ما هو السر الغامض الذي يخفيه الجزيء الدقيق أو الجسيم الأولي &الغريب إكس X؟ من المبكر الإجابة على هذا التساؤل ، كل الذي يعرفه الفيزيائيون الآن هو أنهم رصدوا إشارة غريبة وغامضة بفضل الطاقة القصوى لمسرع ومصادم الجسيمات العملاق &لسيرن &وأطلقوا عليه تسمية الجسيم إكس X. قلنا في الحلقة السابقة أن العلماء والعالم أجمع استقبل بحفاوة بالغة وأشاد باكتشاف &بوزون هيغز في 4 تموز سنة 2012 وتم تأكيده على نحو قطعي ونهائي علمياً في آذار سنة 2013 ومنحت جائزة نوبل للفيزياء للعالمين فرانسوا إنغلرت وبيتر هيغز كونهما صاحبي فرضية وجود هذا البوزون المسمى بوزون الرب، لكن الفرق بين الاكتشافين يكمن في أن بوزون هيغز كان موجوداً من الناحية النظرية منذ سنة 1964 &أي قبل نصف قرن من اكتشافه عملياً، ويشكل ركناً أساسياً &في النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات ، والحال أن الجسيم إكس انبثق من المجهول من حيث لا يتوقع أحد ولم يكن محسوباً له أي حساب أو توقع وبالتالي فهو ليس جزءاً من النموذج المعياري ، أي النظرية التي تصف &وتتعاطى مع الجسيمات ما دون الذرية . فإما أن تتأكد الخاصية الخارقة أو الإعجازية لهذا الجسيم أو يسقط في سلة الإهمال إذا تمكن العلماء من معرفة أسباب وظروف ظهوره المفاجيء ويتأكد لهم أنه مجرد خطأ في التفسيرات والتلاعب &وقصور في أجهزة الرصد والقياس والحساب &و بالتالي فهو لا يحتمل كل هذه الآمال التي وضعت فيه حيث اعتقد البعض أنه يمكن أن يكون بداية لثورة حقيقية في عالم الفيزياء أو نقطة الانطلاق نحو فيزياء جديدة. &
عاد مصادم الجسيمات العملاق LHC للعمل بكامل طاقته في 25 مارس آذار الماضي ،، لكي يجعل المادة تنطق بما في داخلها كما يقول العلماء مازحين. &وفي 8 من نيسان أجريت تجارب التصادم للفوتونات بدرجة ثلاثة عشر تيرافولت 13 TeV، ومن المحتمل أن يبلغ طاقته القصوى في نهاية الصيف حيث ستطلق فيه نحو 3000 حزمة تحتوي على 120 مليار فوتون تدور وتتصادم داخله بالاتجاهين مما يعني حدوث مليار تصادم بالثانية و لا أحد يمكنه أن يتكهن بالنتائج التي سوف تنجم عن ذلك. وكان أول الغيث هو رصد الجسيم إكس X من قبل &المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية سيرن في 15 ديسمبر الماضي في جهازي الكشف أطلس ATLAS و سي أم اس CMS، ولم يكن أكثر من نتوء غريب في الخط البياني أو المنحنى المتسق للفوتونات لا ينبغي أن يكون موجوداً، وهو الأمر الذي لم تتنبأ به أية نظرية قائمة ومتداولة حتى الآن، &ولو تأكد كونه جسيم أولي بكل معنى الكلمة ووفق الأصول العملية فذلك سيعني أنه سيرمي بعالم &اللامتناهي في الصغر إلى آفاق جديدة . فلقد سجل الكاشفان أن لهذا الجسيم كتلة تقدر بــ &750 GeV أي أكبر ست مرات من كتلة بوزون هيغز، في حين كان ينبغي لبوزون هيغز أن يكون أثقل من كتلته بمائة مليون مليار مرة . ولذلك لم يتم حسم الأمر على نحو نهائي لحد الآن فيما إذا كان هذا الاكتشاف هو حقاً جسيم أولي أم مجرد إشارة لتقلبات إحصائية ليس إلا fluctuation statistique .
رغم متانته وأناقته وفاعليته، فإن النموذج المعياري الحالي لفيزياء الجسيمات غير كاف كما يردد بلا انقطاع علماء وفيزيائيو الجسيمات الأولية &رغم أنه وضع الأساس الكامل، لكنه ليس النهائي، في البيولوجيا &والكيمياء &وعلم المواد وأغلب &الظواهر الفيزيائية الفلكية، إلا أن المختصين في اللامتناهي في الصغر، خاصة في معهد التكنولوجيا في ماسوشوسيت MIT أم آ تي الشهير لايكتفون بما توفره لهم نظرية النموذج المعياري.
هناك سؤال جوهري &يتعين على هذا الجسيم أن يجيب عليه ألا وهو :" هل يمكن أن يتفاعل مع المادة السوداء أو الداكنة المنتشرة في الكون المرئي أو يكون قابلاً للذوبان فيها، في حالة اعتباره &جسيماً أولياً من المادة المرئية؟ وبما أنه قابل للتفاعل مع جسيمات المادة الطبيعية المرئية المألوفة في النموذج المعياري فلن يكون ممكناً اعتباره من جسيمات المادة السوداء الأولية. ولكن يقدر أحد العلماء أن هذا الجسيم يتفكك إلى جسيمين ضوئيين وفي نفس الوقت يمكن في ظروف خاصة أن يتفكك إلى مكونات غير مرئية يمكن أن تكون جسيمات أولية من المادة السوداء حيث لا يترك وراءه أي أثر قابل للرصد، وهذا مجرد افتراض لم يثبت بعد مختبرياً، أو على ألأقل اعتباره بمثابة الجسيم الوسيط بين المادة المرئية والمادة السوداء .
