في الحرب الأهلية الإسبانية 1936، وبعد هزيمة الجمهورية الأسبانية ، سئل الجنرال فرانكو: كيف حققت الأنتصار؟ كان جوابه ، موجزا ، وافيا ، وواضح الدلالة: بواسطة الطابور الخامس! حيث كان له اربعة طوابير " فرق " عسكرية مقاتلة ، والطابور " الفرقة " الخامس من الجواسيس والمناصرين الذين كانوا يعملون داخل صفوف الجمهوريين ، وذهبت كلمته ، مثلا يضرب للحالات التي تتشابه ظروفها وحيثياتها مع ذلك.
اعتقد ان هناك تشابه كبير في الظروف الحالية التي يمر بها عراقنا الحبيب ، فالجهود الكبيرة التي تبذل من اجل إعادة بناء الدولة العراقية على أسس ديمقراطية ، من أجل بناء دولة القانون ، بناء العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد ، هذه الجهود النبيلة ، تتعرض الى تخريب وعرقلة من قبل الفئات التي تضررت مصالحها ، بإنهيار النظام المقبور. هذه الفئات المتضررة تعتمد في تنفيذ اعمالها الأجرامية ، على الخدمات المتنوعة التي يقدمه لها الطابور الخامس الذي تسلق ووصل ، بطريقة أو اخرى ، الى المراكز الحساسة في اجهزة الدولة العراقية الجديدة وخاصة في الوزارات المهمة كالدفاع والداخلية ، والأجهزة الأمنية والمخابراتية ، واشار الى ذلك الكثير من المخلصين العراقيين ، من الكتاب والمثقفين العراقيين ، وشاركهم في ذلك حتى المسؤولين العراقيين. اشار السيد توفيق الياسري رئيس اللجنة الأمنية في المجلس الوطني العراقي الأنتقالي في جلسته المنعقدة في 2004/10/26 الى ان " هناك خروقات أمنية كبيرة في اجهزة الأمن والشرطة العراقية " ، واضاف السيد الياسري انه يوجد " خرق للأجهزة المكلفة بالتعامل مع الملف الأمني " ، وصرح السيد وزير الدفاع لأذاعة سوا في 2004/10/28 ان " هناك خروقات في وزارة الدفاع تم اكتشافها " واضاف السيد الوزير ان " هناك متطوعون للجيش الجديد ينتمون لتنظيمات معادية " ، واشار مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية الى ان " هناك ادلة على وقوع اختراق من المتمردين داخل قوى الأمن العراقية " ( الشرق الأوسط في 23/10/2004). وتعقيبا على مجزرة الحرس الوطني في طريق بدره ـ جصان ، صرح مصدر امني كبير: " يبدو ان قوة كبيرة شديدة التنظيم لديها معلومات جيدة نصبت لهم كمينا " ، واشار احد المواطنين من منطقة " اليوسفية ، اللطيفية ، المحمودية " الى ان الشرطة في عموم هذه المناطق: " متواطئة مع الأرهابيين " ( المدى 21/10/2004) ، وقامت الصحف العراقية والعربية ووكالات الأنباء بنشر اخبار اعتقالات لمسؤولين كبار في قوات الشرطة والحرس الوطني والأجهزة الأمنية ، حيث نشرت جريدة الصباح في 1/11/2004 خبرا اشار الى قيام شرطة ديالى بإعتقال خمسة من منتسبيها بينهم ضابط للأشتباه بعلاقاتهم مع العصابات الأرهابية الأجرامية ، ونشرت جريدة الوطن في يوم 28/10/2004 خبرا يمكن إعتباره كارثة وهو إعتقال المقدم يوسف وهو مسؤول الأمن في مجلس الوزراء والذي كان ضابطا في جهاز الأمن الخاص للطاغية صدام ، وان من اصدر امر تعيينه هو السيد رئيس الوزراء نفسه ، وفي 19/9/2004 تم إعتقال العقيد دهام خليل الجبوري والذي كان يعمل في مقر القيادة العامة للحرس الوطني وذلك بسبب علاقته مع الأرهابيين ، وفي يوم 26/9/2004 تم إعتقال العقيد سمير الدراجي قائد قوات الحرس