&يقول الشاعر انسي الحاج إن الضحية ما إن تبدل موقعها فتصبح مالكة للزمام حتى تتحول في أغلب الحالات إلى جلاد لسواها". هذا ما يخطر على بالي مرارا حين أفكر في وضع العراق المتدهور مع العلم واستدراكا بأن غالبية من يدعون أنهم كانوا ضحايا النظام السابق لم يكونوا بالفعل كذلك ولكنهم استغلوا ظروفا مناسبة لهم للصعود والتسلط. فإذا بهم اجتثاثيون للبشر وللمعالم الحضارية ومتسابقون في نهب ثروات البلاد والعباد وراكبون وراء الجارة الشرقية باعتبارها عندهم المرجعية في كل شيء.

وهذا ما جعل علي يونسي احد مستشاري خامنئي ان يصرح قبل سنوات بان العراق هو عاصمة الإمبراطورية الإيرانية. أما ولايتي فقد صرح منذ أيام بانه لولا إيران لمحي العراق وأنه لا تحرير للموصل من غير مشاركة ميليشيات الحشد الشعبي. ومن بين هؤلاء الراكضين وراء إيران من فتحوا الأبواب أمام داعش في نينوى ليمارس أشنع درجات الوحشية ضد الأقليات الدينية والاثار الحضارية العريقة. ولم تقصر ميليشيات ولايتي في ممارسة التطهير الطائفي بعد ان كانت قد بدأت بمحاربة المسيحيين والصابئة المندائيين. وهي الأخرى تقوم بهدم معالم حضارية هامة وآخرها هدم جدارية جواد سليم التي كانت من رموز ثورة 14 تموز. وفي ما تعيش غالبية الشعب بين جوع وبطالة وفقدان للآمن وتدهور للخدمات فإن الصاعدين من "ضحايا" أمس المزيفين نهبوا مئات المليارات والعقارات والقصور.

وفي هذه المحنة ثمة حكومة تتدعي العجز ولكنه عجز يخدم قوى الردة والطائفية والعنف.

لقد انهزم مبدأ المواطنة أمام هجمة الفئوية المذهبية والدينية والعرقية، بالعكس مما كنا نعرفه في العهود التي كنا فيها نرضع الوطنية منذ الصغر في الابتدائية.

كنا ننشد في المدرسة "وطني لو شغلت في الخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي." و "وطني هواؤه في فؤادي ودمي"، و"نحن كشاف العراق خير جدن للوطن"، و"موطني موطني موطن البهاء والجلال"... وفي أيام عبد الكريم قاسم أضيفت أناشيد عن التآلف العربي الكردي وكان قاسم يوزر الكنائس وأماكن عبادة اليهود فضلا عن الجوامع ويتقرب من المرجعية الدينية الشيعية التي ناصبته العداء. وحصلت المرأة في عهده على حقوق مضاعفة سرعان ما تراجعت في العقد الأخير وأصبحت المرأة والطفولة في مقدمة

&

ضحايا الوضع الحالي

إن غياب الروح الوطنية هو الذي يفسر وراء ظاهرة الركض وراء الجارة الشرقية والتقوقع الفئوي وبدلا من أهازيج الكرد والعربة سوية راحت تنتشر أشكال من التمييز العرقي عربيا وكرديا بسبب أخطاء من هنا وهناك.

وصرنا نرى الميليشيات تهدد علنا بالقتل سفير دولة عربية وتقول أيضا إن الميليشيات هي أقوى من الجيش العراقي تسلحا وتأهبا مع ان مثل هذه الحالة ليست مدعاة للفخر.

لقد جرت تحركات شعبية بأمل الإصلاح ولكن قوى الردة والطائفية هي التي تغلبت في نهاية الأمر. ويجب أن يقال هنا أولا إن بعض قادة الميليشيات ساهموا في هذه التحركات لغرض تجييرها لهم، ثانيا إن الإصلاح لا يجب ان يشمل فقط مجرد محاسبة الفاسدين وتبديل هذا الوزير أو ذاك، بل الحاجة أيضا إلى إعادة نظر جذرية وجريئة في جميع المناصب الهامة ومنها السفارات والبعثات الحكومية في الخارج حيث تعشعش الطائفية والفساد والعجز الإداري.

الوضع العراقي هو في غاية التعقيد والتداعي ولا بصيص أمل للخروج من هذا النفق.