الهجومية لكي تكون بديلاً عن العسكرية الأمريكية أو الأوربية إذا ما تطلب الأمر " ردع إيران إذا ما تخطت الحدود المرسومة لها " خاصة فيما يتعلق ببنيتها التحتية الصاروخية..&

وبسط أمامه أيضاً ضرورة أن يكون لإسرائيل دور فعال وإيجابي ضمن كافة الإجراءات التى تخطط أمريكا وحلفائها العرب والغربيون لإتخاذها حلاً لكافة الملفات الشرق أوسطية الملتهبة خاصة علي مستوي سوريا و لبنان..&

وحرص الرئيس الأمريكي علي إبراز حاجة الحزب الديموقراطي لتأييد الجماعات والمنظمات اليهودية الأمريكية في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية لأن المنافسة شديدة للغاية هذه المرة بين الحزبين الكبيرين تحت وطأة مؤشرات فشل سياسات أمريكا الخارجية خلال سنوات حكم أوباما السبع..&

لذلك لاحظ المراقبون أنه أسرف في أظهار الكثير من علامات المودة لضيفه..

وحرص في كل مناسبة علي إبراز مجالات الإهتمام المشترك بين الجانبين.

ونوه أكثر من مرة إلي العديد من المصالح الأمنية التى تجمع بينهما.

وأشار إلي حرص واشنطن الدائم علي تعزيز مسارات الصداقة مع إسرائيل.

في نهاية المطاف&فازت نتيناهو بجائزتين مقابل الوعد بدعم مرشحي الحزب الديموقراطي مالياً وجماهيريا ً، وبتقديم كافة المساندات للفائز بترشيح مؤتمرات الولايات والعمل علي أن يفوز بالرئاسة القادمة.

الأولي.. عسكرية ذات شقين:

يتمحور أولهما حول تعزيز القوات العسكرية الجوية عن طريق تزويدها بطائرات هجومية بعيدة المدي وذات قدرات تقنية تمكنها من التشويش علي الردارات الإيرانية.. أما ثانيهما فيرتكز علي إبرام اتفاق يطور زيادة حجم المساعدات العسكرية من 3 مليار دولار سنوياً إلي حوالي 5 مليارات علي إمتداد الفترة من 2016 إلي 2025.. يخصص منها 3ر1 مليار دولار لشركات تصنيع السلاح الإسرائيلية المحلية.

الثانية.. عنصرية إحتلالية بإمتياز&تتمثل في موافقة واشنطن علي وقف أي مشاركة من جانبها لإيجاد حلول سياسية قادرة علي وضع " فكرة " أقامة دولة فلسطينية إلي جانب دولة إسرائيل موضع التنفيذ، حتى نهاية فترة تولي أوباما المسئولية فلي البيت الأبيض.

وعلي ان يوافق الرئيس الأمريكي المنتخب إذا جاء " ديموقراطياً " علي ان تكون تلك الدولة منزوعة السلاح كلية وأن يسبق إعلان قيامها إعتراف يوثقه مجلس الأمن بأن " إسرائيل دولة للشعب اليهودي فقط ".

علي هامش هذه الجائزة.. سلمت له واشنطن بحق الدفاع عن النفس ضد أي تطرف أو إرهاب يهدد أمس اسرائيل وشعبها.. ومن ثم حقها في مواصلة بناء مستعمراتها في القدس الشرقية والضفة.

الجدير بالتسجيل هنا ان فوز الجمهوريون بالمنصب الرئاسي في الانتخابات التي ستجري في الأسبوع الأول من نوفمبر 2016، لن يغضب المتوج سيداً للبيت الأبيض ولا قادة الحزب ولن يدفعهم إلي معاقبة نتنياهو لأنه باع تأييد إسرائيل للحزب الديموقراطي المنافس، لأنهم يعرفون أن البضاعة المباعة صالحة للتداول بين القطبين وأنها لن تبور إذا ما تبناها رئيسهم الجديد، وأن كفالة شعب الله المختار للرئيس الأمريكي قابلة للإنتقال بيسر وسهولة من هذا إلي ذاك طالما هو قادر علي سداد فاتورة الحساب بالتمام والكمال!

[email protected]