القسم الأول
&
ليس مصادفة &ولا هو بالأمر العفوي ، ذلك الذي يجري في بعض دول الشرق الأوسط والمغرب العربي، في سياق لعبة الأمم والصراع على النفوذ وإعادة توزيع الأوراق في هذه المنطق وإعادة تشكلها على أسس تختلف عما تم الاتفاق عليه في أعقاب اتفاقية سايكس بيكو بعد الحرب العالمية الأولى. فالحدود القائم بين الدولة، وهي مصطنعة قطعاً، لم تعد مناسبة ولا مفيدة للاستراتيجيات الدولية الحالية. لذلك تعمل &الدول الكبرى على رسم خرائط وحدود جديدة لهذه المنطقة وتقسيم المقسم وتجزيء المجزأ، ولقد تم بالفعل تقسيم السودان وإعادة تقسيم اليمن ومحاولة تقسيم سوريا والعراق &وتفتيت ليبيا وإضعاف مصر وتونس ، والتربص بالجزائر والتمهيد لخلق الفوضى " الخلاقة" كما سبق أن فعلوا في بلداننا المنكوبة المشار إليها أعلاه.
فلم يعد ممكناً عودة العراق وسوريا وليبيا والسودان واليمن إلى ما كانت عليه قبل ملهاة ومهزلة ما سمي بالربيع العربي. ففي إحدى مقابلاته مع شبكة سي أن أن التلفزيونية &صرح الجنرال السابق والرئيس الأسبق لوكالة الفضاء الأمريكية ولوكالة الاستخبارات الأمريكية ميكائيل هايدن، :" أننا نشهد اليوم تفتيتاً مقصوداً ومدروساً ومبرمجاً للنظام العالمي الكلاسيكي القائم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ما يعني إلغاء ومحو الحدود الموجودة اليوم وفقاً لمعاهدة فرساي التي نجمت عنها اتفاقية سايكس بيكو" وأضاف قائلاً :" بوسعي القول أن العراق الذي نعرفه لم يعد موجوداً، وسوريا التي نعرفها لم تعد موجودة، ولن يعودا إلى سابق عهدهما دولتين مستقرتين ومستقلتين ومعترف بهما دولياً، وهو حال لبنان التي تتأرجح بين الاستقرار والتشرذم من جديد، وليبيا التي توقفت عن أن تكون دولة بمعنى الكلمة وتحولت إلى دولة فاشلة، وهي مرحلة تصادم الكتل، تحدث في وقت شن الحرب العالمية ضد دولة الخلافة الإسلامية ، &دولة الإرهاب الدولي &المعروفة باسم " داعش" وبالتالي يمكنني القول أننا نمر في مرحلة عسيرة وعويصة وغاية في التعقيد والخطورة". &كانت الدعوات لتقسيم العراق إلى عدة دويلات قزمة ضعيفة ومتناحرة حسب التركيبة السكانية للمجتمع العراقي وموزائيكه &المذهبي والقومي، &قد بدأت تسمع وتنتشر منذ أيلول سبتمبر 2015 داخل العراق وخارجه، ومما يجدر الإشارة إليه هو أن الأحزاب السياسية العراقية المشاركة في العملية السياسية والمتقاسمة للسلطة في العراق &صرحت في العلن أنها ترفض هذه النداءات، لكنها في واقع الأمر، ترغب في تحقيقها وتنفيذها لكي تكون هناك ثلاث دويلات واحدة كردية وأخرى شيعية وثالثة سنية. وقد أعلن المجلس الإسلامي الأعلى قد أدان في الإعلام تصريحات مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية &الجنرال فنسنت ستيوارت بشأن تفتيك وتفكيك بنية العراق الحالية لأنها تمس النسيج الوطني للمجتمع العراقي برمته الذي لا يقتصر على هذه المكونات الثلاثة فقط، وإنها سوف تعمق من حدة الشرخ الموجود حالياً وتزيد من الخلافات القائمة حالياً بين مختلف فئات الشعب العراقي القومية والإثنية والطائفية والمذهبية والدينية ".وبالمثل قام اتحاد القوى العراقية السني الاتجاه أو الذي يمثل السنة في البرلمان العراقي باتهام &السياسة الأمريكية &بكونها هي التي تقف وراء نزعات تجزيء وتقسيم الشطر العربي من العراق ، معتبرين أن تطرق كبار المسؤولين الأمريكيين لفكرة تقسيم العراق كحل للخروج من مأزقه السياسي الحالي، وتمزيق وتقسيم سوريا لإنهاء الحرب الأهلية الدائرة فيها اليوم، ليس مجرد فرضية بل هو في حقيقة الأمر المحاولة مابعد الألف لفرض هذا الحل كأمر واقع لا مناص منه ولا مفر.
