&
" الاعتذار ليس حلاً عندما تقرر تكرار نفس الخطأ بعد كل اعتذار"
ندى العمير
صحيح أن مفهوم الاعتذار قد يكون مفهوماً ثقافياً بحد ذاته، ولكن من جهة أخرى فلا شك بأن للاعتذارات مواقع وحدود ومناسبات ومعايير، إذ وحسب كليدا مولاج الباحثة في مركز الخليج للأبحاث أن في أدبيات الاعتذار السياسي يطرح المؤلف جيرما نيغاش أربعة معايير محددة لعملية الاعتذار العام الناجحة في كتابه ذاك، وهي تمثل الحد الأدنى من متطلبات الاعتذارالعام الناجح في حالات الجرائم العامة، بغض النظر عن مطالبة الضحايا من عدمها، وهي: 1ـ الاعتراف، 2ـ قول الحقيقة، 3ـ تحمُّل المسؤولية، 4ـ الندم العام.
ووفق المعايير التي تمثل جوهر الاعتذار السياسي فهل يا ترى ثمة مكان ما لثقافة الاعتذار لدى العاملين في مملكة قنديلستان التي غدت أشبه ما تكون بغرفة عمليات مسالخ تقديم القرابين السنوية في المملكة العربية السعودية في عيد الأضحى، حيث أن هذا الحزب الذي يتخذ من قنديل مركزاً لقيادة وإصدار عملياته باسم النضال من أجل شعاراتٍ وأهدافٍ لا تزال كالزئبق تارة تكون معلقة في كبد السماء وتارة تلامس الحضيض، وبمجملها هلامية، اهليلجية يصعب التفريق بين بطنها وظهرها، حيث أنه في عام واحد قدم 7600 شاب كوردي ليقتلوا بآلة الاجرام العسكرية في تركيا، وقد أعلن عن الرقم رسمياً منذ أيام وزير الدفاع التركي فكري إيشيق، القائل بأنه منذ شهر تموز العام الماضي الى شهر تموز الحالي تم القضاء على أكثر من 7 آلاف و600 عنصر من حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا، وذلك في تصريحه الذي بثته وكالة أنباء "الأناضول" في التاسع من هذا الشهر، مؤكداً أن بلاده ستواصل مكافحة الإرهاب بشكل حازم حتى يقوم عناصر "بي كا كا" بالتخلي عن السلاح، ومغادرة حدود تركيا.&
ومن ناحيته فقد تساءل الكاتب الكردي جمال حمي قائلاً: أهي الحماقةُ والتهوّر ما دفعا حزب العمال الكوردستاني إلى الدخول في مواجهة عسكرية غير متكافئة مع ثاني أقوى جيش في حلف الناتو بأسلحة خفيفة، أم هو التواطؤ مع إيران ما دفعه لزج شباب الكورد في المحرقة التركية، والتسبب في خراب ودمار مدن وقرى الكورد في كوردستان تركيا وتهجير أهلها ؟؟ مضيفاً بأن أفشل القادة العسكريين في العالم لا يقحمون عناصرهم في حرب مدن وشوراع دون مبرر مع جيش عادي فضلاً على أن يواجهوا جيشاً جراراً كالجيش التركي المسلح أقوى تسليح عسكري في الشرق الاوسط.
هذا ناهيك عن حرب الأربعين سنة من دون أية نتيجة توازي الدماء التي أزُهقت باسم الكفاح المسلح، فمن الحوادث المفجعة التي تسبب بها عناصر حزب العمال الكردستاني مؤخراً ومن دون تقديم أي اعتذار رسمي على ما اقترفوه هو الصّهريج المفخخ الذي فجّره عناصر الحزب في ليلة 12 أيار في قرية تانشق التركية بين دياربكر وصور، والذي أدى إلى سقوط 15 مواطن كردي بتركيا، حيث قال الكاتب عبدالله النجار عن الحادثة أن القرويين اعترضوا طريق الشاحنة المذكورة التي كانت محملةً بـ15 طن من المتفجرات ومتجهة إلى ديار بكر، في محاولةٍ منهم لمنعها من إكمال طريقها، إلا أن أوامر من قنديل وردت لقائد الشاحنة بتفجيرها عن بُعد وسط القرويين المتجمّعين، وهو ما تمّ فعلاً، وأدى إلى حادثة مستنكرة من الكل ولم يستطيع حتى عشاق المدرسة الاوجلانية الدفاعَ عن العمل الشنيع.
وحيال الحادثة نفسها كان قد أعلن الرئيس المشترك لحزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرتاش، "وجوب حزب العمال الكوردستاني بأن يعتذر عما بدر من عناصره"، كما أنه ومنذ يومين ووفق ما نُشر في وسائل الاعلام أن الكاتب والبرلماني المستقل في كتلة حزب الشعوب الديمقراطية (آلتان تان) طالب من أحد أقانيم قنديل أي (دوران كالكان) الإعتذار والإستقالة، وضرورة إحداث تغيير ضمن الحزب، والقائل بأن لا مبرر للعنف الذي يقوده حزب العمال الكردستاني.
