الاشوريون، احفاد الامبراطورية العظيمة بقوتها العسكرية وانجازاتها الحضارية، الممتدة الاطراف، التي دام حكمها اكثر من الف عام..

الاشوريون حملة رسالة السيد المسيح الى الصين واطراف اسيا، بناة الصروح الثقافية وناشري الحضارة بين الامم.. الاشوريون، حاملوا كل هذا التراث، وعوا تاريخهم القديم خلال المائة سنة الاخيرة، لا تذكر ذاكرتهم الا المذابح والمآسي وعمليات الهروب الجماعية.. الاشوريون ذاكرتهم المقسمة ما بين قوة امبراطوريتهم العظيمة، وواقعهم المأساوي، كيف يعالجون امورهم، بأية لغة يخاطبون انفسهم والجوار والعالم، هل لهم خطاب سياسي؟ وان وجد هذا الخطاب، فهل هو مقنع لانفسهم اولا ومن ثم للاخرين؟

اننا نود في هذه العجالة معالجة اسلوب او مضمون الخطاب السياسي الاشوري، ان كان لنا مثل هذا الخطاب اصلا. فما اصطلحنا على تسميته الخطاب السياسي الاشوري، ليس الا كلمات مشحونة بالعاطفة القومية التي تحث على انماء الشعور بالانتماء القومي، دون ان توضح سبل العمل والى ما يرمي اليه صاحب الخطاب.. كلمات تصطف وراء بعضها الاخر، يقرأها القارئ لينساها بعد حين.. لا تضيف الى ادراكه شيئا جديدا غير اثارة مشاعر او غرائز الكره والحقد على الاخرين والافتخار بالماضي والاستعلاء على المحيط، استنادا على هذا الماضي. مقالات تسرد وتملأ صحفنا في ذم الاخر ولا نجد في اغلبها تحليل لاسباب ما وصلنا اليه، الا نادرا، سبب كل مصائبا الاخرين ونحن المساكين الذين لا حول لهم ولا قوة، لم يكن لنا ذنب فيما وصلنا اليه.

خطاب يتوجه الى ابناء شعبنا وكأنه كتلة واحدة، يتجاهل ان الشعب يعيش في بلدان مختلفة بانظمتها السياسية، لا بل يمكن القول متناقضة ومتعادية، وكأن شعبنا يعيش خارج اطار الصراعات الاقليمية والدولية او انه يعيش خارج العصر..

خطابنا السياسي يتوجه للاشوري في العراق او سوريا او ايران او تركيا او في بلدان المهجر بذات اللغة والمصطلحات، (لا بل لا يلاحظ وجود هذه الدول والمصاعب التي اضفتها على العمل القومي).. لا تزال كلماتنا هي نفسها منذ عصر التبشير القومي، وكأننا لم ن ظ ف جديدا الى وعينا ولم نمتلك تجارب جديدة ولا نعيش وقائع مختلفة. فنحن لا نزال نبشر ونوعي بنفس المصطلحات والصياغات التي استعملها رواد العمل القومي، امثال نعوم فائق وفريدون اثورايا واشور يوسف وغيرهم.

ان عدم الوعي بمثل هذه المتغيرات التي حدثت خارج اطار ارادتنا القومية، وعدم توضيحها لابناء شعبنا، يجعلنا نعيش حالة ضبابية تكون فيها اهداف نضالنا القومي غير واضحة.. ان عدم اخذ المعطيات الوارد ذكرها، يشل قدرتنا على وضع تصور سليم لاسلوب النضال القومي وبرمجته واستغلال التناقضات الاقليمية والدولية والقوانين والمواثيق الدولية لصالح تطوير قدرات شعبنا وترسيخ حقوقه.

ان المطلع على الخطاب السياسي الاشوري يجد فيه دعوات تنمي حالة تطرف في طرح الاهداف التي يبتغيها، مع ان هذه الاهداف لا يمكن بلوغها واقعيا بل انها مستحيلة في المدى المنظور، مما يخلق اليأس والقنوط والابتعاد عن العمل السياسي.

ان جل الخطاب السياسي الاشوري الحالي ينمي حالة الحقد والكراهية ضد الاخر دون ان يقدم البديل.. فنحن كآشوريين محكومين بالتعايش مع الاكراد والعرب وغيرهم من الشعوب، وعوض ان نظل نلعن كل الاخرين علينا ان نوضح صورة المعايشة هذه وفي ظل اية ظروف يمكننا ان نتعايش سلميا، لانه في كل الاحوال لا يمكننا ان نلغيهم باللعن والكره، كما انهم لا يستطيعون ذلك من خلال توسيع مدى الاضطهاد الذي يمارسونه بحق شعبنا.. ان تمتعنا بحقوقنا المشروعة يجب ان يصور (لانه هو كذلك) عامل استقرار للدول وللمنطقة وشعوبها..

من حقنا ان نعادي ونعارض السلطات والانظمة التي لا تستجيب لحقوقنا المشروعة او تمارس الاضطهاد ضدنا، ولكن ليس في امكاننا ان نلغي حقيقة الدول القائمة سواء في ممارستنا للسياسة او في طرح الاهداف الواقعية لنضالنا، لان مثل هذا التجاوز يمكن ان يؤدي الى وضع عقبات امام عملنا القومي. بيث نهرين التاريخية تقتسمها اليوم عدة دول وذلك امر يتوجب مراعاته في خطابنا السياسي.

