عندما قُصفت مدينة (حلبجة) (١) بالسموم القاتلة صمتت الجامعة العربية اوبالاحرى ولم تنطق بكلمة إدانة واحدة بعد ان اعتبرتها (شانا داخليا لا يجوز التدخل فيه).

وعنما تأنفل الشعب الكردي، لم نسمع شجبا ولا استنكارا من قبل (رابطةعلماء المسلمين) والأنظمة العربية والإسلامية لأعتقادهم بانها اي الأنفال كانت حملة (ضد الخونة والمتمردين والمخربين وعوائلهم).

صفق قسم منهم لصدام حسين عندما احتل الكويت لانهم كانوا يؤمنون بارجاع (الفرع للاصل) وان الكويت هي المحافظة رقم(١٩) العراقية.

كما صفّق آخرون ومجدوا الدكتاتور صدام حسين اعظم تمجيد عندما كتب (القرآن ) بدمه و باركوه وبايعوه عندما زايد عليهم بتشكيل (جيش القدس) ليدافع عن (الامة العربية ومنجزاتها ) بعد ان دافع عن (البوابة الشرقية وانتصر على الفرس المجوس)، واعلن البعض عن اسفهم الشديد لعدم حصول (بطل الأمة العربية) على قطعة ارض بجوار إسرائيل كي يحرر فلسطين من النهر الى البحر.

لقد سكتت الأنظمة العربية، وهنا اضع خطا احمر عريض تحت كلمة (الأنظمة العربية) سكوت الموتى عن جرائم النظام العراقي البائد التي لا تعد ولا تحصى وعملت بعضها لارضاء الدكتاتورصدام حسين وحتى بعد سقوطه وانكشاف اوراقه وازاحة القناع عن وجهه القبيح والأثبات بالدليل القاطع بان النظام العراقي البائد كان عدوا للأمة العربية والدين الإسلامي وكل الأديان السماوية الاخرى الا انهم بقوا على عاداتهم في الدفاع عن صدام حسين ونظامه الدموي بحجج واهية.&

كما شاهدنا عبر الفضائيات المئات من المحامين العرب الذين تطوعوا للدفاع عن رموزالنظام البعثي البائد، وهم يستهزئون بالضحايا ممن نجوا باعجوبة قريبة من المعجزة من حفر الموت ومن مخالب وبراثن الكلاب والذئاب البشرية البعثية في عمق الصحراء العراقية ومن سمومهم القاتلة في جبال ووديان كردستان، فمنذ اللحظة الأولى من بدء جلسات محكمة الأنفال وحتى قبل قضية الأنفال عملت هيئة الدفاع عن صدام حسين لخلط الأوراق وذالك لمحاولة تضليل الرأي العام العربي والإسلامي والدولي من جهة، ومحاولة تجميل وجه النظام البائد وتبرير جرائمه وتصويره وكانه ضحية للعدوان الامريكي والصهيوني من جهة اخرى.

نتذكر جيدا كلام المحامي ( بديع عارف عزت) عندما استهزأ بالشاهدة (نجيبة تقي صوفي من أهالي قرية (باليسان )والتي فقدت اطفالها الابرياء اثناء قصف قريتها المغدورة بالسلاح الكيمياوي ) وقال مستهزءأ بها : ( الشاهدة شمّت رائحة الثوم في بيتها وتصوّرت بانها رائحة السموم ).

&ونسى هذا الشخص بانه أمام قضية كبرى و جريمة اكبر هي عمليات الأبادة الجماعية المعروفة باسم عمليات الأنفال التي يندى لها جبين البشرية، واستخدام الأسلحة المحرمة دوليأ بحق القرويين العزل.&

اما المحامية اللبنانية (بشرى خليل)( ٢ ) فهي لم تخف إعجابها وإنبهارها بـ( صدام حسين ورفاقه الأبطال ) واحبتهم بصدق ودافعت عنهم باخلاص، حيث قالت بعد التحاقها بهيئة الدفاع عن المجرم صدام حسين بانها (تدافع عن صدام ورفاقه بالنيابة عن القومية العربية).

