أخيرا كشف الحزب الديمقراطي الكردستاني عن نواياه من كل ما إختلقه من أزمة سياسية طاحنة خلال الشهور الماضية وأساسها إبقاء بارزاني على سدة رئاسة الإقليم الى حين وفاته ثم توريث السلطة لأنجاله وأحفاده.
فعقب توقيع الإتفاق السياسي بين الإتحاد الوطني وحركة التغيير تم عقد أول إجتماع بين المكتبين السياسيين للإتحاد والديمقراطي قبل يومين، وأبلغ وفد الإتحاد الوطني بصراحة ووضوح بأن ذلك الإتفاق يتعارض مع مصلحة حزب بارزاني، وبحسب مصادر سياسية مقربة من الاتحاد الوطني فإن قيادة بارزاني هدد بتقسيم كردستان الى إدارتين منفصلتين في حال لم يلغ الإتحاد الوطني إتفاقه السياسي الموقع مع حركة التغيير!
ويتذرع حزب بارزاني بموقفه هذا، أن الإتحاد الوطني لم يطلب موافقته المسبقة على الإتفاق قبل توقيعه مع حركة التغيير، وأنه كان واجبا عليه أن يأتي بمسودة ذلك الإتفاق لقيادة حزب بارزاني لختمه بالموافقة من قبل المكتب السياسي لحزب بارزاني بإعتباره الحزب القائد في كردستان.
ويعترض حزب بارزاني على عدة نصوص ورد في إتفاق الإتحاد والتغيير وتحديدا إتفاقهما على توحيد كتلهما البرلمانية في برلمان كردستان ومجلس النواب العراقي ومجالس المحافظات، وكذلك إعتراضه على سماح الإتفاق لإنضمام الأحزاب الأخرى اليه، وكذلك تغيير نظام الحكم الرئاسي الحالي الى البرلماني وعودة البرلمان الى وضعه الطبيعي دون أية شروط..
منذ أن إستفرد حزب بارزاني بإدارة إقليم كردستان في ظل غياب الزعيم الكبير جلال طالباني عن كردستان وإنشغاله في بغداد بمنصبه الرئاسي، يسعى هذا الحزب الى تكريس سلطته الدكتاتورية في كردستان، ولا يقبل لأي قوة سياسية أن ينافسه على سلطته الإستفرادية، ولا يقيم أي وزن لشركائه في الحكم وفي مقدمتهم شريكه الإتحاد الوطني الذي يجمعه مع حزب بارزاني إتفاق ستراتيجي وقع عام 2006 يقضي بتقاسمهما السلطة في كردستان، ولكن طالما شكى الإتحاد من إستفراد حليفه بالسلطة وتحكمه بمصير الإقليم وبالقرارات السياسية الكبرى والمصيرية.
وفي الفترة الأخيرة حين إنتهت الولاية القانونية لمسعود بارزاني كرئيس للإقليم وكذلك الولاية الممددة له والبالغة سنتين والتي إنتهت بدورها قبل عشرة أشهر مازال بارزاني متمسكا بمنصبه ولايريد أن يغادره تحت أي ظرف كان، فارضى نفسه خارج القانون على قيادة الإقليم، ومنذ ذلك الحين لا يطيق بارزاني وحزبه وجود أي حزب أو شخصية معارضة لنهجه الإستفرادي، ولذلك قام بتعطيل البرلمان بطرد رئيسه من أربيل العاصمة، ثم إلغاء إتفاقه السياسي مع حركة التغيير، ولجوئه الى التحكم بمصادر الثروة النفطية وإتباع سياسة تجويع الشعب بتخفيض رواتب الموظفين والشرائح الأخرى تحت غطاء الأزمة المالية في حين أن كردستان تصدر شهريا ما يقرب من 20 مليون برميل من النفط إضافة الى الموارد الداخلية التي تقدر بمئات الملايين من الدولارات.
بالنسبة لي فقد توقعت أن تصل الأمور الى هذا الحد في نهاية المطاف، ونبهت القوى الكردستانية عبر العديد من المقالات بأن حزب بارزاني سيقودنا الى تكرار تجربة الإدارتين المنفصلتين، لأنها لاتستطيع أن تتخلى عن السلطة وعن التحكم بموارد الإقليم تحت أي ظرف كان،وأنه يعتبر نفسه الحزب القائد وبقية الأحزاب تابعين له يجب أن يأتمروا بأوامره وإلا فإن خيار التقسيم الى ادارتين سيكون هوالخيار الوحيد أمام هذا الحزب لإستمرار حكمه الدكتاتوري ولو على جزء من كردستان.
المصيبة في هذا الطرح الجديد هي التداعيات التي ستخلفها هذه التوجهات الإنفصالية، فقد لا يدرك الكثيرون بما فيهم قادة حزب بارزاني بما ستؤول اليه الامور في حال إنقسمت كردستان مرة أخرى الى إدارتين منفصلتين. ففي الواقع أن نسبة أكثر من 65% من آبار وحقول النفط تقع حاليا في مناطق نفوذ تقليدية للإتحاد الوطني بما فيها نفط كركوك التي تعتبر اليوم المصدر الوحيد لتمويل حكومة الإقليم، وفي حال تكرس هذا الواقع التقسيمي فإن الإتحاد الوطني سيكون هو الأولى بثرواته النفطية لأنه سيدير أيضا منطقة شاسعة من الإقليم تتكون من ثلاث محافظات وهي السليمانية وكركوك وحلبجة بالإضافة الى إدارتين مستقلتين هما إدارة كرميان وإدارة رابرين، وهذه المناطق ستحتاج الى مصادر تمويل لإدارتها، وبذلك فإن الإتحاد سيوقف ضح نفطه عبر أنبوب الاقليم الى تركيا وسيضطر تحت ضغط الحاجة الى التمويل بتصدير نفطه إما عبر أنبوب شركة سومو العراقية، وإما سيبحث عن خط ناقل لنفطه عبر الأراضي الإيرانية البديلة، وبذلك فإن منطقة نفوذ وإدارة حزب بارزاني ستفتقر الى الموارد الكافية لإدارة شؤون إقليمه المنفصل، وهنا قد تحدث الكارثة الكبرى وهي اللجوء مرة اخرى الى القتال الداخلي من أجل السيطرة على تلك الآبار والحقول النفطية.
لقد أشغل مسعود بارزاني شعبه خلال الأشهر المنصرمة بطرح شعار الإستفتاء والمضي نحو تأسيس الدولة الكردية المستقلة، ورغم أن هذا الشعار كان طرحه بالأساس مجرد مزايدة سياسية أريد منها إشغال الرأي العام المحلي بهذه المسألة لنسيان الأزمة الأساسية وهي إنتهاء ولاية بارزاني، ولكن العديد من قيادات ومسؤولي هذا الحزب لم يخفوا رغبة زعيمهم مسعود بارزاني بتأسيس الدولة المرتقبة ولو على شبرين من الأرض كما يدعون، ولاندري بماذا سيجيبون شعبهم اليوم وهم يلوحون ويهددون بتقسيم كردستان الى إدارتين منفصلتين بعد أن صدعوا رؤوس شعبهم بمسألة الإستفتاء وتشكيل الدولة الكردية الموحدة.
نحن بإنتظار ما سيجري ترويجه من الآن فصاعدا لتبرير النهج الإنفصالي هذا، وما سيقولونه لشعبهم الجائع والضائع بين مغامرات قياداته السياسية، دعونا ننتظر ما سيقوله حكماء حزب بارزاني لتبرير هذا التوجه الجديد،وعندها سيكون لكل حادث حديث.
التعليقات