ولكن ومن خلال قراءة مسيرة هذا التنظيم يبين بأنه لم يتعود على الاعتذار لشعبه منذ تأسيسه، أما للآخرين فهو يتنازل لهم يعتذر منهم بكل سهولة، ومن اعتذاراتهم المشهورة للآخرين، اعتذار جميل بايك القيادي البارز في حزب العمال الكردستاني عبر التلفزيون الألماني في التاسع من نيسان العام الماضي عن الهجمات التي شنها الحزب داخل ألمانيا في فترة التسعينيات، وقبله كان زعيم الحزب نفسه أي عبدالله أوجلان قد قدم اعتذاره لأمهات الجنود الاتراك الذين قضوا في المعارك مع حزب العمال الكردستاني، وفوقها رسالة "العار" التي أرسلها عبدالله أوجلان عبر برلمانيين من حزب الشعوب الديمقراطية في نوروز العام الماضي بديار بكر والتي دعا فيها أعضاء تنظيمه إلى ضرورة عقد مؤتمر لإنهاء الكفاح المسلح ضد تركيا، وبالمناسبة فقد كانت رسالة أوجلان خالية تماماً من حقوق القومية الكوردية، بل وتمجد خارطة سايكس بيكو، كما كانت خالية من كلمة كورد أو كوردستانية، والرجل ترك حقوق الكورد و راح يطالب بوحدة تركيا، وإلقاء السلاح لمصلحة الأمن القومي التركي، والقول بأن حزبه كان على خطأ في محاربة الأتراك، وأن مقاومة كوباني ليست كوردية بل هم ساندوا اخوتهم العرب السوريين، وأن الرجل يحاول أن يحافظ على إرث الأتراك والدولة التركية، وأن ثورته من أجل الشعوب الأخرى وليس في خدمة القضية الكوردية، وأكد في رسالته "العصماء" تلك على وحدة تركيا والجمهورية التركية، إذ ومن خلال تفكيك وفهم فحوى الرسالة الأوجلانية قد يصل القارئ المتفحص بتحليله إلى مشارف اليقين بأن هذا الحزب خلال 40 سنة من القتال والتي راح ضحية معاركة أكثر من 40 ألف شخص، وإفراغ 3000 آلاف قرىة في شمال كوردستان كان عملاً متعمداً ووفق اتفاقٍ مسبق بين قادة حزب العمال الكردستاني وبين الدولة التركية، وذلك للتخلص من القضية القومية الكردية في تركيا برمتها عن طريق الاستنزاف البشري والاقتصادي الطويل الأمد.
وبمناسبة الاعتذار فإن الضمير الحي واحترام الذات كانا قد دفعا بسفير تركيا للنوايا الحسنة لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية للعلم والثقافة “اليونيسكو” الشهر الماضي الى تقديم استقالته، بسبب تدمير قطاعات كبيرة من موقع تراثي خلال الاشتباكات بين الجيش التركي وحزب العمال الكوردستاني في منطقة سور آمد (ديار بكر) بكوردستان تركيا، متهماً بذلك حكومة بلاده بانتهاك حقوق الإنسان.
ووفقاً للمعايير الرئيسية التي وردت في كتاب جيرما نيغاش أي: الاعتراف، قول الحقيقة، تحمُّل المسؤولية، الندم العام، فهل بمقدور هذا التنظيم الاعتراف بكل ما اقترفه بحق الشعب الكردي بالتوازي مع جرائم القوات التركية بحق الشعب الكردي؟ وهل بمقدور هذا الحزب قول حقيقة نضاله المزعوم للناس وبالتالي تحمل مسؤولية ذلك؟ علماً أن القرائن لا تشير إلى ذلك علماً أن بايك يعتذر وأجلان يعتذر ولكن لمن؟ للآخرين وليس للشعب الكردي! علماً أن من كان أولى بالإعتذار هم المدنيون الأبرياء في المناطق الكردية بتركيا ممن سقطوا ويسقطون كضحايا دائمين لمغامرات القادة الدونكيشوتيين في حزب العمال الكردستاني منذ أربعين سنة، ولم يكن أولى بالاعتذار ذلك العسكري في جبهات القتال، ذلك الذي قدم اعتذاره إليه السيد عبدالله أوجلان، عموماً مافائدة الاعتذار أصلاً إذا ما كان الخطب نفسه سيتكرر ويُعاد كل مرة، أليس الاعتذار حينها يكون بمثابة اسخفاف صارخ بعقول الناس وأرواحهم؟&
وفي الختام وسعياً لإيقاظ العقول الغافية مِن الوقع المؤثر للهتافات التي تخاطب العاطفة لدى مَن لا يزالون مخدرين ومخدوعين بشعارات حاخامت قنديل يطيب لنا إيراد مكتوب الدكتور أحمد برقاوي القائل فيه: "بأن الاعتراف بالهزيمة التاريخية انتصار للكل بما فيهم المهزوم نفسه، لأن المهزوم إذاك، يتحرر من وهمه الذي يدفع ثمنه أجساد الأحياء، ويعود الى الحياة الواقعية المتصالحة مع منطق التاريخ متحرراً من منطق غلبة القوة العمياء والهمجية"، ولا شك بأن قول الدكتور برقاوي لم يكن مخصصاً لجهة معينة، إنما هو يشمل معظم الحركات الثورية التي تعوِّل على السلاح والجماهير لإحداث التغيير بوسائل وأدوات وطرائق تبين مع الأيام إخفاقها يوماً بعد يوم.&
&
التعليقات