كان الرئيس التركي الاسبق المرحوم تورغوت اوزال يظهر كثيرا على شاشات التلفزة ويتكلم باسلوب بسيط ودون تكلف وكأنه في مقهى شعبي بين اصدقائه ليطلع الشعب على ما تقوم به الحكومة وهو رئيس للوزرا ء ولاحقا كرئيس للجمهورية.

في احدى تلك اللقاءات التلفزيونية سرد اوزال مادار بينه وبين جنرالات انقلاب 12 ايلول الرهيبة سنة 1980.
انني انقل ما بقي في الذاكرة وليس نقلا حرفيا للمقابلة التي جرت مع الرئيس اوزال.
قال اوزال: في اليوم الاول للانقلاب اخذوني الى مجلس قيادة الانقلاب. الجنرالات قالوا ان الانقلاب نجح تماما وانهم استولوا على قيادة البلاد دون سفك دماء ودون اية مجابهة او اضطرابات.المشكلة الوحيدة التي كانت تؤرق الجنرالات كان الوضع الاقتصادي المتأزم وقالوا انهم بحاجة الى المشورة والتوصيات معترفين انهم غير مؤهلين في مجال الاقتصاد وتعقيداته.
قال الجنرالات انهم بصدد اصدار قرار بوضع اليد على جميع المصارف الاهلية والحكومية ومنع نقل الاموال الى الخارج. قلت لهم ــ والكلام لاوزال ــ &ان هذه الخطوة هي خطوة انتحارية وسوف تؤدي الى انهيار الاقتصاد المهلهل اصلا. طلبوا مني التوضيح والشرح.
قلت ليست كل رؤوس الاموال موجودة في البنوك بل الكثير منه موجود خارج المصارف لاسيما الذهب والمجوهرات وما الى ذلك. ثم ان الاستيلاء على المصارف سوف يؤدي الى فقدان الثقة بالنظام المصرفي في البلاد وسوف تكون النتيجة هو انهيار النظام المصرفي بالكامل وشلل في الاقتصاد ولسوف نحتاج الى عقود طويلة حتى نتمكن من استعادة الثقة بالنظام المصرفي التركي الذي كان متطورا نسبيا &منذ ذلك التاريخ.
لم يقتنعوا.عندها طلبت من الانقلابيين ان نصبر حتى منتصف نهار اليوم التالي حتى اذا ظهرت بوادر الهروب بالاموال الى الخارج عندها بالامكان ان تصدروا قراركم هذا.
قال اوزا ل: انتظرنا في قلق شديد حتى الساعة الثانية عشرة من نهار اليوم التالي ولم يسحب احد ايداعاته من المصارف وتنفس الجميع الصعداء ولم ينهار النظام المالي في البلاد وسارت الامور على سجيتها دون تدخل في شؤون المصارف ورؤوس الاموال.
لمذا بدأت بهذه المقدمة ؟
في الحقيقة ان ما دفعني الى الكتابة في هذا الشأن هو صدور بعض القرارات في اقليم كردستان يمنع نقل الاموال الى الخارج.
اعتقد انه قرار خاطئ لان معظم رؤوس الاموال في كردستان موجودة تحت الوسادة وليست في المصارف بل القسم الاكبر تم تهريبه الى المصارف التركية منذ سنوات وذلك للاستفادة من الفائدة المصرفية المرتفعة في تركيا.
ثم ان رأس المال بامكانه اختراق الصخر والفولاذ للهروب نظرا لعلاقاته الحميمة مع السياسيين الكبار لا سيما الفاسدين منهم.
الاهم من كل هذا وذاك هو انه يفتح بابا جديدا للفساد والافساد من خلال تقديم الرشوة الى المتنفذين لتهريب الاموال والموضوع لا يحتاج الى المزيد من التوضيح.
اصحاب الثروات الكبيرة سوف يهربون اموالهم عن طريق المسؤولين الكبار والفأس ستنزل على رؤوس الكسبة الصغار الذين يقومون بالتجارة مع الخارج حيث سيتم تقديمهم كأسماك صغيرة للفاسدين من الحيتان الكبيرة. & &
في الايام القليلة الماضية صدر في اقليم كردستان قراران بهدف وضع حد للفساد وتحسين الوضع الاقتصادي بوجه عام.
القرار الاول اصدره رئيس الاقليم السيد مسعود البرزاني وكان يتعلق بالفساد بين المنتسبين الى الحزب الديمقراطي الكردستاني.
القرار الآخر يهدف الى الحد من تهريب الاموال الى خارج الاقليم !
اصلاح الاقتصاد ومكافحة الفساد باصدار القرارات والمراسيم اثبتت فشلها الذريع في كل دول العالم الثالث منذ القرن الماضي، لاسيما في منطقة الشرق الاوسط.
اسباب الفشل كانت متعددة ولكن السبب الاساس للفشل في الاصلاح ومكافحة الفساد هو ان تلك الاجراءات ومحاولات الاصلاح والتصدي كانت تأتي على ايدي نفس الادارة السياسية الحاكمة.
هذا ما يحدث الآن في الاقليم ايضا. جميع مشاهدي التلفزيونات يشاهدون بام الاعين ان لا تبديل في جهاز الحكم منذ عشرين عاما، ليس فقط الوزارات بل بدءا من المحافظين ورؤوساء البلديات وهيئات الاحزاب الحاكمة الى المدراء العامين ووو...... امر يدعو الى الدهشة والاستغراب.
من اوصل الاقليم الى هذه الازمات ؟ طبعا الاحزاب والادارات الحاكمة .
هل تصدقون ان هؤلاء سوف ينقذون الاقليم ؟
حبذا ولكنها مجرد اضغاث احلام.
المصيبة الكبرى هو انه بعد كل محاولة لاجتثاث الفساد وتحسين الاقتصاد من خلال قرارات المنع والحظر كانت النتيجة هو المزيد من انتشار الفساد وبالتالي المزيد من التدهور الاقتصادي.
في معظم الدول والمجتمعات النامية تؤدي قرارات وقوانين الممنوعات والمحظورات الى نتائج عكسية اي الزيادة في اشتعال الفساد والسرقة وتفشيه وانتشاره.
الوضع الاقتصادي في الاقليم ينذر بالانهيار والجميع سيتضرر والحل هو حكومة من التكنوقراط والخالية من الحزبيين والسياسيين.
يتوجب على الجميع الابتعاد عن التشفي والانتقام والاحقاد والبحث عن الحلول.... نحن جميعا في نفس السفينة....هل تريدون لها ان تغرق؟؟؟.....
تجدون ادناه رابطين لمقالتين تتعلقان بالموضوع نشرتها ايلاف سابقا.
بنكي حاجو كاتب كردي