هناك مصائب عدة نعيشها في عراقنا الحبيب كالاحتلال والارهاب والاختطاف والبطالة و…الخ. ولكن حسب رأيي أن المصيبة الكبرى التي نعيشها هي من هو الآخر ولماذا هذا التغييب إن كان متعمداً أو عكس ذلك.

فلكل مصيبة هناك حل وأن وفرة الحلول تتوقف على درجة جدية كافة الأطراف المتفاعلة حول ذاك الأمر. وأن الشارع العراقي بكل أطيافه يبحث عن حلول لهذه المصائب التي يعانيها يومياً ومن كافة النواحي. ولك، وإلى الآن لم نرَ أي طرف يضع الحل المناسب لمشكلة الاعتراف بالآخر والتي هي من أكبر المشاكل التي نعانيها.

إذ أنه بوجود الاعتراف بالآخر يمكن وضع حلول عديدة لمعظم المشاكل التي نتجرع ألمها يومياً. والمشكلة أو الطامة الكبرى هي أن معظم التيارات المتواجدة على الساحة العراقية لا ترى غير ذاتها. وأنّ هي فقط على صواب والآخرين في موضع شك وريبة وأنهم على غلط. فثقافة (الأنا) المتجذرة في نفسية الانسان في الشرق الأوسط بشكل عام والعراق خاصة قد استفحلت ووصلت إلى مستوى لا يمكن القبول به بتاتاً.

وحتى أنه يمكن تثبيت هذه الحالة على معظم الأنظمة المتربعة على سدة الحكم في المنطقة. إذ أن معظمها يتسابق نحو ثقافة (الأنا) التي عفى عنها الزمن ولم يعد لها أي اعتبار في نفسية الانسان المتقدم والمتطور.

فها نحن نرى ما هي وضعية الأنظمة العربية المتشتتة والمنهارة والتي لا حول لها ولا قوة تتربع على عرش الاضطهاد والظلم والإفلاس إن لم نخطء وبدون منافس ومنازع. والسبب هو واحد على الأرجح ألا وهو عدم رؤية الآخر ومقوماته وعدم الاعتراف به من كافة النواحي، سوى أنه من الدرجة الثانية أو الثالثة الدونية.

وبما أننا ورثة شرعيين لهذه الأنظمة التي زرعت أفكارها وعقائدها داخلنا طيلة هذه السنوات، فإنه من المؤكد أن نفسيتنا لن تختلف كثيراً عما هو موجود في الانظمة الحاكمة. حتى اصبحنا ننكر الآخر وامكانياته المادية والمعنوية على أساس أنه موجود وهو طرف في المعادلة الحياتية ولا يمكن الاستغناء عنه بتاتاً. فلماذا هذا التطرف في الذات أو (الأنا) والنظرة الدونية للطرف الآخر؟ وإلى متى سنظل نلهث وراء ثقافة (أنا الصح، والآخر على خطأ)؟ فمعظم التيارات الموجودة في الشارع العراقي (القومية والدينية و المذهبية و…) تتبنى هذه الفكرة وأنها لا ترى الآخر ولا تعترف به.

ولنكن على دراية أنه لا يمكن وضع أية حلول لأية مشكلة في عراقنا الجريح إن لم نتبنَ ثقافة التسامح والتواضع لمن هم حولنا ومن ثم الاعتراف بكل أطياف المجتمع بكل معنى الكلمة وليس فقط على منابر الخطابات وبيانات الأحزاب، بل من الناحية العملية. والتخلي عن سياسة وثقافة الإنكار والإمحاء التي يتبعها البعض لكي يثبت ذاتيته الانانية الوحدانية وفي النتيجة الاستمرار في نهج العقيدة الشوفينية الصرفة والوصول بالمجتمع إلى حالة أكثر غرابة وانزواء.

صحفي عراقي