برز مصطلح المقاتلون العرب في وسائل الإعلام ليطلق على مجموعات من الشباب العربي المتوجه الى العراق لمساندة أعمال المقاومة العراقية ضد الغزو الأنجلوأمريكي ولايمكن معرفة جميع توجهات هؤلاء الشباب ولكن يمكن معرفة من أين أتوا وبكل تأكيد لهم إرتباط بالقضية العراقية بإعتبار أن العراق أرض عربية تم الإعتداء عليها من قبل قوات أجنبية، ومهما حاولنا من تلميع صور الغزو الأنجلوأمريكي إلا أن أعمالهم تدحض جميع من يقول بحسن نواياهم وأهدافهم والمهم الآن هو التصور الحقيقي لأسباب توافد المقاتلون العرب الى العراق غداة وقوع بغداد في قبضة القوات الأنجلوأمريكية في التاسع من أبريل من عام 2003م والجميع كان يشاهد هذا الحدث الأليم على شاشات التلفزة في جميع القنوات الفضائية العالمية سواء منها العربية أم الأجنبية وعندما عبرت الدبابات الأمريكية أهم الجسور في بغداد إبتدأت مشاعر الحزن تظهر على الوجوه والمشاهد المؤلمة التي ستبقى عالقة في الذاكرة لفترة طويلة بل لن تغيب عن ذهن من عاش هذه الفترة المؤلمة من عمر الزمن لأن كل شيء في بغداد كان يحترق فالسيارات المحترقة كانت منتشرة على امتداد الطريق باعثة على الفزع، وجثث آدمية مبعثرة ينبعث منها الدخان هذه الحرب التي لم تترك شيئاً يتحرك إلا وإستهدفته بالقصف والتدمير، لتخلف مئات الأجساد المتفحمة، وأخرى تحترق ببطء ليختلط الدخان المنبعث منها، بالدخان الذي كان يلّف بغداد بأكملها راسمة لوحة تعبيرية لخيال فنان يتخيل أهوال يوم القيامة وهي لوحة تجسد الهمجية البشرية والخسارة الحقيقية من جراء سقوط بغداد.
في صبيحة سقوط بغداد (9 أبريل 2003)، كانت عمليات النهب والسلب قد اجتاحت جميع المناطق العراقية، ودخلت المجنزرات الأمريكية ساحة الفردوس، حينها أدرك العرب سقوط بغداد. ومن ساحة الفردوس حيث كان ينتصب تمثال "صدام حسين" الذي كان شاهداً على سقوط بغداد قبل ان يسقط التمثال أيضاً على يد القوات الأمريكية التي كانت تقوم بجمع الذخائر والصواريخ لتفجرها بعد وضعها في خنادق حفرت لهذا الغرض. غير أن خطأ لم يعرف سببه أدى لاشتعال النار في عدد غير قليل من الصواريخ والقذائف، مما أجبر القوات الأمريكية للتراجع بسرعة تاركة المنطقة بأسرها تحت رحمة الصواريخ والشظايا النارية المتطايرة.
وستكون أيام الحرب هذه محفورة في الذاكرة لسنوات طويلة ولاسيما المشاهدات عبر الفضائيات لصور الدمار والجثث الآدمية المحترقة والنيران المشتعلة. كل هذه المشاهد بدأت بالتأثير على ذلك المشاهد الذي بدأت الدماء تغلي في عروقه حتى وصل الى قناعة بالذهاب الى بغداد لتحريرها من الغزو الأنجلوأمريكي، وبدأو يتدفقون على بغداد مجموعات من الشباب كمقاومين أومقاتلين ومعظمهم ممن جاهد في أفغانستان وعادوا الى بلدانهم بإعتبار أنهم مجاهدين ساهموا في حرب التحرير وأطلق على كل منهم لقب مجاهد وهي لغة الإعلام في ذلك الوقت وبدلاً من إستقبالهم إستقبال الأبطال وإحتوائهم، بدأ التضييق عليهم في أكثر من دولة عربية وكانت أجهزة إستخبارات بعض الدول العربية تتهمهم بالمشاركة في أعمال عنف أي سقط لقب المجاهد عنهم وأصبح لقب إرهابي هو السائد، وما أن لاحت في الأفق الأزمة العراقية والغزو الأنجلوأمريكي على العراق بدأت قوافل ومجموعات من هؤلاء تتجه الى العراق قادمة من كل مكان للدفاع عن هذا البلد وأهله كما حاولوا زمن الغزو السوفيتي على أفغانستان. ويمكن تحديد أهم أسباب قدوم مجموعات الشباب إلى العراق، لمساندة المقاومة العراقية لصد هجمات القوات الأنجلوأمريكية التي غزت العراق وأدت الى سقوط بغداد وإحتلال العراق، وسيتكرر نفس السيناريو الذي حدث في أفغانستان سيأتي هؤلاء الى العراق للعمل في المجال الإغاثي أو مجال إعمار العراق وفي مناطق اللاجئين في العراق ومن ثم الإلتحاق بمعسكرات التدريب التابعة للمقاومين العراقيين ومعظم هؤلاء المقاتلون العرب بدأو رحلة الهرب من بلدانهم فرارا من دولهم إما خوفا من الاعتقال أو لملاحقتهم بتهم موجهة إليهم.