ومن الجدير بالذكر ان المتهمين وهيئة الدفاع عن صدام حسين لم يستطيعوا ان ينكروا او ينفوا وقوع تلك الجرائم الشنيعة بحق الشعب العراقي بشكل عام والشعب الكردي بشكل خاص، وذالك لكثرة الادلة القاطعة والوثائق الثبوتية والكتب الرسمية والرسائل الموجهه الى صدام حسين من قبل ( ابطال عملية الأنفال من القادة العرفاء مع الأحترام لمهنة العريف) ومن صدام حسين الى كبار رموز القيادة الميدانية الذين كانوا يتلقون الاوامر مباشرة منه ومن (علي الكيمياوي ) وعليه لم يستطيع هؤلاء (الأبطال )خلال كل هذه الجلسات ان ينفوا او يطعنوا بما وجه اليهم من التهم.. طبعا لكثرة الوثائق المقروءة والصور والوثائق الصوتية والادلة الدامغة الاخرى بالاضافة الى شهادات وقصص الشهود والضحايا الناجين من المسالخ والمجمعات القسرية والسجون والمعتقلات والحفر الرملية في عمق الصحراء العراقية، الذين ادهشوا العالم بسرد قصصهم الواقعية الممتزجة بالسموم والرمال وبلعنة الغيلان في تلك الحملات التي عرفت(بالأنفال) الاكثر من سيئة الصيت....&

ان خبر اعدم صدام حسين شنقا حتى الموت بعد ان وقف ذليلا امام الطبيب الاميركي الذي كان يفحص شعر رأسه لمعرفة ما اذا كان فيه (قمل) بعد ان اخرجوه من حفرته النتنة وهو يرتجف كجرذ مذعور.. خيّب امال بعض الأنظمة العربية حيث اعلنت الحداد واقامت مجالس العزاء على روح (القائد المعدوم).&

اما الفضائيات العربية فقد شهدت فورانا وغضبا داخليا وسرعان ما صبت جام غضبها على الشعب العراقي المظلوم وبدأت بصب الزيت على الناركعادتها بحملات السب والتشهير والأساءة للشعب العراقي وبرش السموم المدفوعة الثمن على شكل جرعات لتسميم عقل الإنسان العربي البسيط الذي لا يعرف الكثير عن ألام وماساة العراق والعراقيين، بالضبط كما تفعل اليوم وتمجد اعمال داعش الارهابية بحجج واهية وتكيل بعدة مكاييل.&

وفي الختام اقول:&

رغم مرور كل هذه السنوات، إلا أن (حلبجة ) لاتزال تعاني من تبعات القصف الكيمياوي الصدامي، و لايزال أهالي هذه المدينة المنكوبة وضواحيها يشعرون بضيق التنفس والأحمرار والحكة في العين وحرق الجلد واحتقان الرئة والتعرق والتقيؤ والربو والسرطان وعاهات وإضطرابات عصبية وتخلف عقلي وشلل دماغي والعقم ومشاكل البصر واعراض مرضية مزمنة كثيرة اخرى.

ولغرض إجراء فحوصات لتربة المدينة التي قصفت بالسموم القاتلة قبل اكثر من (٢٨ )عامأ، زار وفد بريطاني متخصص بالاسلحة الكيمياوية مدينة حلبجة و قام بإجراء فحوصات لتربة المدينة التي تعرضت للقصف بخليط من الغازات السامة المميتة،كغاز الخردل وغاز الأعصاب ( سارين) وغاز التابون وتبين وجود بقايا من غاز الخردل القاتل في عدد من الملاجئ وأقبية المنازل, وعليه تفاجأ أعضاء الفريق البريطاني بوجود تلك الغازات وطالبوا اصحاب تلك الأقبية بعدم لمس التربة.

ان التحاليل العلمية والمختبرية أثبتت من جديد بان الأضرار الكيمياوية بغازي ( الخردل والسيانيد ) يبقى تاثيرها مستمرأ على مدينة حلبجة المغدورة واهلها الى ما لانهاية.

