كشفت الصحراء المغربية الامين العام للامم المتحدة بان كي مون. عندما تكون هناك قضية واضحة كلّ الوضوح مثل هذه القضية ويتخذ الامين العام للامم المتحدة الموقف الذي اتخذه، لا يعود شك بان هناك علّة اساسية تعاني منها المنظمة الدولية. تبدو هذه العلّة في شخص الامين العام العاجز عن اتخاذ اي قرار في معزل عن السياسة الاميركية. يبدو ذلك جليّا من تصرّفات الرجل "القلق" دائما تجاه الاحداث والذي لا يفوت فرصة للتعبير عن مواقف اقرب ما تكون الى موقف المتفرّج من بعيد على حدث ما...

في كلّ ما اقدم عليه في السنوات التي امضاها امينا عاما للامم المتحدة، لم يقدم بان كي مون على اي مبادرة يشتمّ منها ان لديه علاقة بما يدور في هذا العالم. بعد موقفه المنحاز الى الجزائر في موضوع الصحراء المغربية، تبيّن انّه وراء تقرير آخر منحاز يتعلّق باليمن. لم يدرك ان "عاصفة الحزم" لم تكن هجوما على اليمن بمقدار ما كانت عملا دفاعيا لجأت اليه المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي بعدما تبيّن ان هناك مشروعا ايرانيا يستهدف دول المنطقة انطلاقا من هذا البلد الواقع في شبه الجزيرة العربية والذي لديه اهمّية استراتيجية كبيرة.

الاكيد ان بان كي مون لا يريد ان يفهم ما الذي يدور في اليمن ولماذا اضطرت دول الخليج العربي الى اتخاذ قرار بالدفاع عن نفسها بكل الوسائل المتاحة. اتخذ في واقع الحال موقفا لا يفرّق بين الشرعية اليمنية وبين منقلبين على الشرعية استغلوا الانقلاب الذي قام به الاخوان المسلمون على علي عبدالله صالح من اجل اقامة نظام جديد يكون تابعا لايران. هذا ما قام به الحوثيون الذين طردوا آل الاحمر، زعماء حاشد، من محافظة عمران واحتلوا بيوتهم او دمرّوها، ثم وصلوا الى صنعاء التي وضعوا اليد عليها في الواحد والعشرين من ايلول سبتمبر 2014 وانطلقوا من هناك في كلّ الاتجاهات وصولا الى عدن وباب المندب.

كان مفاجئا ان تتخذ الامم المتحدة منذ البداية مواقف لا تأخذ في الاعتبار ان هناك سلطة شرعية في اليمن انقلب عليها الحوثيون الذين ما لبثوا ان ارسلوا وفدا الى طهران ووقعوا اتفاقات باسم اليمن. تنظم هذه الاتفاقات رحلات مباشرة تزيد على ثلاثين رحلة اسبوعية بين طهران وصنعاء. ما الذي بين صنعاء وطهران لتبرير هذا العدد الكبير من الرحلات؟ كم عدد اليمنيين الذين يمتلكون القدرة على السفر... والى ايران بالذات؟ الم يكن وصول الحوثيين الى صنعاء امرا مستغربا، خصوصا انه ترافق مع مناورات عسكرية لهم على الحدود مع المملكة العربية السعودية في تحدّ مباشر لها؟

في كلّ الاحوال، يتجاهل بان كي مون هذا الواقع. يستند الى ارقام مشكوك فيها في شأن الضحايا التي سقطت في اليمن لخلط الامور وتجاوز مسألة في غاية الاهمّية هي قرارات الشرعية الدولية الصادرة عن مجلس الامن في شأن اليمن، وهي قرارات معروف تماما من الذي يتمرّد عليها. ولكن ما العمل عندما تكون الامم المتحدة منحازة منذ البداية للحوثيين (انصار الله)، اي لايران. للتذكير فقط، قبل ممثل الامين العام السابق جمال بنعمر ان يكون غطاء لـ"اتفاق السلم والشراكة" الذي فرضه "انصار الله" بالقوة على القوى السياسية اليمنية، بمن في ذلك الرئيس الانتقالي عبد ربّه منصور هادي، الذي لم يقبل نصيحة علي عبدالله صالح بالتصدي للحوثيين في عمران، اي قبل وصولهم الى صنعاء!

يتجاهل بان كي مون الماضي كما يتجاهل الحاضر. لا رابط لديه بين الاحداث. ذهب، قبل الدخول طرفا في قضية اليمن، الى مخيمات تندوف وهي مخيمات اعتقال للصحراويين الذين اصبحوا رهائن لدى جبهة "بوليساريو" التي ليست سوى اداة جزائرية. من تندوف قال ان الصحراء "ارض محتلة"، علما انّها ارض مغربية. تؤكد ذلك كلّ الوثائق التاريخية. يرفض بان كي مون الاعتراف بانّ النزاع الممرتبط بالصحراء هو نزاع بين المغرب والجزائر الراغبة في لعب دور اقليمي مرتبط بالاوهام لا اكثر. نسي ان هناك حلا في متناول اليد هو اقتراح الحكم الذاتي الموسع الذي طرحه المغرب منذ سنوات عدة والذي لقي تجاوبا لدى كلّ الذين يبحثون عن مخرج وليس عن استمرار حرب الاستنزاف التي تشنها الجزائر على المغرب، مستخدمة ما يسمّى "بوليساريو" في قضيّة اقلّ ما يمكن ان توصف به انّها مفتعلة.

من الصحراء الى اليمن، يبحث بان كي مون عن كيفية ادامة الازمات. ما الذي فعله من اجل الفلسطينيين؟ ما الذي فعله من اجل السوريين؟ ما الذي فعله من اجل العراقيين؟ ما الذي فعله من اجل لبنان؟

كان كافيا ان تعترض اسرائيل عن وصف الامين العام للامم المتحدة الضفة الغربية بانّها "ارض محتلة" حتّى يتراجع الرجل. تراجع في المرّة الوحيدة التي كان على حقّ فيها مستندا الى قرارات الشرعية الدولية!

في نهاية السنة، تنتهي ولاية بان كي مون كامين عام للامم المتحدة. لن يترك خلفه سوى ازمات عبّر عن "قلقه" تجاهها. سيفرح من سيخلفه لانه سيجد امامه ملفّات كثيرة تحتاج الى الانكباب عليها بدل اتخاذ موقف المراقب الذي لا هدف له في الحياة سوى تعميق الازمات كي تصبح مستعصية على كلّ حلّ. هل هذه وظيفة الامين العام للامم المتحدة؟

&