أعلنت هيئتان فلسطينيتان وفاة الطبيب الفلسطيني البارز عدنان البرش في أحد السجون الإسرائيلية، وحملتا إسرائيل المسؤولية عن وفاته.

وقالت "هيئة شؤون الأسرى" و"نادي الأسير الفلسطيني"، في بيان مشترك، إن رئيس قسم العظام في مستشفى الشفاء بغزة، الطبيب عدنان البرش، توفي في سجن عوفر الإسرائيلي، بعد أكثر من أربعة أشهر من اعتقاله أثناء عمله مع مجموعة من الأطباء في مستشفى العودة، شمالي غزة.
وقالت الهيئتان إن وفاته تعد "عملية اغتيال متعمدة"، وإن جثمانه لا يزال محتجزا في سجن إسرائيلي.
وأصدرت مصلحة السجون الإسرائيلية بيانا في 19 نيسان (أبريل) قالت فيه إن سجينا محتجزا لأسباب تتعلق بالأمن القومي توفي في سجن عوفر، لكنها لم تقدم تفاصيل عن سبب الوفاة، وفقا لوكالة رويترز للأنباء.
وأكد متحدث باسم مصلحة السجون الإسرائيلية أن البيان يشير إلى الطبيب عدنان البرش، وقال إنه يجري التحقيق في الواقعة، وفقا لرويترز.

وتتهم إسرائيل حركة حماس باستخدام المستشفيات لأغراض عسكرية وتقول إن عملياتها العسكرية في المستشفيات تأتي بسبب وجود مقاتلين فيها. وتنفي حركة حماس والطواقم الطبية في غزة هذه الاتهامات.
تحدثنا إلى مراسل بي بي سي في غزة عدنان البرش، الذي يحمل نفس الاسم أيضا، وروى لنا بعض المواقف الناتجة عن تشابه اسمه مع اسم الطبيب الفلسطيني الراحل.
يقول مراسلنا، والموجود حاليا في الدوحة: "كان الناس يخلطون بيننا، إذ نحمل نفس الاسم. أحياناً كان يتصل عليّ مرضاه والمراجعين في عيادته، يسألونني 'كيفك دكتور، شو أخبارك؟' فأخبرهم بأنّي لست أنا عدنان البرش الدكتور، أنا عدنان الصحفي، ثم أتصل به وأقول له 'يا عمّي غيّر رقمك أو غيّر المهنة'".
ويضيف: "حتّى في بعض المرات، كانت تأتي دعوات الأفراح الخاصة به من أصدقائه، إلى منزلي، والعكس كذلك. ودائماً ما كان يناديني "أبو شريك" أي شركاء في الاسم."
ويتابع قائلا: "عدنان ابن عمّي وصديقي المقرب، ظلّ يمارس عمله كطبيب وكرئيس قسم العظام في مستشفى الشفاء، لكنه ترك المستشفى مرغماً عندما دخلت القوات الإسرائيلية إليه وأجبرتهم على النزوح إلى الشمال".
ويضيف: "ظن العديد أنني أنا من توفيت بعدما انتشر خبر وفاة الطبيب البرش، وتلقيت العديد من المكالمات من الأصدقاء والأقارب".

من هو الطبيب عدنان البرش؟
حصل البرش على شهادة الثانوية العامة من مدرسة حليمة السعدية في غزة. ثم سافر إلى رومانيا حيث نال شهادة البكالوريوس في كلية الطب بجامعة يانش. وحصل أيضاً على درجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة الأزهر في غزة.
عاد البرش بعد ذلك من رومانيا، لكن مسيرته التعليمية لم تتوقف، فقد تواصل في تخصص جراحة العظام والمفاصل، وحصل على البورد الأردني والبورد الفلسطيني، ثم نال الزمالة البريطانية في جراحة الكسور المعقدة في لندن.

صنع البرش سمعة كبيرة في الوطن العربي، فتولى رئاسة قسم العظام بمستشفى الشفاء، وظل أحد أعمدته الطبية.

في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، انتشر مقطع فيديو، يُوثّق لحظة إصابة الدكتور عدنان البرش أثناء إجرائه لعملية في المستشفى الإندونيسي شمالي قطاع غزة.
وشوهد البرش، وهو غارق في دمائه بعد إصابته جراء قصف إسرائيلي استهدف المستشفى، فيما جرت عملية مداواته وسط الظلام، بسبب انقطاع الكهرباء في المستشفى.

حصار فاقتحام فاعتقال
يقول مراسل بي بي سي عدنان البرش: "ظلّ الطبيب البرش مصراً على استكمال العمل، وذهب للعمل إلى المستشفى الإندونيسي، ثم دخلت القوات الإسرائيلية وأجبرتهم على الخروج بالقوة واضطُّر إلى إخلاء المستشفى ثانيةً. ثم عمل بعدها في مستشفى العودة في بيت لاهيا، إلى أن اقتحمت القوات الإسرائيلية هذا المستشفى أيضاً، ثم اعتقل عدنان في ديسمبر/كانون أول الماضي، وبقي في السجن، وبحسب كل روايات جمعيات الأسرى، فقد تعرض لتعذيبٍ قاسٍ جداً وقُتل على إثره".