اختتم مقالتي بكلمات المفكروالباحث العراقي الكبير (هادي العلوي )(3 ) الذي وصف مجزرة حلبجة بالنكراء وكتب لأطفال حلبجة براءته من هويته وقال : ( ليس من المعقول ابداً وليس من المنطقي ابداً ان يستمر هذا النهر من الدم في الجريان دون ان يسعى احدٌ لتسكيره. أي عشق للقتل يتلبس هذا الرجل، الذي لم يعد قادراً على العيش خارج هذا النهر؟حتى كأن السلطة لم يبق لها معنى سوى تحرير مراسيم الموت بلا حدود وبلا سبب وبلا هدف. هذه القرى الوديعة، البسيطة، المتصوفة في زوايا جبال ٍ طالما فاضت على العراقي باللبن والعسل واستقبلته بنداء كاكه، الذي يعني عند الاكراد انك آمن على نفسك ومالك وكرامتك الشخصية. فالكردي العادي هو مثل سفوحه الخضراء، لا يصدر عنه الا الطيب، حتى لصوصهم وقطاع الطرق منهم يملكون من القيم الاخلاقية، ما لا تملكه اكثر الجيوش تحضراً.&

ايها الطفل الكردي المحترق بالغاز في قريته الصغيرة على فراشه او في ساحة لعبه هذه برائة من دمك.. اقدمها لك باستحياء، ينتابني شعور بالخجل منك، ويجللني شعور بالعار امام الناس، اني احمل نفس هوية الطيار الذي استبسل عليك وليت الناس اراحوني منها، حتى يوفروا لي برائة حقيقية من دمك العزيز، انا المفجوع بك، الباكي عليك في ظلمات ليلي الطويل في زمن حكم الذئاب البشرية، لم نعد نملك فيه الا البكاء..اقبلها مني ايها المغدور، فهي برائتي اليك من هويتي)........

يتبــع

ــــــــــــــــــــــــــــــ

١ حلبجة : تقع مدينة حلبجة في اخضان جبال ( شنروي وسورين وهورامان ) تبعد (خمسة عشر) كيلومتر عن الحدود الايرانية، في السادس عشر من اَذار/ مارس ١٩٨٨ وبامر من (صدام حسين ) تم قصف المدينية المنكوبة بالاسلحة المحرمة دوليأ منها ( القنابل العنقودية والنابالم والاسلحة الكيمياوية ( غاز الخردل، الاعصاب، الفوسجين والسيانيد )، استشهد( خمسة الاف مواطن كردي بينهم نساء واطفال وتشوهت اجساد اكثر من٧ الاف) شخص خلال الدقائق الاولى من القصف الوحشي، ومن الملفت للانتباه ان طيران النظام البعثي الفاشي قام اولا بقصف حلبجة بالقنابل العادية، ثم اغار عليها بالقنابل الكيمياوية وعليه تحولت حلبجة المغدورة خلال دقائق الى مقبرة جماعية لاحصر لها.

٢ـ بشرى خليل :احد اعضاء فريق الدفاع عن صدام حسين وساعي بريد ما بين صدام وعزت الدوري ( حسب ادعائها )، طردت اكثر من مرة من جلسات محاكمة صدام بعد مشاحنات مع رئيس المحكمة،وخاصة بعد ان جددت انتقاداتها لوجود حراس امريكيين في قاعة المحكمة واصفة هذا الامر بانه يشكل عامل ترهيب وتخويف لصدام، وقالت نصأ:(ان وجود حراس امريكيين في قاعة يحاكم فيها صدام يساوي وجود ضباط من النازية في محكمة كان من الممكن ان يحاكم فيها شارل ديغول مثلا).

٣ـ هادي العلوي، مواليد بغداد 1933-1998 مفكر و كاتب و باحث عربي عراقي كبير، عبّر عن صداقته الاصيلة للشعب الكردي بمواقفه الرصينة في الوقوف بجانب الحق و العدل و ضد استعمال الاسلحة الكيمياوية في كردستان في الثمانينات من القرن الماضي.&