إيلاف من لندن: في العاصمة السعودية الرياض عمل استثنائي بعنوان "زرقاء اليمامة"، وهي أول أوبرا كبرى من إنتاج سعودي، تجسد رسالة تحاكي تراثاً عريقاً وتعزز مكانة المملكة العربية السعودية في الفضاء الفني العالمي.
يصب العمل في سياق خطط ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتحول اقتصادي واجتماعي وثقافي في البلاد، ويقدم تجربة استثنائية للمشاهدين، بإخراج فني متقن من إيفان فوكسيفيتش، رئيس "أرابيان أوبرا"، وهي شركة أنشئت في سويسرا للمساعدة في تطوير أداء الموسيقى الكلاسيكية ونشر تعليمها في الشرق الأوسط، وبأداء مذهل من قبل نخبة من المواهب السعودية والعالمية.
ذات البصيرة
"زرقاء اليمامة" شجاعة قبيلة جديس هي عنزة بنت لقمان بن عاد، التي كانت مضرب مثل في حدة البصر، وإحدى أشهر نساء العرب في العصر الجاهلي، والتي قرر القائمون على مشروع الأوبرا السعودية رواية قصتها.
ويحكي العمل كيف كافحت "زرقاء اليمامة" في تحذير قومها من خطر غزو وشيك، مستخدمةً بصرها الحاد الذي يُقال إنه يرى الراكب من على مسيرة ثلاثة أيام، ونالت مكانة مرموقة بين أفراد القبيلة.
يُقال إنها كانت تتمتع بموهبة التنبؤ بالمستقبل في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام. وكانت تنذر قومها من المعارك قبل أن تقع بينهم وبين القبائل الأخرى، مما دفع حسان بن تبع الحميري وقومه للاحتيال عليها، عبر تحصنهم بالأشجار، حتى يستطيعوا مباغتة قبيلتها، وبالرغم من ذلك، شاهدتهم وأنذرت قومها، ولكنهم اتهموها بالخرف، ولم يصدقوها، فاجتاحهم الخصوم وقضوا عليهم.
وانطلق عرض أوبرا زرقاء اليمامة يوم 25 نيسان (أبريل) ويستمر إلى 4 أيار (مايو) المقبل، على خشبة مسرح مركز الملك فهد الثقافي بالعاصمة الرياض.
الرئيس التنفيذي لهيئة المسرح والفنون الأدائية سلطان البازعي (واس)
سلطان البازعي: مرحلة جديدة
يرى الرئيس التنفيذي لهيئة المسرح والفنون الأدائية سلطان البازعي أن أوبرا "زرقاء اليمامة" تمثل مرحلة جديدة للثقافة السعودية، تتجسد فيها أشهر حكايات الموروث القصصي والثقافي على خشبات المسارح بأعمال نوعية حسب أعلى المعايير العالمية، موضحاً أنها ثمرة عمل استمر سنوات، وجرى تطوير كل تفاصيلها باهتمام بالغ.
ووفقاً للبازعي، فإن أوبرا "زرقاء اليمامة" تستمد قصتها وروحها ولغتها من ثقافة الجزيرة العربية، وتجسد مأساة دامية، تصور التاريخ القديم وترمز في الوقت نفسه لأحزان الإنسان المعاصر في العالم، دون أن تخلو من طيف الأمل، الذي يبشر بغد مزدهر.
مطربة السوبرانو الأسترالية أمليا واورزون أثناء الغناء في عرض الأوبرا السعودية "زرقاء اليمامة" (واس)
مأساة ملحمية مألوفة
هي قصة ذات صدى عالمي وفقاً للمخرج فوكسيفيتش، الذي قال إنَّ "عرض الأوبرا يدور حول البطلة المحورية التي تتمتع بموهبة إبصار غير عادية، وتدافع عن العقل والحب في مواجهة الشدائد، حتى على حساب حياتها الخاصة"، واصفاً عرض الأوبرا بأنه مأساة ملحمية مألوفة لدى الكثيرين في العالم الناطق بالعربية.
"زرقاء اليمامة".. صراع درامي يعكس آلام الإنسان وآماله
الكلاسيكية بكلمات عربية
وعندما طُرحت فكرة إنتاج أوبرا كبرى جديدة باللغة العربية لأول مرة قبل عامين، أصيب فوكشيفيتش ورفاقه بالذهول والحيرة في البداية. وتساءلوا كيف يمكن دمج اللغة العربية، التي تكتب من اليمين إلى اليسار، والموسيقى الكلاسيكية الغربية التي تكتب نغماتها من اليسار إلى اليمين. لكن كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية ساعدت في حل المشكلة لاحقاً.
موسيقى العرض غربية تحمل بصمة الموسيقى السعودية
كلمات زمانان بألحان برادشو
ألّف النص العربي، الشاعر السعودي صالح زمانان، في حين لحن موسيقى العرض الملحن الأسترالي لي برادشو، الذي يقول: "الخلاصة، هي أن تكون موسيقى العرض غربية تحمل بصمة الموسيقى العربية، خاصة الموسيقى السعودية". وقال إنه استخدم جودة إيقاع شعر زمانان كأساس للموسيقى التي أنتجها". ويضيف: "بدأتُ العملية كلها بالإملاء الإيقاعي لكل بيت من الشعر الذي استخدمناه في الأوبرا. وأصبح ذلك هو الأساس لإعداد جميع الخطوط الصوتية. واعتماداً على ذلك، كتبت أوركسترا تنازلية".
