&أورد مقال مهم في (الحياة) نشر مؤخرا، تحليل اوباما مؤخرا لما يجري في المنطقة العربية، ومفاده ان كل هذه الأزمات المعاصرة تعود الى صراع يمتد الى نحو الف عام مضى، قاصدا انه صراع سني- شيعي... هذا التحليل المربك يقصد به ، فيما أرى ، استبعاد أية مسؤولية لسياسات اوباما والدول الأخرى في هذه الأزمات، وتبرير العجز عن المساهمة في تقديم الحلول البناءة والسلمية لها...&

ان من يرجع الى الانشقاق في الإسلام بين التشيع والتسنن لا يمكن ان يفوته ان الأصل كان صراعا على السلطة، من أولى بالخلافة، الإمام الحسين، سليل الرسول ، ام يزيد ابن معاوية.... وقد جرى استغلال الانقسام سياسيا من عهد لعهد، ومن مكان لمكان بعد ان ولد التشيع في العراق... وكانت رسالة الحسين إحقاق العدالة بين الناس بإقامة خلافة تساوي بينهم وتعدل .. أي ولد التشيع كحركة ثورية ضد الظلم واجتثاث الآخرين.. وقد استغل العباسيون عنوان التشيع للإطاحة بالدولة الأموية ، واستثمر كل من الإمبراطورية الصفوية و الإمبراطورية العثمانية مذهبة الرسمي لإمرار وتبرير الحروب بينهما ، في السعي للهيمنة على المنطقة ، وكان صراعهما على أشده في العراق. ويرى المفكر والباحث الدكتور علي الوردي ان الصفويين سلبوا ونزعوا من التشيع روحة الثورية وحولوه الى مذهب رسمي للدولة كسواه.. ان تحليل اوباما ليس حكرا عليه، ففي الغرب والدول العربية &ثمة محللون ينحون المنحى نفسه. وهنا لابد من إبداء المعطيات والملاحظات التالية:
بشر حسن البنا، مؤسس حركة الإخوان في مصر بمشروع للتقارب بين المذهبين.. فهو كان يضع الغايات السياسية قبل كل شيء- أي الوصول للسلطة على النطاقين العربي والإسلامي. وحين قفز الخميني الى السلطة، بادرت أممية الإخوان المسلمين بإرسال وفد كبير للتهنئة ولمبايعة الخميني كأحد أئمة المسلمين الكبار. اما الخميني فجاء بنظرية( ولاية الفقيه) وقد استوحى ذلك من نظرية المودودي وسيد قطب (حاكمية الله). اما الخميني فجاء بـ (حاكمية الإمام الغائب) ونائبه الإمام الخميني.. ولم يكتم ، واعلن ذلك على لسان ولده وبحضوره ، ان (الثورة الإسلامية) الإيرانية تستهدف انتشارها خارجا، أي مبدأ تصدير الثورة. وللوصول لذلك يمكن الاستعانة بأي طرف كان ولو كان سنيا متطرفا.. وعندما سقطت دولة طالبان هرع أكثر من 100من كوادر وقيادات القاعدة(السلفية التكفيرية المتطرفة) للجوء الى ايران بالذات ، التي كرمتهم وحمتهم ، ثم راحت تستخدمهم في العراق (عبر سوريا) بعد سقوط صدام . وعام 2005 صدر في ايران نفسها كتاب (إدارة التوحش) المنسوب الى (سيف العدل) (ضابط مصري سابق ومن زعماء القاعدة) وهو الكتاب الذي صار اليوم دستور داعش. ورغم التباين الحاد في الانتماء المذهبي، فانه لا القاعدة ولا داعش نفذ أية عملية إرهابية في ايران او ضد مصالحها خارجا. وحين تدعي ايران زعامة الشيعة، فإنها هي من تعامل بروح وأساليب عنصرية مع مئات الآلاف من شيعة العراق (أكراد فيلية وعربا)، الذين نفاهم صدام بكل قسوة الى ايران، بروح وأساليب عنصرية فاضحة. ومن اجل إشعال حرب مذهبية في العراق، فان فيلق القدس لم يتردد عن تنفيذ تفجيرات في مراقد سامراء الشيعة والتعاون في ذلك مع القاعدة وهو ما كشفه الجنرال الأمريكي كيسي(قائد القوات الأمريكية في العراق حتى 2006) في كل من باريس والولايات المتحدة. وفي السعودية سلفية قوية ، ولكن ذلك لا يمنع داعش من تنفيذ عمليات إرهابية هناك. والسلفية السعودية لم تحل عائق أمام تصدي السعودية للإخوان في مصر وذلك بدعم ثورة الشعب المصري ضد حكم الإخوان ، وذلك على الضد من الموقف الأمريكي الداعم للإخوان في مصر.. وداعش السني المتطرف يهادن في اليمن الحوثيين الشيعة ، وينفذ تفجيرات ضد الجيش الوطني الشرعي( السني) وقد هرعت مليشيات العراق ، ذات الولاء الخارجي الى الحرب مع بشار الاسد تحت ستار حماية ضريح السيدة زينب، وهذا ما فعله حزب الله اللبناني أيضا – علما بان القرار سياسي، ايراني لا مذهبي ، وعلما بان العلويين السوريين لا يحسبون على الشيعة الأمامية المنتشرة في ايران والعراق. ومما يمكن إيراده أيضا ، ان سنوات العهد الأخيرة لنظام صدام شهدت انتهاكات ضد المراسيم الدينية الشيعية وعدد من رجال الدين الشيعة، ولكن النظام نفسه اخترع لصدام شجرة نسب تمتد الى الإمام الحسين، فكانت صحفه تسميه بـ (حفيد الإمام الحسين)
وفي هذه السياسات تتغير التحالفات والخصومات حسب المصالح والغايات &السياسية ، فالعدو يصبح صديقا مؤقتا، وبالعكس. والخمينية مثلا لم تجد مانعا ما ان تستقي من كتب سيد قطب رائد الجهاد الدموي التكفيري، وبحيث ان يقوم خامنئي نفسه بترجمة بعض كتبه.
هذه بعض الملاحظات التي يمكن إيرادها عن الموضوع ، وهو يتسع للمزيد ، كما يتسع لمزيد من النقاش والسجال. وخلاصة ما أوردناه ان الصراع المذهبي هو في الأصل سياسي، ولا يزال يستغل سياسيا.&
&