منير البرش، المدير العام لوزارة الصحة في غزة، وابن عم الطبيب عدنان البرش تحدث لبي بي سي قائلا: "كنا نتواصل مع مراكز حقوق الانسان والمحامين لنطمئن على الدكتور عدنان الذي انقطعت أخباره منذ لحظة اعتقاله، والخبر الوحيد الذي تلقيناه كان 'خبره'".

ويضيف: "كانت القوات الإسرائيلية تمنع أي شكل من أشكال التواصل مع الدكتور عدنان، ولم يُسمح لنا حتى بإحضار المحامين إلى السجن. "خمسة شهور من التعذيب ولا نعلم عنه شيء، إلا من خلال بعض الذين خرجوا من الاعتقال وقالوا إنه لم يبق من الأطباء في التحقيق، إلا الدكتور عدنان".

ويتابع منير البرش قائلا: "لو أخذ منه المحققون ما يريدوا أن يأخذوا، لكان قد أُطلق سراحه. لكن عدنان شخص عنيد في الحق وهذا هو عهدنا به وبصموده"، بحسب الطبيب منير، الذي قال أيضاً إن الجهات الإسرائيلية ما زالت تحتجز الجثمان حتى هذه اللحظة.

مستشفى العودة
BBC
يقع مستشفى العودة في جباليا شمالي قطاع غزة

وفيما يخص لحظة اعتقال الدكتور عدنان البرش، يقول الدكتور منير الذي كان موجوداً معه في هذه اللحظات: "تم حصاره في المستشفى الإندونيسي لكنه تمكن من الخروج يوم الهدنة، وبقي على رأس عمله حتى اللحظة الأخيرة. ثم انتقل إلى مستشفى كمال عدوان، ومن ثم مستشفى العودة، وتم حصاره هناك واعتقاله".
ويتابع: "كان الجيش الإسرائيلي يصرخ بأعلى صوته من أمام المستشفى: إذا لم تنزل، سوف نهدم المستشفى على رأسك"، بحسب الطبيب منير.
ويقول الطبيب منير: "هو الطبيب الوحيد الذي بقي في التحقيق لهذه المدة، وهذا يدل على أنه كان تحت التعذيب طيلة هذه الفترة. كان هناك تركيزاً عليه من بين الأطباء، بسبب تهديدهم له لأكثر من مرة، وكأنه مطلوب بشكل مباشر".

"آخر كلماته أوصانا بعائلته وأولاده وزوجته، لأن منزلهم هُدم إثر القصف، وعائلته الآن تُقيم في إحدى المدارس".

ردة فعل مواقع التواصل الاجتماعي
تصدر اسم عدنان البرش قائمة الأعلى بحثاً على منصة "إكس" بعد خبر وفاته. ونعى العديد من المستخدمين الطبيب وأشادوا بإصراره على العمل في ظل الظروف الصعبة المحيطة به.
وكان آخر ما نشره الطبيب عدنان البرش عبر حسابه على منصة "إكس" صورة للطبيب غسان أبو ستة - وهو أحد الناجين من "مجزرة المعمداني"، وكتب عليها: نموت واقفين ولن نركع.. ومثل ما حكيت.. ما يبقى في الوادي إلا حجارتو... واحنا حجارتو

وكتبت منار: "غزة حزينة جداً اليوم، وفلسطين تبكي فخرها و جراحها و مداويها فقدت فلسطين اليوم أمهر أطبائها، الدكتور عدنان البرش ابن مخيم جباليا، الذي تم تعذيبه حتى ارتقائه داخل سجون الاحتلال بعد اقتياده مكبلاً من المستشفى وهو على قيد عمله عشت بطلاً ومت بطلاً وعلى الله أجرك يا دكتور.

تقول هدى نعيم: "جاء خبر مقتل الدكتور عدنان البرش في السجون الاسرائيلية كالصاعقة. ذلك الطبيب المميز وصديق والدي وزميله.. مؤلم جدا هذا الفقد! وخسارة كبيرة".

أعداد قتلى القطاع الصحي في ارتفاع

أفادت وزارة الصحة الفلسطينية بأن "قتل الطبيب عدنان البرش في السجون الإسرائيلية رفع حصيلة قتلى القطاع الصحي في غزة منذ السابع من أكتوبر إلى 496 قتيلاً".

وأضافت الوزارة في بيان صحفي أن حصيلة جرحى القطاع الصحي بلغت 1500، بينما ارتفع عدد الأسرى إلى 309.

وأشارت الوزارة إلى أن "قتل الطبيب البرش لن يكون الجريمة الأخيرة في ظل تكتيم كامل لحالة الأسرى في السجون، خصوصاً من اعتقلوا من قطاع غزة".

وطالبت الوزارة في بيانها "المجتمع الدولي والمنظمات الصحية والحقوقية بالتدخل وحماية الأسرى في السجون من التعذيب والإرهاب والقتل".