لا ننسى أن المادة السوداء أو الداكنة أو المعتمة تعتبر أحد أهم ألغاز الكون المرئي وأكثرها غموضاً منذ أكثر من قرن. فمن المستحيل &التعبير عن ديناميكية محتويات الكون المرئي المكونة من مئات المليارات من العناقيد والحشود المجرية وما فيها من نجوم وغازات وأغبرة كونية وثقوب سوداء وغيرها، ومعرفة هندستها وهيكيليتها وتركيبتها &إذا لم نأخذ بالاعتبار الكم الهائل &لهذه المادة غير المرئية وغير القابلة للرصد تقريباً والمجهولة الماهية المسماة المادة السوداء. والجدير بالذكر أن كل جسيمات النموذج المعياري لا تدعي أنها يمكن أن تكون موجودة في المادة السوداء أو قابلة للذوبان فيها أو التعاطي معها، فهل بإمكان هذا الكائن الجديد أن يضفي وجهاً مرئياً للمادة السوداء؟، فطبيعة وحقيقة وجوهر وماهية المادة السوداء ما يزال شكل لغزاً مستعصياً على العلماء علماً بأنها تشكل نسبة 85% من المادة الإجمالية للكون المرئي أو المرصود والمنظور. &
ليس صعباً على علماء مسرع ومصادم الجسيمات LHC حسم موقفهم والانتهاء من حساباتهم العلمية الدقيقة للبت في أمر ومصير هذا الزائر الغريب الذي فتح آفاقاً كامنة قد تغير &جذرياً من معطيات ومسلمات الفيزياء الحالية خاصة فيزياء الجسيمات الدقيقة الأولية وأبحاث اللامتناهي في الصغر والتي قد تسهم بدورها في حل الكثير من الألغاز الكونية العالقة اليوم. عادة ما يستند العلماء على أسس وقواعد علمية راسخة أثبتت جدارتها وصحتها في حساباتهم &لكنهم قد يلجأون في حالة اصطدامهم بعقبات رياضية إلى ما يسمى بالحل اليدوي أي وضع قيم رياضية لانهائية تلغي أحدها الأخرى في إطار انسياق المعادلات لكن هذا الإجراء يعتبر بمثابة الهرطقة العلمية في الفيزياء فعلى مدى قرون عديدة حاول العلماء ومايزالون يحاولون تفسير الظواهر في الكون المادي وفق مباديء علمية دقيقة ومحددة وناجعة, فعلى سبيل المثال تستند النسبية العامة لآينشتين على المحدودية المطلقة لسرعة الضوء وهي 300000 كلم / ثانية ، ونفس الشيء بالنسبة للتماثل &الرياضي symétrie mathématique لدى العالم بول ديراك &الذي قاده إلى افتراض وجود المادة المضادة antimatière والتي تم اكتشافها عملياً بعد عدة سنوات ، والأمر ذاته حصل مع وضع &النموذج المعياري modèle standard &في فيزياء الجزيئات الدقيقة أو الجسيمات الأولية المعتمد على مسلمة أن القوانين التي تسير الكون المرئي في مستواه ما دون الذري تحترم التناظر المجرد أو التجريدي symétrie abstraite المعروف علمياً باسم قياس التماثل symétrie de jauge. بعبارة أخرى يعتقد أغلب العلماء أنه يتعين على ما يعرف بمشكلة المراتبية problème de hiérarchie أن تجد حلاً من خلال إضافة مبدأ عام جديد لنظرياتهم المألوفة والذي من شأنه نظرياً على الورق أن يضيف مصطلحات ومفاهيم رياضية جديدة توازن معادلاتها عالم كارثة أو تشوهات هيغز catastrophe du Higgs والتي تتجسد بحالات معروفة من قبيل : التماثل الفائق Supersymétrie والتكنيكولور technicouleur، ومصغرات هيغز Little Higgs، والأبعاد الإضافية dimensions supplémentaires الخ ...، وهو الأمر الذي تميل له كافة النظريات التي تتعدى النموذج المعياري منذ ما يزيد على الأربعة عقود وكلها تتوقع حدوث ظواهر جديدة سوف يتم رصدها وتسجيلها مع تقدم الوسائل التكنولوجية &وبالأخص على شكل جسيم أولي جديد يتعين اكتشافه خارج منظومة جسيمات النموذج المعياري ولهذا تم تشييد صرح مصادم ومسرع &الجسيمات العملاق والمكلف جداً حيث تجاوزت كلفته العشرة مليار يورو.&
من هنا يعتقد علماء الفيزياء أن اكتشاف جسيم جديد من شأنه أن ينقذ الفيزياء وينتشلها من الركود والمراوحة في نفس المكان فهو قفزة حقيقية إلى الأمام باتجاه فك المزيد من الألغاز والأسرار التي تكتنف عالمنا المادي وكوننا المرئي. &
&
&