شغل مشروع قرار حظر منصة تيك توك الرأي العام الغربي عموماً، والتقني خصوصاً، بعد إقرار مجلس النواب الأميركي، يوم الأربعاء الثالث عشر من شهر آذار (مارس) الحالي، مشروع قانون سوف يؤدي إلى حظر منصة تيك توك وحذفه من متجر تطبيقات الهواتف خلال ستة أشهر، ما لم تقم المنصة بفك ارتباطها بالشركة الصينية الأم ByteDanc عن طريق بيعه.

القرار لا يعتبر نهائياً وساري المفعول، وإنما يتطلب إجراءات قانونية معينة، حيث سيُرفع المشروع إلى مجلس الشيوخ، الذي سيكون تصويته حاسماً في إقرار القانون، لأن الرئيس جو بايدن قد أشار، في تصريح سابق، إلى أنه سيوقع على القانون إذا تمت الموافقة عليه من جانب الكونغرس.

مشروع القانون الذي استند إليه المشرّع الأميركي في مواجهة تيك توك يُدعى "حماية الأميركيين من التطبيقات الأجنبية الخصمة الخاضعة للرقابة"، والذي يربط التطبيق بدولة تعتبر معادية أو "منافسة" للولايات المتحدة، وبذلك يريد أن يقول "من يدفع بهذا القانون للإمضاء" إلى أن الصين قد تستغل التطبيق للاطلاع أو التأثير أو التلاعب أو التجسس على بيانات 170 مليون مواطن أميركي يستخدم هذا التطبيق.

ويجب علينا الإشارة إلى أن مشروع حظر هذا التطبيق ليس بجديد في الولايات المتحدة، إذ كان الرئيس السابق دونالد ترامب يرغب بقوة بمنعه، وأصدر أمراً لبيع استثمارات شركة ByteDanc في السوق الأميركية، لكن هذا القرار لم يتم تنفيذه بعد صدور أمر قضائي أوقف ذلك، إلا أن ترامب، هذه المرة، قد عارض قرار مجلس النواب الأخير معتبراً أنه سيدعم نمو فيسبوك الذي يعتبر عدو الشعب الأميركي الحقيقي، بحسب رأيه، وموقفه المعلن من هذه المنصة.

إنَّ قضية حظر تطبيق تيك توك، بصورة تامة، كما فعلت الهند وأفغانستان، تعتبر من الخيارات المعروفة والمطروحة في الفضاء الرقمي المعاصر للتعامل مع شركات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تلجأ له بعض الدول لأسباب مختلفة، سنتطرق لها بعد قليل، لمواجهة بعض التطبيقات، بالإضافة لخيارات أخرى قد تقوم الدول، مثل فرض عقوبات أو غرامات مالية، مثل ما قامت به إيطاليا حينما غرمت المنصة 2.6 مليون يورو، أو حظره لفترة مؤقتة ثم رفعه كما قامت بذلك باكستان لعدة مرات، أو منع استخدامه على الأجهزة الحكومية التابع لدولة ما، كما فعلت عدة دول في الاتحاد الأوربي وكندا وأستراليا.

ومن خلال متابعتي لما يجري مع المنصة لعدة أشهر، يمكن إيجاز أهم الأسباب التي تدفع الدول لخيار حظر تطبيق تيك توك، وهي كما يلي:

الأول: البعد السياسي
وهو أحد أهم الأسباب التي تدفع العديد من الدول، خصوصاً الغربية، للجوء لهذا الخيار، لكن هذه الدول لا تعترف بهذا السبب، وتبرر موقفها بعبارات مختلفة مثل حماية البيانات وخصوصية المعلومات ومخاوف تتعلق بالأمن القومي والتجسس على المستخدمين والامن السيبراني ونشر الدعاية الصينية وغيرها، مثل ما وجدنا ذلك في تصريحات دول الولايات المتحدة والهند وغالبية دول الاتحاد الأوربي، وعندما أقول إن سبب حظر الدول لهذا التطبيق، يعود لأسباب سياسية، فإنَّ ذلك يرجع إلى عدم تقديم هذه الدول، ممن تتذرع بهذا السبب، دليلاً واحداً على هذا الادعاءات ، فيبقى سبب ربط التطبيق بالصين، والموقف منها، هو العامل الحقيقي الذي يدفع هذه الدول لاعتماد قرار الحظر فيما يتعلق بهذا التطبيق.

الثاني: السبب الأخلاقي
تتخذ بعض الدول قرارها بحظر تطبيق تيك توك لأسباب ترتبط بالمنظومة القيمية والاجتماعية والاخلاقية التي يخدشها ويمزق روابطها ما يجري في هذا التطبيق من تصرفات بحسب تصريحات من يتمسكون بهذا السبب، وقد أشار لهذا الأمر بكل وضوح، في بياناتها ضد التطبيق، دول باكستان و إندونيسيا وافغانستان والنيبال و بنغلادش.

الثالث: نشر مقاطع إرهابية
تطرقت إلى هذا السبب، وهي تعلل أسباب حظر التطبيق، مثل دولة الصومال، إذ أشارت إلى وجود منشورات ومقاطع إرهابية تستخدم لتجنيد الشباب، بالإضافة للسبب الأخلاقي التي ذكرته في بيانها.

وما دمنا تطرقنا للأسباب التي تدفع لحظر المنصة، علينا أيضاً أن نشير لملاحظة هامة، وهي أن هنالك نتائج اقتصادية وتبعات مالية لا يُستهان بها، ولا يمكن نكرانها، قد تترتب على حظر التطبيق، ففي حالة الهند، تشير الاحصائيات الرسمية إلى وجود 150 مليون شخص يستخدم التطبيق قبل حظره، ولهذا فان قرار الحظر قد دفع عشرات الشركات المحلية الهندية للعمل على إنشاء تطبيق شبيه بتيك توك من أجل سد حاجة الذين اعتادوا على التطبيق المحظور، وقد طُرحت عدة تطبيقات هندية محلية مثل تطبيق Josh وMX TakaTak وRoposo والتي تتنافس الآن للاستحواذ على السوق الهندي التي تعتبر سوق مهمة بل قد تكون من أهم الأسواق الآسيوية.

وفي حالة الولايات المتحدة، وصراعها مع منصة تيك توك، التي دفعتنا لكتابة هذه المقالة، نرى وجود جهات أو أطراف سوف تتأثر بقرار الحظر، فالمؤثرون سيخسرون متابعيهم والأموال التي يجنونها من هذا التطبيق، والمستثمرون في شركة ByteDance سيتضررون أيضاً من القرار حيث سينخفض سعر سهم الشركة، في مقابل الفائدة التي ستجنيها بقية مواقع التواصل مثل شركة ميتا ومنصاتها وإكس وغوغل وغيرها.

وبالرغم من هذا الصخب والتصريحات والمخاوف المرتبطة بالتطبيق، والحديث الرسمي عن حظره، فإنَّ الحقيقة "التقنية" الصارخة تشير إلى أن الحظر التام عن أي تطبيق هو وهم ولا يوجد في أي بلد في العالم حظر حقيقي عن أي تطبيق، حتى لو تم رفعه من متجر التطبيقات لبلد ما، وذلك بسبب وجود الشبكات الخاصة الافتراضية VPN، التي تمنح المستخدم وصولاً للتطبيق، ولذا فالصحيح والأدق هو استخدام عبارة تقييد الوصول للتطبيق بدلاً من حظره.