هناك من يتوقع ان يتزامن شغل منصب رئيس جمهورية لبنان مع وقوع بعض التغيرات الإقليمية سواء علي مستوي إختفاء نظم حكم متهاوية او قيام تحالفات مرتقبة أو إنطفاء بعض البؤر المشتعلة في أنحاء متفرقة من الشرق الأوسط. وهناك من يؤكد أن الكرسي سيظل شاغرا لأشهر قادمة، قد تطول أو تقصر لأن القوي الإقليمية والدولية المؤثرة في الملف برمته، تكاد تكون متعادلة القوة والتأثير.&

قبل نهاية شهر مايو الماضي حذرت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في بيروت سيجريد كاج المجتمع اللبناني بكل طوائفه من العواقب الوخيمة لإستمرار عدم التوافق علي إختيار رئيس للبلاد. وكذلك فعلت فريديريكا موجريني الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية بالإتحاد الأوربي التي دعت في بيان لها الجميع لإتخاذ موقف حاسم وجاد في هذا الخصوص " لأنه وضع مخالف للدستور والعرف والتقاليد ".&

قد يظن البعض ان هذه الأزمة الخانقة وليدة الأمس القريب.&

وهذا في ظن مخالف للواقع. لماذا؟؟.&

لأن شهر ديسمبر 2013 شهد إحتدام متصاعد بين الرئيس ميشيل سليمان وتيار 8 آذار حول مدي دستورية تكليف تمام سلام بتشكيل حكومة جديدة خلفاً لحكومة نجيب ميقاتي، دون تشاور مع الأطراف السياسية المعنية، في ظل معطيات إتفاق الطائف الذي قلص من حجم صلاحيات رئيس الجمهورية.&

هذا الإحتدام تواصل وتوسع بعد تشكيل الحكومة الجديدة وأدي إلي ظهور سلسلة من النقاشات السياسية والفقهية التى قالت أن إنتخاب رئيس جديد للبلاد في شهر مايو 2014 " سيكون مستبعدا " تحت وطأة تعقيدات المشهد الإقليمي.&

واستنبط البعض من هذه المقولة المكررة أن مطلب التمديد للرئيس ميشيل سليمان كما حدث من قبل للرئيسين الياس هواري و أميل لحود، لن يجد أرضية للتوافق عليه.&

الجدير بالملاحظة هنا ان بعض اقطاب مجلس النواب الذي جري التمديد له حتى خريف عام 2014 بعد أن فشلت القوي السياسية الممثلة فيه في التوافق علي قانون تجري وفق أحكامه الإنتخابات التي كانت مستحقة في شهر يونية عام 2013، كانوا هم الأكثر تصدراً لمشهد عدم التجديد للرئيس ميشيل سليمان.&

ونجحت القوي السياسية جميعها في تشييد جدار الإنسداد وتقويته.&

إجتمع مجلس النواب حتي الأمس القريب 23 مرة، ولم يتمكن ممثلوا الشعب من إنتخاب رئيس للبنان حتي يومنا هذا.&

وياليت الأمر وقف عند حدود الفراغ الرئاسي.

لبنان مهدد بفراغ عسكري وامني. كل الفراغات التي تحدد صلاحيات السلطات التى تدير شئون أي دولة، خط أحمر. وهي في لبنان كذلك.&

فبعد ثلاثة اشهر من الآن ستنتهي ولاية القائد العام للقوات المسلحة اللبنانية جان قهوجي وكذلك مدير عام قوي الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص. وبمقتضي العرف يجب علي الحكومة ان تستعد لمثل هذه التغييرات الجوهرية من الآن 11 سواء بإختيار من يحل محلهما أو بالتمديد لهما. السيناريو الثاني هو المتوقع لأن القوي السياسية تصر علي عدم التوافق معا علي أي إسمين جديدين يتوليان المنصبين شديدي الحساسية في هذه التوقيت!! لكن التيار الوطني الحر بزعامة العماد ميشيل عون يرفض التمديد ويصر علي تولية شخصيتين جديدتين كما حدث عند تعيين أمين عام جديد لمجلس الوزراء.&

وهناك من يقول ان منصب القائد العام للقوات المسلحة ومدير عام قوي الأمن الداخلي ليسا أكثر أهمية من منصب رئيس الجمهورية، ويصر علي أن يتوافق الجميع علي مرشح جديد لرأس الدولة. لأن ذلك يمثل البداية المنطقية لحلحلة الانسداد السياسي.