الوطني في سامراء ، حيث كان ينسق مع شقيقه من قادة الأرهابيين ، وفي يوم 23/9/2004 تم إعتقال اللواء طالب عبد الغيث اللهيبي وذلك لعلاقته مع الأرهابيين وكان قائدا لثلاثة افواج من الحرس الوطني المكلفة بالحفاظ على الأمن في محافطة ديالى ، وفي 13/9/2004 تم إعتقال عشرة من الشرطة العراقية في الفلوجة بينهم ضابط لأتهامهم بالتعاون مع الأرهابيين ، اعتقل مدير ناحية الرياض في كركوك لتقديمه الدعم وإيواء الأرهابيين. وحصلت حوادث عديدة متكررة ، تركت علامات استفهام كبيرة في كيفية حدوثها ، منها على سبيل المثال لا الحصر: في يوم 4/10/2004 اغتيل مدير شرطة حدود السماوة وبمعيته مدير شرطة كمارك الديوانية ، وذلك في منطقة اللطيفية ، وهما في طريق عودتهما من إجتماع في وزارة الداخلية ، وكانا يرتديان الملابس المدنية ، وفي نفس المنطقة نصب الأرهابيون كمينا لحافلة صغيرة تقل تسعة من رجال الشرطة انهوا دورة تديبية في عمان وتم اغتيالهم وذلك في يوم 16/10/2004 ، وفي نفس المنطقة أيضا ، تم نصب كمين لمفرزة من الشرطة كانت مكلفة بمهمة رسمية ، وهي نقل آثار لا تقدر بثمن من مدينة الناصرية الى العاصمة بغداد ، حيث تم إغتيال كافة افراد المفرزة وتم نهب الآثار ، وفي 13/9/2004 تم إغتيال (12) شرطيا في وسط مدينة ديالى ، وكانوا يرتدون الملابس المدنية وبعد اكمالهم دورة تدريبية ، وآخرها المجزرة التي ارتكبت بحق افراد الحرس الوطني في طريق بدرة ـ جصان والتي راح ضحيتها ( 49) شرطيا اضافة الى ثلاثة سواق. ونعتقد ان لذلك اسباب عديدة أهمها:
1 ـ عدم انتقال الملف الأمني للأيدي العراقية.
2 ـ الأعتماد على الملاكات القديمة ، خريجي المدرسة البعثية ، بحجة الأستفادة من خبراتهم.
3 ـ التعيين دون التدقيق في طبيعة وخلفية الأشخاص المقدمين للشرطة والحرس الوطني.
4 ـ تمكن العناصر الفاسدة والمرتشية من استغلال الثغرات والوصول لمناصب ادارية مهمة في الدولة.
5 ـ ضعف يقظة الأحزاب والقوى السياسية ، وفتحها مكاتبها لعناصر النظام السابق، وسعيها للكسب السهل الرخيص.
6 ـ استبعاد الأحزاب والقوى السياسية من المشاركة في تعيين الشرطة والحرس الوطني والأمن والمخابرات ، مما سهل مهمة اختراق هذه الأجهزة من قبل القوى الأرهابية.
7 ـ تكليف العشائر بتقديم قوائم للشرطة والحرس الوطني ، مما جعل قسم منهم يضع تسعيرة لأدراج اسم من يريد التسجيل.
8 ـ ضعف الشعور بالمسؤولية من قبل بعض الأحزاب والقوى السياسية ، وإهتمامها بمصالحها الفئوية الضيقة.
9 ـ شيوع حالة اللأبالية والسلبية لدى الجماهير.
ولقد نشرت جريدة المدى في يوم 30/10/2004 مقالا بقلم هيئة تحريرها ، اصاب كبد الحقيقة ، ووضع اليد على الجرح ، كما يقال ، وطرح المقال عدة أسئلة منها: من لا يعلم ان الشرطة مخترقة؟ ، أين كان مجلس الحكم من هذه القضية؟ ومن ثم الحكومة الحالية؟ ، أين كانت الأحزاب منشغلة عن واحدة من بديهيات السلطة؟ ، وطالب الدكتور كاظم حبيب بأن تكون لـ " الدولة والمسؤولين آذانا صاغية لما يقال لها وما يقترح عليها "
واعتقد اصبح لزاما على الحكومة العراقية المؤقتة والمجلس الوطني العراقي الأنتقالي ، الأستفادة من الدروس السابقة ، وتطهير المراكز الحساسة في اجهزة الدولة من بقايا النظام ، وكل من له ارتباط سابق بنظام الطاغية صدام.