في عصر الشاشات، أضحت صناعة المحتوى مهنةً شائعة، فالجميع تقريبًا – وأقصد بالجميع من ينشرون في منصات الإعلام الاجتماعي – يُعَرِفونَ بأنفسهم كصنّاع محتوى. من يكتب نصًا، أو ينشر تسجيلًا صوتيًا، أو مقطعًا مرئيًا، أو صورة عابرة، كلهم في خندق تلك المهنة.

ولكن إلى أي مدى تتوافر النزاهة الرقمية في هؤلاء؟

هل ما ينشرون فعلًا حق فكري إبداعي، اجتهدوا في صنعه؟ أم أنه حصيلة سرقة؟

وكيف يمكن للمستخدم أن يميز بين صاحب المحتوى الأصلي، وبين المنتهك السارق؟ وهل فعلًا شأنٌ كهذا يُهِم المستخدم؟

اللصوص اللذين عرفناهم في شاشات السينما والواقع ملثمون، يخفون آثار جريمتهم، ويحرصون على التخفي. أما لصوص المحتوى الرقمي، فحدث ولا حرج، يسرقون في وضح النهار – والنهار تعبير مجازي أقصد به أمام مرأى ونظر من الجميع – فلا يستحي لص المحتوى من أن يسرق حقوق غيره، ويضع اسمه عليها. بل ويفاخر ويدعي كذبًا بأنه صاحب المحتوى الأصلي.

تلك الممارسات المجحفة التي تمارس من قبل شرذمة اللصوص، مثبطةٌ ومجحفة لكل مبدع مبتكر. وهي من معيقات النمو الإعلامي في الوطن العربي.

توصي منصات التواصل الاجتماعي دائمًا بالحرص على احترام حقوق الملكية الفكرية، وعدم المساس بها، ويمكن للمستخدم أو صاحب الحق المنتهك الإبلاغ. ولكن جزءاً من المعاناة سيبقى، وهو الوصول، لقد وصل المحتوى للجمهور. وحقق الانتشار، لكن مع اللص. فمن يعيد الاعتبار لصانع المحتوى الأصلي. باختصار حذف المحتوى المسروق لا يكفي. كما تسعى الجهات الرسمية المسؤولة عن حفظ حقوق (المؤلف) للتقنين والحد من تلك الممارسات، وتتيح منصات للإبلاغ وتسجيل المصنفات وهي جهود مقدرة ولكنها ما تزال في مهدها – خصوصًا في الدول العربية -.

أعتقد أن جزءاً من معاناة صنّاع المحتوى الإبداعي، يكمن في انتهاك حقوقهم، والأدهى والأمَّر أن يكون هذا الانتهاك من مؤسسة إعلامية – تدعي المهنية - تلك هي الطامة الكبرى، في الوطن العربي نلحظ تعديات متكررة من مؤسسات إعلامية على حقوق المبدعين وسرقتها. هذه الممارسات سواء من أفراد عاديين، أو مؤسسات إعلامية بلا مراء نتيجة حتمية لشيوع ثقافة السرقة. تلك الثقافة التي أضحت جزءاً لا يتجزأ من البيئة الإعلامية العربية. مع غياب – شبه تام – للعقوبات الصارمة الرادعة. والمستخدم في الغالب لا يكترث بكون المحتوى الذي يراه أصيلًا أو مسروقًا. فغايته المشاهدة وهي محققةٌ في كلتا الحالتين.

من الجدير بنا كمستخدمين أولًا، وكصنَاع محتوى ثانيًا، أن نكون على علم بأن الملكية الفكرية حقٌ أصيل لكل صانع محتوى إبداعي، وأن النمو الإعلامي والتميز والريادة لا تأتي بالسرقة والانتحال. أعي جيدًا صعوبة الضبط والحدّ من تلك الممارسات داخل فضاءات الإنترنت الواسعة، ولكن مجرد المحاولة والسعي، قد يحدث تأثيرًا.