لا يزال السيد عرفات، برغم مرضه يتربع على كل عروش الفلسطينية، من فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية الى رئاسة السلطة، الكثيرين يقولون فيه شاغل العالم، اما انا فاقول محير العالم، شخص الفرص الضائعة، شخص لم يفكر في مصلحة الفلسطينيين بقدر تفكيره، بتنفيس احقاده، على من كرههم، السيد عرفات المتربي في احضان الاخوان المسلمين، والذي حاول ان يساير المد اليساري والقومي العروبي، ترأس منظمة التحرير الفلسطينية بعد ابعاد الشقيري، وكانت فاتحة لبروزه معركة الكرامة التي طبل وزمر لها الاعلام العروبي، حيث تم نفخ السيد عرفات الى درجة انه صار يقيس نفسه على وزن الملوك والرؤساء، وبدلا من استغلال ذلك لخدمة قضيته الوطنية، حاو ل مع بعض المنظمات الاخرى وبدفع من القوميين اليساريين الطفوليين، اسقاط الملك حسين حاضن القضية الفلسطينية وحامي اكثرية اللاجئيين الفلسطينيين، ولكنه لم يدري انه يناطح صخرة شماء، يصبر ولكنه عندما يقول يفعل، فقال كلمته، لا للممارسات الصبيانية لعرفات ورجاله، ان للاردن ملك واحد وحكومة واحدة، واخرج عرفات الى حضن الاخ الاضعف عروبيا، الى لبنان، لقد تم رمي حمل القضية الفلسطينية على اللبنانيين، اكثر البلدان العربية دفاعا عن القضية، ولكن بدون جعجة
وصياح الاذاعات العروبية، وبدلا من ان يتعلم عرفات من التجربة الاردنية، استغل ضعف السلطة اللبنانية، وحاول اعادة فرض نفوذه على الشارع اللبناني، مستغلا انقسام اللبنانيين الى طوائف متعددة، وعندما حاولت الدولة وقفه عند حده، وجد المساندة وبكل اسف من اليساريين والطوائف المسلمة، وكانت الحرب اللبنانية، التي ما افادت الفلسطينيين ودمرت لبنان، كان عرفات يقول ان تحرير القدس يمر بجونية، فخسر جونية ولم يربح القدس.

عرفات العروبي الاسلامي، اتته اغلب الضربات واقواها له ولانصاره ولشعبه، من العروبيين والاسلامويين، ففي كل حروبهم مع اسرائيل، لم يفقد الفلسطينيين قتلى بقدر ما فقدوه، بقتالهم مع الاخوة الاعداء، من الاردن مروا بالحرب اللبنانية وتبدلاتها، وحرب المخيمات وحرب طرابلس وحصار المخيمات من قبل امل الشيعية التي اضطرت الفلسطينيين لاكل الجيفة.

السيد عرفات الذي حاول بعد يأس من الكفاح المسلح، ان يضمن لنفسه موقعا في التاريخ، من خلال اتفاقية اوسلو، الا ان الطبع تغلب فيه على التطبع، فحاول ان يلعب الدورين، دور المفاوض، ودور المقاتل، ان يقاتل اسرائيل من خلال منظمات مثل حماس والجهاد، ناسيا انه يتكلم بأسم منظمة، تعتبر في نظر العالم ممثلة للشعب الفلسطيني، فالتمثيل لا يكون في القتال والكلام، ولكن في ظبط الوضع، وتأكيد سيادة القانون، اي ان تكون هنالك جهة وحيدة لتنفيذ القانون، اي ان لا يعلن انه يريد السلام ويترك انصار الجهاد والحماس يتحركون بحرية تامة، لتنفيذ مأربهم في زرع القتل في كل مكان.

السيد عرفات حاول ان يلعب مع اسرئيل التي لا تعرف اللعب مع امنها، فهي اساسا قائمة كملاذ امن لشعب ذاق القتل والحرق بسبب هويته، ان يلعب مع دولة للقانون فيها كلمته، ان يكون بوجوه متعددة، مع دولة تقول له بكل صراحة واحيانا وقاحة ما تنتظر منه.

السيد عرفات من اجل ان يكون اسمه مترددا في الاعلام، كبطل للعروبيين والاسلامويين، لا زال منذ ايلول 2000 يقدم الضحايا من قبل شعب الفلسطيني لهذه الغاية، ودمر الاقتصاد الفلسطيني، وسيقبل هو ان كتب له النجاة، او خلفائه باقل مما عرض عليه حينذاك، او اللقاء الاخير مع السيد كلنتون في طابا.

السيد عرفات رجل السلام، ام رجل القتال، رجل المفاوضات السلمية ام رجل المؤامرات الخفية، الرجل الذاهب الى حتفه ام الرجل المتعافي، انه عرفات المحير للعالم، فلا نعرف له كلمة او موقف او قرار.

تيري بطرس