&
أكتب هذه المقالة المتواضعة بناء على طلب أحد القراء الأعزاء الذي كتب تعليقا على مقالتي بعنوان "الحكام العرب – إعتمدوا على شعوبكم لحماية اوطانكم" التي نشرت يوم الثلاثاء، الثالث عشر من الشهر الحالي، حيث يتساءل القارئ الكريم عن اسباب تخلفنا في كل شيئ.
توصل &الباحثان "جيمس روبنسون" (James Robinson) و "دارون أكيموغلو" (Daron Acemoglu) &من مؤسسة مساشوستس للتكنولوجيا، من خلال دراسة معمقة استغرقت حوالي 15 عاما، قاما خلالها بتحليل الأدلة التاريخية لعدد من الدول والمدن في حضارة المايا والامبراطورية الرومانية ومدينة البندقية في القرون الوسطى، والاتحاد السوفيتي والصين في القرن العشرين، الى رؤية نظرية اقتصادية تؤكد ان فشل او نجاح الدول غير مرتبط بالعوامل الجغرافية او الديموغرافية او الموارد الطبيعية. وانما العامل الرئيس هو التطبيق العادل لمبدء تكافؤ الفرص بين جميع مكونات الشعب لأي دولة، وبناء المؤسسات السياسية والاقتصادية التي يشارك في بناءها وادارتها كل مكونات المجتمع دون تمييز على أسس عرقية او دينية او إثنية.
كما أكدا الباحثان انهما لم يجدا دليلا واحدا على ان اي قيم ثقافية او دينية بعينها يمكن ان تؤدي اكثر الى التطور السياسي او الازدهار الاقتصادي، بل يظهر من تحليلاتهما للأدلة التاريخية ان المؤسسات السياسية والاقتصادية التي ينشؤها البشر هي الاكثر قدرة على تحقيق النجاح لأي دولة.
قال احد علماء الاجتماع كلام جميل ومختصر عن التطور الحضاري للمجتمعات الانسانية: "أنظر الى الاشخاص الذين يقدرهم المجتمع، تعرف الإتجاه الحضاري السائد في ذلك المجتمع ومصيره".
أسباب تخلفنا ان انظمة الحكم التي إستعبدتنا بعد إنحسار فترة الاستعمار الغربي خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي لم تعمل بما أوصى به الباحثان، بل طبقوا سياسات معاكسة، فلا عدل ولا تكافؤ فرص، وتمييز واضح على أسس دينية ومذهبية وعرقية وإثنية. ومؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية أنشئت لخدمة وتحقيق مصالح فئات معينة في المجتمع.
أنظمة الحكم هذه وابواقها لا زالوا الى يومنا هذا يحملون الاستعمار الغربي كل مشاكلنا رغم ان الاستعمار رحل من المنطقة منذ 65 عاما، وكأن الشعوب العربية هي وحدها من تم إستعمارها. الهند كانت مستعمرة بريطانية حتى اواخر الاربعينيات من القرن الماضي، إنظروا الى موقعها الحالي على الصعيدين السياسي والاقتصادي، اكبر دولة ديمقراطية &في العالم من حيث عدد السكان، وسابع اقتصاد في العالم بالاعتماد على الناتج المحلي الاجمالي حسب احصائيات عام 2015م. لم نسمع يوما ان الحكومات الهندية المتعاقبة حملت تقصيرها في خدمة شعبها على الاستعمار البريطاني، بل عملت هذه الحكومات طوال هذه الفترة بجد لتجاوز ومعالجة الأوضاع غير الصحيحة التي خلفها الإستعمار.
أما بخصوص رأي عالم الاجتماع عن التطور الحضاري، فالاشخاص الذين تقدرهم المجتمعات العربية هم انصاف المتعلمين من رجال الدين والسياسة. هؤلاء – للأسف الشديد – هم من يقودون المجتمعات العربية منذ اواخر السبعينيات من القرن الماضي، زاد عددهم وعلت اصواتهم منذ بداية القرن الحالي بفضل القنوات الفضائية التي تصدح ليلا ونهارا بخطبهم الجوفاء المحرضة على الطائفية البغيضة وكراهية الاخر المختلف معهم في الدين والمعتقد، ومواعظهم المضللة الموجهة الى الفقراء والمساكين تحثهم على الزهد في الدينا، بينما هم يعيشون حياة مرفهة وثرواتهم الشخصية تتراكم بفضل هذه الفضائيات.&
العقل اكبر نعمة من الله على الانسان وبه فضله على جميع خلقه، ومن النواقص ان يسلم الانسان عقله الى غيره كائنا من كان. &
تساءل القارئ الكريم في تعليقه عن اسباب تخلفنا بعد اكثر من 40 عاما على طفرة اسعار النفط، واين ذهبت هذه الاموال؟ اقول له: اموال النفط صرف جزء منها على شراء الاسلحة والمعدات الحربية التي لا فائدة منها، بدلا من صرفها على التعليم والصحة ومراكز البحوث العلمية والاجتماعية والبنى التحتية، والجزء الآخر أودع في الحسابات الشخصية لفئات قليلة في المجتمع.&
أسوق له مثلا على سرقة المال العام في العالم العربي: تناقلت الصحافة في العالم العربي وغيره قبل فترة ان ثروة الرئيس اليمني المعزول "علي عبد الله صالح" تقدر ما بين 30 الى 60 مليار دولار امريكي خلال فترة حكمه التي إمتدت لـ 33 عاما. كون اليمن بلدا فقيرا لذلك سأعتمد المبغ الأقل أي 30 مليار دولار أمريكي، أي انه كان يسرق مليار دولار أمريكي كل عام من اموال الشعب اليمني التي يأتي معظمها من المنح والتبرعات من دول الخليج العربي والدول المانحة غير العربية. &
آخر الكلام: الشعوب لا تبدع إلا في الأجواء الحرة، كما الطيور لا تغرد إلا على اغضان النخيل والاشجار وليس داخل الأقفاص المغلقة. والعدل هو اساس الحكم. &
المصدر: كتاب – لماذا تفشل الدول (او الأمم).&
&

&