محاولات امريكا وفرنسا للمشاركة في مبادرات إذابة الجليد الذي يسد منافذ الحياة السياسية في لبنان، لم تجدي شيئا نافعا منذ شهر مايو 2013. برغم ان القوي السياسية اللبنانية كلها متوافقة علي مدي خطورة تواصل خلو منصب رئيس الجمهورية، وعلي عدم انتظام مؤسسات الدولة الدستورية في القيام بمهامها، وعلي مصير لبنان الدولة والمجتمع.&

علينا ان نعترف أن:

فشل محاولات انتخاب رئيس لبناني جديد بعد مرور اكثر من عام، يرتبط بالتركيبة السياسية الداخلية وإرتباطاتها الخارجية. فعلي مدار المحاولات الـ 23 الفاشلة التى عقدها مجلس النواب لإختيار رئيس جديد منذ إبريل 2014 وحتي قبل نهاية شهر مايو الماضي، كان الحضور من النواب يلتقون ويتبادلون الاخبار وربما النكات والققشات، حتى يتم الإعلان عن تأجيل الجلسة إلي مرة قادمة بسبب النصاب القانوني للحضور وهو ثلثي العدد الكلي لنواب المجلس ( 128 ).&

وان إئتلاف تحالف قوي 8 آذار و حزب الله وحلفائهما يرفضون حضور هذه الجلسات إصراراً منهم علي إفشال قوي 14 آذار لفرض مرشحها للمنصب الرئاسي.&

فهل لا زال لبنان تحت وصاية القوي الخارجية التى تلعب بالنيابة عن شعبه فوق ملعبه؟

وهل هو في حاجة لوصاية بديلة عن الوصاية السورية التى فرضت رؤيتها بعد انتهاء الحرب الاهلية ( 1975 – 1990 ) لكي تعود المؤسسات اللبنانية إلي رشدها؟؟.

وإذا كانت سابقة بقاء لبنان بدون رئيس عام 1988 حتي انتخب رينية معوض بعد التوصل إلي اتفاق الطائف. ومرة ثانية عام 2007 حيت انتخب ميشيل سليمان بعد التوصل إلي إتفاق الدوحة.&

السؤال الجوهري الأول:

هل فترة فراغ منصب رئيس الدولة اللبنانية مرشحة لأن تتواصل إلي اكثر من الإثني عشر شهرا الماضية حتي يتم التوصل إلي اتفاق جديد؟؟.&

الإجابة عندي. نعم.&

لأن تجربة الأشهر الفاصلة بين ابريل 2014 ويومنا هذا.&

وتجربة الاجتماعات الـ 23 التى عقدها مجلس النواب، حتي يومنا هذا.&

ولأن تعنت القوي السياسية اللبنانية المدعومة بقوي إقليمية ودولية، وتمسك بعضها وغطرسة البعض الأخر. وتهمشيها جميعا مصلحة الشعب اللبناني وسيادة دولته. وما تتسم به كل منها من أنانية مفرطة. وتوهم كل منها القدرة علي فرض رأيها ورؤيتها، يجعلها جميعا محطئة في حق شعبها وتاريخها ووطنها.&

السؤال الجوهري الثاني:

هل في الأمكان ان تتوافق القوي الاقليمية علي موقف موحد يقود القوي اللبنانية الفاعلة إلي صياغة وثيقة إئتلافية جامعة مانعة تتلافي أخطاء اتفاق الطائف والدوحة وترسي قواعد مرضية للجميع بعد ان يقدم كل فريق تنازلاته لأجل الحفاظ علي وحدة لبنان أرضا وشعبا ودولة؟.&

الإجابة عندي. لا.&

لأن الأوضاع في المنطقة المتتدة من سوريا إلي جنوب الجزيرة العربية تعمل لصالح كل قوة إقليمية وعالمية متواجدة فوق أرض لبنان، بشكل منفرد ومتعارض مع غيرها من القوي. والقوة السعودية لن تتنازل عن تاريخها في لبنان بسهولة، والقوة الإيرانية لن تضحي بحزب الله. لذلك يمكن القول ان يدي واشنطن وباريس فيما يتعلق بملف لبنان مشلولة إلي حد كبير سواء نظر إليهما من.&

- زاوية مسئولية عدم القدرة علي تجميع القوي حول مرشح رئاسي يضع حد لخلو المنصف، لما في ذلك من تحريك إيجابي علي مستوي الحياة المعطلة في لبنان.&

- أو من زاوية الإنفلات الأمني الذ يطل برأسه من حين لآخر ضاربا عرض الحائط بمصالحهما المشتركة أو من زاوية، دون ان يتمكنا معا من وضع حد فاصل له.&

- أو من أمكانية انضمام لبنان إلي مجموعة البؤر شديدة الالتهاب بالمنطقة، في تأثير تداعيات الصراع في سورية.&

الأمل الوحيد الباقي في الساحة كما يتوقع المحللون.&

يؤكد أن الملف اللبناني مطروح بشكل أو بآخر علي مائدة مفاوضات الخمسة الكبار + 1 إلي وإيران حول برنامجها النووي، ومن ثم يتوقع ان يفتح التوصل إليه مع نهاية الشهر الحالي الطريق لعقد مؤتمر في جنيف حول المسألة اللبنانية.&

فهل يصدق هذا التوقع؟

&ربما.&
&

* استشاري اعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]

&