ان خطابنا السياسي يلغي الاخر وتأثيراته في المستقبل الاشوري (علما ان الاشوريين ضحية محاولات الغاء الاخر لهم )، ولكن المصيبة ان الاخرين تمكنوا من الغاء تأثيرنا في قرارهم السياسي (على الاقل وقتيا)، ولكننا لايمكننا فعل ذلك - حتى لو تمنيناه - لان مقدرات الوضع، اقتصاديا وسياسيا وديموغرافيا، ليست بايدينا بل بايدي الاخرين. وهكذا نحن نضع تصورات خيالية لاسلوب واهداف العمل القومي.

لكي يكون خطابنا السياسي واضحا ومجديا يقنع ابناء شعبنا بجدوى العمل السياسي وامكانية تحقيق الهدف (وعلى مراحل)، عليه ان ينطلق من الواقع بما يعنيه ذلك من مصداقية في الطرح والممارسة.. فرغم وجود تنظيمات اشورية تتعامل مع الواقع، الا انه يلاحظ ان بعضها، في خطابها الموجه للجماهير الاشورية، العودة الى الخطاب الذي يلغي الحدود بين الامال والممكن، وخصوصا في خطابها الموجه الى اشوريي المهجر (بغاية تحقيق مكاسب حزبية اعلامية ومادية انية).

وليكون مقالنا اكثر وضوحا، وليس مجرد اضافة كلمات مسطورة لما سبق وقاله العديد من كتابنا القوميين، فأننا نطرح بعض النقاط التي نرى اهمية ملاحظتها عند توجيه خطابنا للاشوريين او غيرهم ممن نريد كسبهم في صف قضية شعبنا:

اولا - يرمي نضال شعبنا الى الاقرار بحقوقه (السياسية والثقافية والدينية) في اطار الدول القائمة حاليا، وان يتم صياغة هذا الطرح بالادراك الواعي بانه لا يمكن تحصيل هذه الحقوق إلا بنمو وتطور ثقافة ليبرالية انسانوية وممارسة سياسية ديمقراطية والايمان الذي لا يشوبه أي شك في التداول السلمي للسطة السياسية لدى الاغلبيات التي نتعايش معها.

ثانيا - تنمية وتطوير المفهوم العلماني لممارسة السلطة السياسية وضمان حقوق الانسان، وتبيان فوائد ذلك، سواء في التطور الاجتماعي او الاقتصادي، الذي يجلبه مثل هذا الالتزام لشعبنا وللشعوب التي نتعايش معها على حد سواء.. ان هذا الامر يجب ان يقترن بالممارسة وليس مجرد اقوال لا تجد لها اثر في الحياة اليومية.

ثالثا - محاولة العمل السياسي بصورة علنية كلما اتيح منفذ لذلك، لان الغاية من العمل السياسي ليست النضال دون هدف، بل لتحقيق اهداف سياسية محددة لشعبنا الاشوري، كما ان النضال السري ينمي لدى الكثيرين حالة العمل الاستخباراتي الذي لا ينتج عنه سوى جمع المعلومات التي قد لا تخدم بل ربما تسئ للعمل القومي وتخضعه لاهواء قلة لا يمكن محاسبتها، كما ينمي روح العداء والبغضاء، فكل من ليس من التنظيم هو عدو او عميل او جبان وغيرها من المصطلحات المنقولة والتي لا تخدم العمل القومي.

رابعا - طرح مشاريع قوانين وطنية ترسخ الوجود السياسي الاشوري على الساحات الوطنية، ونشرها وتعميمها على الفعاليات السياسية والثقافية للشعوب التي نتعايش معها.

خامسا - وفي المهجر لا بد من التوصل لصيغة عمل قومي تستوعب الانتماءات الوطنية المختلفة للاشوريين، والعمل على ازالة التناقضات الحاصلة جراءها على اساس اننا معرضون لنفس الاخطار، وتوجيه خطابنا السياسي للدول والشعوب التي هاجرنا اليها على اساس دعم شعبنا سياسيا في وطنه لاجل ازالة الظلم المحيق به عبر العمل على تطوير قوانين البلدان التي جئنا منها باتجاه ترسيخ حقوق الانسان وفصل الدين عن الدولة.

سادسا - الملاحظ ان اغلب ابناء شعبنا تجهل الكثير عن الشعوب التي تعيش معها في الوطن الواحد (والعكس صحيح ايضا)، ان الواجب يحتم تشجيع الاشوريين على الانفتاح الفكري، ومحاولة معرفة الاخر وكيفية التعايش معه. (وهذا ينطبق على المهجر ايضا)

سابعا - محاربة كل التوجهات والممارسات الشمولية، الفكرية والسياسية، باعتبارها العدو الاول للتعايش السلمي بين الشعوب، وباعتبارنا الضحية الاولى لمثل هذه التوجهات والممارسات.

اننا اذ نطرح هذه الاراء حول الخطاب السياسي الاشوري، فاننا نبتغي اجتثاث مواقع الخلل والخطأ فيه ليكون مجديا ومقبولا لدى عموم شعبنا ومناصريه واصدقاءه من الشعوب والتوجهات السياسية والثقافية للاغلبيات التي نعيش بينها، فالعربي والكردي والتركماني والفارسي وشعوب الدول التي نتعايش معها في المهاجر لا يعرفون شعبنا الا من خلال الخطاب الذي نوجهه اليهم، وعلينا اقناعهم بقضيتنا وعدالتها ومشروعيتها للحصول على دعمهم.. علينا ان نقنعهم ان قضية شعبنا هي قضيتهم جميعا، لان منطلقاتها انسانية..

وشعبنا يجب ان يعي صعوبات قضيته على حقيقتها ليتسلح بما يذلل هذه الصعاب.

تيري بطرس