ولقد شجعت الحرب على العراق مجموعات من الشباب العربي للتوجه إلى العراق للإشتراك في الحرب الدائرة في العراق ولاسيما أن الحرب لم تنتهي وإنما لازال القصف مستمر على المدن والقرى بحجة قصف مراكز المقاومة العراقية المسلحة والمدعومة من جماعات المجاهدين القادمين من كل مكان ولاسيما جماعة الزرقاوي التي بدأت تروج لها الإستخبارات الأمريكية، ولا نشك أن هناك دولاً تدعم هذه الجماعات كما كانت أمريكا تدعم المجاهدين ضد الإتحاد السوفيتي في أفغانستان وكما كانت أيضا روسيا تدعم الثوار الفيتناميين ضد الغزو الأمريكي فهذا صراع أبدي أزلي وستكون هذه الحرب فرصة لإنتقام القوى العالمية من بعضها البعض بأيدي المقاتلين العرب.
ومازال الشارع العربي يعيش الواقع المر والأليم الذي حدث بعد سقوط بغداد وبعد مرور أكثر من عام ونصف العام على هذا الحدث المؤلم لم نر التحرك الرسمي العربي الجاد للقيام بمبادرات عملية لإنقاذ الوضع الأمني المتدهور في العراق لأسباب سياسية أقوى من قدرة بعض الدول العربية بالإضافة الى حركة الإنقسامات العربية داخل الجامعة العربية مما أدى بالجماعات الشبابية التوجه الى العراق من خلال قرارات فردية غير مدعومة من أي جهة عربية متخذين مايسمى بسياسة التوريط حتى تتسع دائرة الحرب المفروضة على العراق الى دول عربية مجاورة ولاسيما التهديدات المستمرة من اليمين الأمريكي المتطرف ضد إيران وسوريا ويجب أن نعترف بالحقيقة المرة وهي أن الدول العربية لاتمتلك القوة الكافية للدفاع عن نفسها او حدود أراضيها عوضاً عن الدخول في مغامرات متهورة غير محسوبة ومعروفة نتائجها سلفاً لغير صالح العرب ولانجد في الأفق أي بوادر وحدة عربية عوضاً عن وحدة إسلامية ولو على شكل تكتلات إقتصادية فهذه الدول لازالت تعاني من التفكك والأزمات الإقتصادية الخانقة، ومن الأسباب الرئيسية الكامنة وراء هذا الجمود رغم قوة الزلزال الذي هز الضمير العربي وهو يرى بالصوت والصورة سقوط إحدى قلاع الحضارة العربية بطريقة مهينة، هو الطوق المضروب على الحركات الشعبية من طرف الحكومات العربية التي تحاول المحافظة على أعلى درجات ضبط النفس ولو بالضغط على الشعوب لأن ذلك الدمار إن توسع فإنه سيطال الجميع شعوباً وحكومات والشعوب العربية لازالت تتبنى العاطفة مساراً لأهدافها إن هي تبنت أهداف أصلاً والحكومات العربية تدرك حساسية الموقف ولكن تعترف بالعجز التام إزاء إتخاذ أي إجراء ولو عبر قنوات الأمم المتحدة التي اصبحت بلا شك في يد الدوله العظمى الوحيدة في هذا العالم وفي هذه الحقبة من الزمن التي قد يسميها المؤرخون فيما بعد بزمن الصمت العربي الرهيب أو زمن العجز والضعف العربي وأصبحت حكومات الدول العربية تعاني من المطرقة الأمريكية المرفوعة فوق جغرافيا الجسد العربي وبين سندان العمليات الإرهابية التي تحدث في الدول العربية من هنا وهناك بل مما يزيد الأمور تعقيداً هو حالة الضجر الشعبي بسبب الفقر والبطالة والإنحلال من خلال بعض وسائل الإعلام التي بدأت تكثر وتتزايد بدرجة أصبحت الرقابة عليها فيما يتعلق بالأخلاق مستحيلاً ولكن لازال هناك خوف شعبي رغم حالة التمرد الذي يعيشه المواطن العربي فهي حالة قد تبدوا متناقضة ولكنها سهلة التفسير فالتمرد على الأخلاق من خلال وسائل الإعلام غير المراقب أو الموجه ولكن الخوف من عصا الحكومات ضد أي حالات تعبير عن حرية الرأي والفكر سواء بمظاهرات او بندوات أوحتى بلقاءات في برامج إعلامية سياسية وهذا هو سر الذهول. ويجب أن نخلص الى القول لماذا لانستفيد من دروس الماضي؟ حتى لايتكرر في المستقبل فما حدث في أفغانستان وماتلاه من عودة المجاهدين الى بلدانهم وعدم إنخراط بعضهم في الحياة الإجتماعية بشكل كامل أدى الى تدهور الحالات الأمنية في بعض الدول العربية وهو ما سوف يحدث بكل تأكيد إذا لم تتبنى الحكومات العربية من الآن برامج تأهيل العائدين من العراق عند إنسحاب القوات الأجنبية منها وعدم التفكير في الدخول بقوات عربية مشتركة تتحول الى إنتشار عربي جديد في العراق الأمر الذي ينذر بحرب أهلية عراقية عربية وتشتعل المنطقة من جديد كما حدث في لبنان مثلاً.وبرامج التأهيل التي نتحدث عنها بحاجة الى تظافر جميع الجهود لإحتواء هؤلاء المقاتلين خوفاً من أن تتكرر مأساة الأفغان العرب التي لازالت آثارها باقية الى الآن وتتحول الى مأساة المقاتلون العرب.

مصطفى الغريب – الرياض