وكصدى لمثل هذا التوجه دعا رئيس إقليم كردستان في شمال العراق &مسعود برزاني إلى إعادة النظر في الحدود التي أفرزتها اتفاقية سايكس بيكو في الشرق الأوسط وكان ضحيتها الأكراد والشعب الكردي برمته &الذي تقاسمت دول المنطقة أراضية وأخضعت شعبه بقوة الحديد والنار بغية منع خلق دولة كردستان المستقلة والسماح للشعب الكردي بتقرير مصيره وفقاً لما تنص عليه المواثيق والقوانين الدولية، ولقد تلقت أنقرة وبغداد، بل وحتى في طهران ودمشق، صفعة قوية تشبه الإنذار من جراء هذا التصريح الجريء والصريح.
وحاول السيد مسعود برزاني إقناع أكراد تركيا الثائرين بقيادة حزب العمال الكردستاني الــ بي كا كا &التفاهم مع أنقرة للتوصل إلى تسوية تضمن لهم حكماً ذاتياً في كردسان تركيا، لكنه لم ينجح في ذلك. وقد أعربت تركيا عن قلقها من تدهور الأوضاع في المنطقة ليس فقط من جراء هيمنة داعش الإرهابية على أراضي واسعة فيها، بل وايضاً من تزايد نشاط حزب العمال الكردستاني السوري المقاوم لهيمن الدولة الإسلامية داعش على أراضي سورية كبيرة ذات أغلبية كردية.، حيث تخوض قوات حماية الشعب الكردي السورية معارك طاحنة ضد تنظيم الدولة الإسلامية داعش.
والجدير بالذكر أن تركيا لم تتوقف عن المطالبة لغاية عام ،1925 بإلحاق ولاية الموصل التي تضم معظم محافظات الشمال العراقي، إلى الأراضي التركية بما فيها كركوك الغنية بالنفط حيث كانت من أقدم المناطق التي أكتشف فيها النفط في الشرق الأوسط.
وعند اقتطاعها من الإمبراطورية العثمانية، كان هناك صراع بين بريطانيا وفرنسا على هذه الولاية لكن اتفاقية سايكس بيكو ألحقتها بالعراق الحالي، من هنا يمكننا أن نستشف مدى خطورة وتعقيد الوضع الجيوسياسي في شمال العراق.
فتركيا لا تزال تحلم باستعادة ولاية الموصل وإيران تعترض على استقلالية حقيقية لكردستان حتى لا تشكل سابقة معدية توحي بنفس الطموحات لأكراد إيران، فيما يسعى أكراد سورية لإتباع النموذج العراقي وخلق منطقتهم المستقلة في إطار تسوية عامة للوضع في سوريا. من هنا فإن الحل الأفضل كما يعتقد المراقبون الغربيون هو في إيجاد &صيغة كونفدرالية بين &المكونات الثلاث في العراق وتحت إشراف الأمم المتحدة.
فلكي يتواجد استقرار &ما وتوازن في القوى في المستقبل المنظور، لا بد للدولة العراقية القادمة أن تكون كونفيدرالية، فالفيدرالية الحالية لم تنجح في حل الإشكاليات القائمة. فكل فئة تتمسك بهويتها وخصائصها، الإثنية واللغوية بالنسبة للأكراد، والمذهبية بالنسبة للعرب الموزعين بين السنة والشيعة، هذا هو منطق دعاة تقسيم العراق الذي يتوسلون بتجارب الماضي &وأمثلة من الحاضر &لإثبات صحة أطروحتهم الجيو ــ سياسية .&
ويتصور &دعاة هذا السيناريو أن الدويلات &الكونفيدرالية العراقية الثلاث ستكون : الدولة الكردية وعاصمتها كركوك، والدولة العربية السنية وعاصمتها سامراء، والدولة العربية الشيعية وعاصمتها &البصرة، وستكون بغداد هي عاصمة الدولة الكونفيدرالية المركزية حيث يتعايش فيها كافة المكونات وتكون العاصمة الاقتصادية للإشراف على تقاسم الثروة النفطية الإجمالية وتقوم بدور التمثيل الدبلوماسي للدولة الكونفيدرالية على مستوى العلاقات الخارجية، ما يعني السماح لكل كيان أن يدير نفسه بنفسه وبحرية كاملة واستقلالية تامة دون تدخل أو هيمنة خارجية أياً كان نوعها أو مصدرها، وبالتالي السماح لكل جهة بالاحتفاظ بقدر &ما من القوة العسكرية الدفاعية للحماية الذاتية &ولضمان عدم هيمنة طرف على آخر بالقوة.
&
يتبع&
&
&