مغنية الأوبرا البريطانية سارة كونولي لعبت دور زرقاء اليمامة في الأوبرا السعودية
البطلة كونولي تنشد بالضاد
وتلعب مغنية الأوبرا البريطانية سارة كونولي دور "زرقاء اليمامة"، وتقول إنها كانت تقضي ليالٍ بلا نوم قلقة بشأن الغناء باللغة العربية. كما أمضت شهوراً في تلقي دروس في اللهجة السعودية. وأضافت: "عندما استمعت لموسيقى برادشو أحسست بأنها مميزة وكُتبت بأسلوب جميل باستخدام الكثير من الأصوات العربية التي من المعتاد أن تستخدم في الموسيقى الشعبية، ومختلف الإيقاعات الحديثة، والطرق التقليدية المتعارف عليها في تأليف الموسيقى وما إلى ذلك"، وأكدت أنها استمعت من قبل لجميع الآلات المستخدمة في عزف موسيقى العرض "مثل الناي والقيثارة والعود".
تبني السعودية حالياً دار أوبرا على أحدث طراز في إطار إعادة تطوير منطقة الدرعية التاريخية
شرق أوسط ديناميكي للأوبرا
ولعب باولو بتروشيلي، الذي يرأس حالياً أوبرا دبي، دوراً رئيسياً في تطوير هذا النوع من الفن في الشرق الأوسط، ويقول إن "زرقاء اليمامة" هو جزء من اتجاه أوسع نطاقاً في المنطقة.
ويضيف أن منطقة الخليج "شهدت تطوراً ملحوظاً في الأوبرا، وهو ما يعكس التقدير المتزايد للفنون المسرحية". ويؤكد أنَّ الاستثمارات في الأماكن الحديثة والمبادرات الثقافية حولت المنطقة إلى "مركز ديناميكي للأوبرا"، قادر على جذب "أفضل المواهب وتقديم إنتاج غزير".
ويردف قائلاً: "ويؤكد هذا التطور على التزام المنطقة بتعزيز التعبير الفني وإثراء المشهد الثقافي".
الاستثمارات في المبادرات الثقافية تحول المنطقة إلى مركز ديناميكي للأوبرا والفنون
تحول ورؤية
ويؤدي الاستثمار السعودي في تطوير الثقل الثقافي للبلاد إلى تحول حقيقي في العديد من جوانب الحياة اليومية في البلاد. وتستضيف الرياض عروضاً ترفيهية كبرى لعدة أشهر كل عام تجتذب أكبر النجوم في العالم العربي وخارجه. ويقام حفل "ميدل بيست" الضخم، بانتظام في ضواحي العاصمة السعودية، وقد تحول اليوم إلى جزء من نسيج المجتمع السعودي.
شبان وشابات سعوديون تقدموا لاستعراض مواهبهم بهدف الانضمام إلى العمل
ومن جانبه، يقول الملحن برادشو: "لقد جئنا إلى هنا قبل 18 شهراً تقريباً لإجراء بعض الاختبارات وشاهدنا مئات من الشباب السعوديين يجرون تجارب أداء لأدوار إضافية، مثل الراقصين، ولاعبي الأكروبات وأشياء أخرى كثيرة إضافة إلى موسيقيين".
ويضيف: "كان من المدهش حقاً التحدث إلى بعضهم، خاصة عندما قالوا لنا بوضوح شديد إنهم لم يعتقدوا أبداً أنَّ فرصة مثل هذه قد تتوفر لهم. وكان ذلك هو الحافز لنا أن نأتي إلى هنا ونفعل هذا".
ويتألق على خشبة المسرح من السعودية خيران الزهراني، وسوسن البهيتي، وريماز عقبي، ويُشاركهم في العمل نخبة من الأسماء العالمية البارزة مثل سارة كونولي، وأليكساندر ستيفانوفسكي، وأميليا وورزون، وسيرينا فارنوكيا، وباريد كاتالدو، وجورج فون بيرغن.
البطلة المحورية تتمتع بالبصيرة وتدافع عن العقل والحب في مواجهة الشدائد
لعشَّاق النوع!
تؤدي المقطوعات الموسيقية للأوبرا أوركسترا دريسدن سيمفوني، بينما ترافق الجوقة الفلهارمونية التشيكية أحداث القصة الشائقة بأصوات مميزة.
ومن خلال موضوعها القوي والأداء الفني المتقن، تعتبر "زرقاء اليمامة" علامة فارقة في تاريخ الفن المسرحي في المملكة، تهدف إلى تعزيز الحراك الثقافي، وإبراز المواهب الوطنية، وإعادة إنتاج وإحياء أعمال وقصص شهيرة موروثة من الجزيرة العربية بشكل معاصر وقالب إبداعي، لتعزيز التبادل الثقافي الدولي، بوصفه أحد أهداف الإستراتيجية الوطنية للثقافة.
إنَّه عمل صمم خصيصاً لعشاق النوع، ولكل من يبحث عن تجربة ثقافية وفنية مميزة!
التعليقات