لقد إنتشرت حالات التوحد لدى أطفال العالم في السنوات &الأخيرة & وأثبتت دراسة حالية في الولايات المتحدة على أن ١ من كل ٥٠ طفل أمريكي في سن الدراسة مصاب بخلل التوحد ، وقد بلغت نسبة الزيادة عن عام ٢٠٠٧ حوالي ٧٢٪ . ولو إطلعنا على النسب العالمية لوجدنا أن كل ١٠ آلاف حالة ولادة هناك ( ١٥ - ٢٠ ) حالة خلل توحدي ، وتبلغ حالات التوحد في كل أنماطها بالولايات المتحدة الأمريكية حوالي ٥ مليون طفل . وأشارت الدراسات إلى أن إصابة الذكور هي أكثر من الإناث ، حيث قد تبلغ النسبة ٤ مرات أكثر من الإناث .
أما في الدول العربية فقد إنتشرت حالات التوحد موخراً حتى أصبح في العراق مثلاً ٧٥ طفل لكل ١٠ آلاف . وفي دراسة أجراها معهد كامبردج عن المصابين بالتوحد في العراق توضح بأن التوحد قد إنتشر بنسبة كبيرة مقارنة قبل عقدين من الزمان . أما في سلطنة عُمان فهناك ١،٤ حالة لكل ١٠ آلاف طفل ، وفي دولة الإمارات هناك ٢٩ حالة لكل ١٠ آلاف طفل . كما إنتشرت هذه الحالات في دول عربية أخرى مثل مصر ، ليبيا ، تونس ، ولم يبلغ الإهتمام بهذه الحالات المستوى المطلوب ، لذا يشكل علاج هؤلاء الأطفال عبئاً مادياً على العائلات العربية الفقيرة ، وتؤكد التقارير على أن متوسط التكاليف الطبية للطفل المصاب سنوياً تبلغ أكثر من ١٠٧٠٠ دولار سنوياً . وقد تكفلت بعض دول الخليج إقامة معاهد ومؤسسات تربوية وعلاجية لهؤلاء الأطفال مثل دولة الإمارات المتحدة .
إن إنتشار الخلل الدماغي المسمى التوحد أو الخلل الذي يصيب وظائف المخ الإنساني في الدول العربية قد أدى إلى حرمان شريحة كبيرة من الأطفال العرب من الحياة الطبيعية والذين يُفترض أن يكونوا بعد سنوات قليلة شباباً تنتظر منهم أوطانهم الكثير لكن ما سيقدمونه هو القليل وفي نفس الوقت يمتلك هؤلاء الأطفال قدرات ومواهب إبداعية يمكن الإستفادة منها إذا توفرت العناية اللازمة لهم &حتى سن البلوغ . إن ألأوضاع الحالية لأطفال التوحد تسبب الكثير من الأحزان لآلاف الأمهات العربيات .
ولو حللنا أسباب الخلل المنتشر بين أولادنا لوجدنا أن أهم أسبابه هو التلوث الهائل الذي أصاب الكثير من أجزاء الوطن العربي وخاصة دول النفط وقد سبب هذا الكثير من التشوهات الخلقية والعصبية ، فمحارق النفط والغازات المنبعثة ، وشحة المياه وتلوثها والأغذية المُسمدة كيمياوياً أو المعاملة جينياً ، والتلوث الحاصل في الهواء حيث أكوام المزابل والمجاري المائية الملوثة في المدن والقرى العربية ، مع الإستخدام الغير علمي للمبيدات الحشرية . ويزيد في هذا تفاقم الأوضاع النفسية والجسدية للأمهات الحوامل حيث تعاني الأم العربية من قسوة الظروف الإجتماعية في البيت والشارع والمجتمع وكثرة المشاكل النفسية التي تعاني منها المرأة العربية ، فهي موضوعة دائماً كفاصل ما بين الخير والشر والكفر والإيمان ، وهي تبتلع الكثير من السموم الإجتماعية والأخلاقية ، ولوحظ أن الكثير من النساء العربيات اللواتي مرّ بدولهن الربيع العربي العاصف ، يبتلعن أيضاً الكثير من المهدئات لتهدئة مشاعر الخوف وعدم الطمأنينة لديهن . وقد تضطر النساء الحوامل إلى أن يقبعن في بيوتهن فيبقى محيط البيت وجوِه الخانق هو البديل عن التنزه في الحدائق والمنتزهات والتي تحمل للأم وطفلها الكثير من الأوكسجين الذي يؤثر تأثيراً إيجابياً على نمو الدماغ في الأجنة ، كما أن رياضة المشي تساعد كثيراً لتحريك الدورة الدموية في جسم الأم الحامل .
إن ظاهرة التصحر التي إنتشرت في الدول العربية قد ساهمت مساهمة فعلية في عدم صحة الهواء والماء ومما أثر سلباً على صحة الأجنة وأدى ذلك إلى إنتشار ملحوظ في عدد الأطفال المتوحدين والذين سيوضعون قريباً في مرتبة الشباب غير المنتجين إلا إذا أُستغلت مواهبهم في مجالات مثل الموسيقى والرياضيات والرسم والنحت ، ولهذا يجب أن يتواجد كادر علمي متخصص ومؤسسات تربوية متخصصة تقوم بالعلاج التربوي والنفسي مع تطويرها لإبداعات هؤلاء الأطفال ، وأعتقد أن القليل من الدول العربية قد أولت الرعاية الكافية لهؤلاء الأطفال وبضمنها بعض دول الخليج .
إن المقارنة بين رعاية الدول الغربية والرعاية الحاصلة في الكثير من الدول العربية لأطفال التوحد تعطي صورة كاملة للغبن الحاصل لهؤلاء الأطفال ، حيث يرعى هؤلاء في الدول الأوربية مؤسسات علمية نشطة تلتزمهم طوال حياتهم وبالنتيجة تتطور أوضاع هؤلاء الأطفال فيصبحون منتجين فاعلين ويخرج منهم أحياناً نوابغ في مجال الموسيقى والرياضيات ، وفي حالة عدم قدرتهم على العمل تلتزم الدول بإعالتهم طوال حياتهم . ولو سلطنا الضوء على الكثير من المتوحدين في الدول العربية لوجدنا أنهم ضمن أوضاع يُرثى لها ويوضعون في خانة المجانين أو المختلين عقلياً أو المتخلفين . ويعالج الكثير منهم من قِبل أُسرهم بأساليب متخلفة وبواسطة السحرة والمشعوذين على أساس أنهم قد مُسو من قِبل الجن ، وقد يعاني الكثير منهم من الضرب المبرح أو الكي بالنار لكي يخرج هذا الجن .
إننا نعامل هؤلاء الأطفال كما نعامل ثرواتها المحلية ، أي بلا علمية كاملة وبمنظور خرافي تعدته الأزمنة والحِقب ، فمواردنا &تُستهلك بدون أن تكون منتجة أو مطورة ، كذلك الإنسان العربي لا تُهيأ له الأسباب الموضوعية الكافية للنمو والتطور ، والملاحظ أن &الكثير من الدول العربية تعاني من مصادر &الإشعاع بعد أن أصبحت مقبرة للنفايات النووية كما حدث في العراق وسوريا ، فبدلاً من أن تكون مصدراً للخير والعطاء في إستهلاك وتنمية الموارد الطبيعية والمحافظة على نظافة البيئة من جميع أنواع التلوث لكي تُنتج هذه البيئة عنصراً إنسانياً غير ملوث &أصبحت بقاع عديدة في هذه الدول مصدراً للفناء الإنساني جسداً وعقلاً .
نيوزيلندا&
التعليقات