&
منذ أسابيع والعراق ولاسيما بغداد في هرج ومرج، وشد وجذب، وعرض لبضائع من الاجتهادات والتفسيرات السياسية المتصارعة حول مفهوم ومعنى حكومة تكنوقراط. وقد تصدر السيد مقتدى الصدر مؤخرا حملة المطالبة بذلك، بينما كان المثقفون والساسة الديمقراطيون يطالبون بذلك منذ سنوات وقد نشرتُ شخصيا مقالات عديدة بهذا الشأن. وكان من رأيي ولا يزال أن حكومة تكنوقراط تكون مستقلة سياسيا وحزبيا وبعيدا عن أية أجندات خارجية... حكومة تكون انتقالية وذات صلاحيات تامة وتتشكل لمعالجة أوضاع استثنائية جدا من حيث خطرها وتداعياتها. والعراق اليوم أمام سلسلة أزمات: الأزمة الأمنية أولا، أي الحرب مع داعش والاستعدادات لتحرير الموصل والفلوجة الشهيدة وغيرهما. ونحن نعرف من الذي تسبب في استدراج داعش إلى نينوى، أي من كان القائد العام للقوات المسلحة والذي لا يزال يتصرف وكأنه الحاكم بأمره. ومع الأزمة الأمنية، هناك أزمة سياسية عميقة وأزمة اجتماعية بسبب انفلات الغرائز الطائفية، وأزمة مالية بسبب تدهور أسعار النفط والفساد الذي ذهبت ضحيته مئات المليارات من الدولارات.
إن عراق ما هبّ وجب أو عراق "سوق الهرج" حسب التعبير العراقي يترنح من كل الجهات وعلى كل صعيد ولكن ما لا يترنح هو نظام المحاصصة الذي يشكل بقاؤه الغاء كل فرصة لقيام حكومة تكنوقراط حقيقية. فلا يزال رؤساء الكتل والأحزاب السياسية ونوابهم في برلمان يجسد المحاصصة هم سادة الموقف. وإن من يريد ترؤس حكومة التكنوقراط لا يزال قياديا في حزب الدعوة الذي يحكم العراق مع ميليشيات تابعة لإيران. وأما السيد الصدر فلا نفهم تصوره لمعنى حكومة تكنوقراط خاصة وإنه هو الآخر ليس مستقلا.
إن أزمات كبرى تلف العراق الذي يعيش في منطقة تلفها أزمات وأزمات ولاسيما الأزمة السورية حيث لا يوال الأسد يقتل ويدمر بلا حساب ولا عقاب ولا يتورع عن تدمير المستشفيات على رؤوس المرضى. ولاتزال روسيا تقود المجتمع الدولي فيما يخص الوضع السوري مع أنها ضالعة بكل قوتها في الأزمة.
إن "سوق هرج" العراق يطحن الشعب بينما داعش يواصل جرائمه. وفي هذا السوق ثمة تمثال لغول رهيب يضع على طاولة صغيرة معزة عجفاء يمتص من أثدائها، الغول يرمز للحكام ولكبار اللصوص، والمعزة هي الشعب المنكوب. فهل من مخرج في هذا الوضع وهل من بصيص نور. شخصيا وكما كتبت مرارا لست من المتفائلين، وكيف أتفاءل والعراق فوضى في فوضى. فهناك نواب متمردون يقودهم المالكيون وهناك نواب يواجهونهم، وكلاب حراسة تدخل البرلمان. والصدريون يقتحمون المنطقة الخضراء والميليشيات المسلحة تدخل بغداد تحت شعار حماية حزام بغداد ولا نستبعد ان تجري مصادمات مسلحة تملأ بغداد دما وينسى الجميع الحرب على داعش.
الحكيم لا يريد التفريط بوزرائه وكذلك الطرف الكردستاني. والعبادي كما قلنا لا يزال قياديا في الدعوة، وحين اختار لوزارة مهمة رجى مستقلا حقا وكفؤا حقا انبرى المالكيون لمهاجمته بحجة أنه كان قريبا من اليسار وأنه علماني بينما العلمانية في نظرهم معادية للدين. ولا يجهل هؤلاء من سلم العراق لداعش.
&