لعل الدرس الأكثر عمقا للأزمة العراقية أن "القلب الاستراتيجي" للعالم قد أصبح متطابقا مع "القلب الجغرافي"، فرغم الأهمية الاستراتيجية القصوى للعالم العربي فإن الصراع بين القطبين خلال النصف الثاني من القرن الماضي قد جعل ساحة الصراع المحتملة أوربا ما جعل القطبين يكتفي كل منهما بمنع خصمه من تحقيق انتصار بارز في الساحة العربية، ومع تفكك الكتلة الشيوعية انتقل الصراع ليصبح العالم العرب مسرحه الرئيس. وكنتيجة طبيعية لإبقاء العالم العربي منطقة "فراغ استراتيجي" – وهو أمر واقع محزن لا مفر من الاعتراف به والتعامل معه كمعطى واقعي – فإن مستقبل العالم العربي سيظل مرهونا شئنا أو أبينا بأجندات القوى الكبرى.
وقد جاءت الأزمة العراقية لتمثل لحظة كاشفة إذ انجلت عن أجندتين تتنافسان على صوغ المستقبل العربي إحداهما أمريكية تراهن على تحول ديموقراطي ينهي حقبة من السياسات الإملائية التي لم تكن سوى إعادة إنتاج للسياسات الاستعمارية التقليدية وأجندة فرنسية ترى ضرورة إبقاء أوضاع العالم العربي على ما هي عليه بوصفه "المجال الحيوي" للسياسات الفرنسية – ومن ورائها حلفاؤها الأوروبيون – معتبرة أن تحولا ديموقراطيا في العالم العربي "خط أحمر" لا يجب تجاوزه.
وعبر مراحل الأزمة العراقية أظهرت فرنسا حرصا على إنقاذ النظام العراقي من مصيره بوصفه واحدا من أكثر النماذج السياسية العربية تأثرا بما يسمى "النموذج الفرنسي" بملامحه التي تشكل مشتركا بين كل النخب العسكرية العربية:
1 – ثقافة شوفينية.
2 – دولة مركزية.
2 – تهميش يصل أحيانا إلى حد الإبادة للأقليات.
3 – رؤية علمانية ملحدة للذات والعالم وما وراء العالم.
ولقد أصبحت مواجهة الأجندة الفرنسية لمستقبل المنطقة العربية خطرا حقيقيا على الأمة العربية، وبخاصة أنها تعتمد خطابا سياسيا منافقا يتخفى خلف مقولة "سيادة الدولة" لمنع كل احتمالات التغيير، رغم أنها من أكثر القوى الإمبريالية في العالم نهما للتدخل في شئون شعوب الجنوب ولها وجود عسكري "استعماري" واسع في أفريقيا وغيرها.
وهذا المقال دعوة لتأسيس حركة شعبية عربية واسعة مناهضة للإمبريالية الفرنسية أتصور أ، يكون في مقدمة اهتمامتها ما يلي:
أولا: إعادة الماضي الاستعماري الفرنسي القريب لدائرة الضوء وبخاصة في المغرب العربي.
ثانيا: توثيق جرائم الإبادة الفرنسية بحق الجزائريين وبخاصة تفجيرها قنبلتها النووية الأولى على أرض الجزائر كشاهد على كذب خطابها السياسي المنافق بشأن القضايا العربية.
ثالثا: توثيق الدور الفرنسي في نشأة الكيان الصهيوني بدءا من اتفاقية سايكي بيكو مرورا بدورها القذر في تحويله لقوة نووية وانتهاء بالدعم الفرنسي (والأوروبي عموما) المستمر حتى الآن للكيان الصهيوني في مواجهة عمليات التجميل التي يقوم بها الإعلام الرسمي العربي للموقف الفرنسي من الصراع العربي الصهيوني.
رابعا: تسليط الضوء على الطبيعة الإلحادية للعلمانية الفرنسية التي يبشر بها كحل لمشكلات العالم العربي بينما هي في حقيقة الأمر مشكلة وليست حلا.
خامسا: إحياء ذكرى أول هولوكوست في التاريخ الحديث كان مسرحه فرنسا وراح ضحاياه مئات الآلاف من سكان "فاندي" المسيحية التي اعتصمت بمسيحيتها ورفضت القيم الإلحادية للثورة الفرنسية.
ويمكن لمناقشة الفكرة أو طرح أفكار بشأنها الاتصال بالكاتب عبر البريد الإليكتروني:
[email protected]