كان من الصادم خلال الأيام القليلة الماضية أن ترفع مرشحة تونسية للرئاسة شعاراً "مفلساً"، لا يتسق مع واقع المجتمع التونسي، وطموحات الرجال والنساء ومشاغلهم اليومية والحياتية، وتدعو لتعدد الزوجات ظناً منها أنَّ التّعدد يقدم حلاً للأزمات الاجتماعية والمشاكل الاقتصادية في البلاد، بالرغم من أنَّ الرجل التونسي ليس بوسعه أن يفتح بيتاً واحداً، فما بالك باثنين أو ثلاثة أو أربعة بيوت، كما أنَّ حفيدات عليسة، قد تربين على رفض نظام "الاشتراكية" في الأزواج.

المؤسف أن تركب إحدى حفيدات عليسة وإبنة "محرر المرأة" الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة "قطار الرجعية"، وتسعى لتجربة حظها في كرسي قرطاج، عبر مشروع تعدد الزوجات. لكن يبدو أن هذه هي فكرتها الوحيدة عن المشاريع التنموية والاقتصادية والديمقراطية، وذلك هو طريقها الوحيد غالباً نحو السياسة! ولا شيء آخر على الإطلاق.

الأسوأ أنها اعتبرت تونس أشبه بمستعمرة نائية لتجرب فيها مشروعها "التعددي"، الذي لا يقوم على صورة واقعية للمجتمع التونسي وطموحات المرأة والرجل معاً، بل لعله يعكس أفضل اختياراتها الشخصية، ويتناغم مع طموحاتها، ولكنه ليس بالضرورة رغبة مجنحة لجميع التونسيين والتونسيات.

حازت تونس على إشادة دولية، باعتبارها النموذج العربي الذي أمسك بزمام المبادرة في مجال حقوق المرأة، وإلغاء تعدد الزوجات في قانون الأحوال الشخصية، الصادر عام 1956، لا يزال يشكل استثناءً في العالم العربي.

وكانت تونس سباقة في صياغة دستور، يضمن المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات منذ القرن التاسع عشر، وأول دولة عربية تمنح النساء حق التصويت منذ عام 1956.

وخاضت تونس على امتداد عقود طويلة من الزمن، معارك ضارية مع التيارات الايديولوجية والأحزاب الإسلامية، لترسيخ حقوق المرأة وتدعيمها، وإزالة جميع أشكال التمييز ضدها في القانون وعلى أرض الواقع.

إقرأ أيضاً: "تكفين" الحليب في تونس

وسبق لتونس، أن وقّعت على اتفاقية “القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” سنة 1979 ودخلت حيز التنفيذ سنة 1981، وتنصّ على أن “من حق المرأة أن تقوم بشروط مساوية للرجل بالتصويت في جميع الانتخابات وشغل المناصب العامة وممارسة جميع المهام التي يحدّدها القانون الوطني".

غير أن المعطيات المتوفرة حالياً على الساحة السياسية التونسية تبدو - غالباً - متناقضة، بل أكثر انفصاماً وتشويهاً للواقع التونسي، والرؤية الحقيقية لطموحات المرأة والرجل معاً.

بالنسبة إليّ كتونسية، لا أعتقد أنَّ المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها البلاد ناتجة عن انعدام تعدد الزوجات، كما أنه ليس مشروعاً مجدياً يكفل تحقيق التنمية لتونسين، بل هو مجرد شعار "عبثي" محمل بأوهام وأفكار "ضيقة البصيرة"، لن تسفر عن أي تغيير حقيقي وملموس في مفاهيم العدالة والحرية وحقوق الإنسان والازدهار في الحياة السياسية والاجتماعية، بل قد يأخذ الأسرة والمجتمع إلى وضع أكثر انخراماً، والبلاد إلى منحى أكثر خطورة.

إقرأ أيضاً: رجل أمن أم خبير عيون!

مجموعات كبيرة من التونسيين تشعر بخيبة أمل كبيرة، بسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي في البلاد، فيما لا تعكس شعارات الحالمين بكرسي قرطاج سوى مصالح تيارات إيديولوجية وانتماءات بعضهم السياسية، أما مصلحة البلاد والعباد، فقد أصبحت مرهونة لأوهام وهواجس البعض، ممن يعتقدون أنَّ التعدد سيوفر لهم حلولاً سحرية لمشاكلهم الحقيقية.

الأسوأ أنَّ معظم السياسيين التونسيين يرفضون تعلم سلوكيات الديمقراطية الحقيقية، ويلقون بفشلهم على غيرهم، خوفاً من أن يقوض ذلك من سلطتهم ويفقدهم نفوذهم، بالرغم من أنَّ الإقرار بالفشل والمسؤولية عن أي أخطاء، مع ضرورة تقبل النقد ووجهات النظر المخالفة، من القيم الأساسية لنجاح الأنظمة الديمقراطية، واللبنات الأساسية للمجتمعات الناجحة.